في مثل هذا اليوم1 سبتمبر1920م..
ظهر للوجود للمرة الأولى لبنان والذي ضم مناطق عدة خاضعة للانتداب الفرنسي، وجاء ظهوره في إطار تصفية تركة الدولة العثمانية، وكانت هذه الدولة تضم جبل لبنان وألحقت به كل من بيروت وطرابلس وبعلبك والهرمل والجنوب وسميت جميعها دولة لبنان الكبير.
الانتداب الفرنسي على سوريا أو الاستعمار الفرنسي (بالفرنسية: Mandat français en Syrie et au Liban)، (بالإنجليزية: French Mandate for Syria and the Lebanon)، هو الحالة التي شكلت النظام الأعلى للسياسة والمجتمع في سوريا منذ أن هزمت قوات المملكة السورية العربية ضعيفة التسليح والعدد في معركة ميسلون في 24 تموز عام 1920، وحتى تمام جلاء القوات الفرنسية عن كامل التراب السوري يوم 17 نيسان عام 1946، والذي غدا اليوم الوطني السوري، وقد أقرت عصبة الأمم الانتداب رسمياً عام 1922.
يمكن تقسيم الانتداب إلى عدة مراحل تاريخية بدءاً من تقسيم البلاد عام 1920 وإخضاعها للحكم المباشر، إلى الوحدة بين دمشق وحلب في الدولة السورية عام 1925، ثم تمخّض الثورة السورية الكبرى عن انتخابات الجمعية التأسيسية التي وضعت دستور عام 1930 الذي أعلنت بموجبه الجمهورية السورية الأولى، أما الإضراب الستيني فقد أفضى أواخر عهد محمد علي العابد إلى وحدة البلاد ومعاهدة الاستقلال، غير أن فصل لواء إسكندرون واحتجاجات 1939 وكذلك الحرب العالمية الثانية أدت إلى توقيف العمل بالدستور وإعادة البلاد للحكم المباشر، وقد خضعت البلاد لحكومة فيشي حتى عام 1941 حين سيطر عليها الحلفاء، وأعلن شارل ديغول استقلالها وإعادة العمل بالدستور، وبعد الحرب العالمية الثانية أدت انتفاضة الاستقلال إلى تحقيق جلاء الفرنسيين عن كامل التراب السوري.
كان المفوض السامي الفرنسي يقيم في بيروت وله صلاحيات مطلقة في التشريع والتعيين، وكذلك عيّن موظفون فرنسيون في الوزارات والدوائر الحكومية بوصفهم مستشارين، وأما المحاكم فكانت مختلطة من قضاة سوريين وفرنسيين، وبعد إقرار الدستور تقلصت صلاحيات المفوض الفرنسي، غير أنه لم يعتمد الدستور وينشره إلا بعد أن أضاف مادة تنصّ على «تقييد العمل بأي مادة تخالف صك الانتداب»، وكانت الفرنسية اللغة الرسيمة للدولة السورية إلى جانب العربية، وقد ترك الفرنسيون آثارهم على التنظيم الإداري والعسكري السوري، الذي تأثر لاحقًا خلال عهد الجمهورية الثانية بالتنظيم السوفياتي، كما تركوا آثارًا واضحة في تخطيط المدن السورية وتنظيمها.
بعد زوال الحكم العثماني أعلن الأمير فيصل تأسيس حكومة عربية في دمشق وكلف الضابط السابق في الجيش العثماني الدمشقي علي رضا الركابي بتشكيلها ورئاستها ولقب بالحاكم العسكري، ولقد ضمت ثلاثة وزراء من جبل لبنان، ووزيراً من بيروت ووزيراً من دمشق وساطع الحصري من حلب، ووزير الدفاع من العراق، محاولاً الإيحاء بأن هذه الحكومة تمثل سوريا الكبرى وليست حكومة على الأجزاء الداخلية من سوريا، كما عين اللواء شكري الأيوبي حاكماً عسكرياً لبيروت وعين جميل المدفعي حاكماً على عمّان وعبد الحميد الشالجي قائداً لموقع الشام وعلي جودت الأيوبي حاكماً على حلب.
وقد سعى الأمير فيصل جاهداً إلى بناء جيش سوري قادر على بسط الأمن والاستقرار والحفاظ على كيان الدولة المزمع إعلانها، وطلب من البريطانيين تسليح هذا الجيش ولكنهم رفضوا، وفي أواخر عام 1918 دعي الأمير فيصل للمشاركة في مؤتمر الصلح الذي انعقد بعد الحرب العالمية في فرساي، حيث زار فرنسا وبريطانيا الذين أكدوا له على حسن نواياهم تجاه سوريا في حين أنهم كانوا من وراء ظهره يقتسمون ما تبقى منها، ويقومون بتعديل اتفاقية سايكس بيكو، وقد طرح فيصل في المؤتمر قيام ثلاث حكومات عربية في كل من الحجاز وسوريا والعراق، وفي المؤتمر اقترح الأمريكيون نظام الانتداب، كما اقترحوا إرسال لجنة لاستفتاء الشعب حول رغباتهم السياسية وعرفت بلجنة كينغ كراين فوافق الفرنسيون والبريطانيون مكرهين على إرسال اللجنة الأمريكية.
عاد الأمير فيصل إلى سوريا في 23 نيسان عام 1919 استعداداً لزيارة اللجنة الأمريكية، بعد أن وكل عنه في عضوية مؤتمر الصلح عوني عبد الهادي، حيث عُقد اجتماع شعبي كبير برئاسة محمد فوزي العظم في صالة النادي العربي بدمشق، وألقى الأمير فيصل كلمة الافتتاحية التي وضح فيها هدف اللجنة الأمريكية التي ستصل وطبيعة مهمتها، وزارت اللجنة التي استغرقت مدة تواجدها في المنطقة 42 يوماً 36 مدينة عربية، واستمعت إلى 1520 وفداً من قرى مختلفة، وقدمت إليها 1863 عريضة، جميعها طالبت بالاستقلال والوحدة، وفي 3 تموز 1919، قابل وفد المؤتمر السوري اللجنة الأمريكية، وأبلغوهم بطلبهم باستقلال سورية الكبرى وإقامة نظام ملكي فيها.
بعد انتهاء اللجنة الأمريكية كينغ كراين من عملها جاء في توصياتها «إن بلاد الشام ترفض السيطرة الأجنبية، ويُقترح فرض نظام الانتداب تحت وصاية عصبة الأمم المتحدة حيث أن العرب مجتمعين على أن يكون الأمير فيصل ملكاً على الأراضي العربية دون تجزئتها»، وسلمت اللجنة تقريرها إلى الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون في 28 آب عام 1919 الذي كان مريضاً، وأهمل التقرير بعد تغيير ويلسون موقفه بسبب معارضة كبار الساسة الامريكيين في مجلس الشيوخ (الكونغرس) له، لمخالفته السياسة الانعزالية التي تتبعها أمريكا منذ عام 1833، والتي تقضي بعدم التدخل في شؤون أوروبا وعدم تدخل أوروبا بشؤون أمريكا.
قبل الأمير فيصل تحت الضغط عقد اتفاقية مع فرنسا ممثلة برئيس وزرائها جورج كليمانصو وعرفت باسم اتفاق فيصل كليمانصو ومن أبرز بنودها:
الانتداب الفرنسي على سوريا مع احتفاظ البلاد باستقلالها الداخلي، وتعاون سوريا مع فرنسا فيما يخصّ العلاقات الخارجية والمالية، وأن يقيم سفراء سوريا في الخارج ضمن السفارات الفرنسية.
الاعتراف باستقلال لبنان تحت الوصاية الفرنسية الكاملة، وبالحدود التي سيعينها الحلفاء من دون بيروت.
تنظيم دروز حوران والجولان في فيدرالية داخل الدولة السورية.
وفي أواخر حزيران من العام 1919، دعا الأمير فيصل المؤتمر السوري العام إلى الانعقاد، وكان يعتبره بمثابة برلمان بلاد الشام وقد تألف من 85 عضوًا، غير أن فرنسا منعت بعض النواب من الحضور إلى دمشق، فافتتح المؤتمر بحضور 69 نائبًا وكان من أبرز أعضائه:
تاج الدين الحسيني وفوزي العظم والد خالد العظم ممثلين عن دمشق.
إبراهيم هنانو ممثلاً عن قضاء حارم.
سعد الله الجابري ورضا الرفاعي ومرعي باشا الملاح والدكتور عبد الرحمن كيالي ممثلين عن حلب.
حج فاضل العبود ممثلاً عن دير الزور ومنطقة وادي الفرات.
حكمت الحراكي ممثلاً عن المعرة.
عبد القادر الكيلاني وخالد البرازي ممثلين عن حماة.
أمين الحسيني وعارف الدجاني ممثلين عن القدس.
سليم علي سلام وعارف النعماني وجميل بيهم ممثلين عن بيروت.
رشيد رضا وتوفيق البيسار ممثلين عن طرابلس.
سعيد طليع وإبراهيم الخطيب ممثلين عن جبل لبنان.
وانتخب هاشم الأتاسي رئيساً للمؤتمر، ومرعي باشا الملاح ويوسف الحكيم نائبين للرئيس، وقرر المؤتمر رفض اتفاق فيصل كليمانصو والمطالبة بوحدة سوريا واستقلالها وقبول انتداب أمريكا وبريطانيا ورفض الانتداب الفرنسي ولكن على أن يكون مفهوم الانتداب هو المساعدة الفنية فقط.
توترت العلاقة بين فيصل وغورو في أعقاب تراجع فيصل عن اتفاقه مع الفرنسيين وانحيازه للشعب، وطلبت الحكومة السورية ثلاثين ألف بدلة عسكرية لتنظيم الجيش ومن جهة أخرى سقطت حكومة |كليمنصو في فرنسا وحلّت حكومة ألكسندر ميلران اليمينية المتطرفة بدلاً منها، فتنصلت فرنسا من الاتفاق فعلياً، وفي منتصف تشرين الثاني من العام 1919 بدأت القوات البريطانية الانسحاب من سورية بعد تواجد دام حوالي عام واحد.
وفي 8 آذار عام 1920، عقد المؤتمر السوري العام بدمشق برئاسة هاشم الأتاسي وبحضور الأمير فيصل وأعضاء الحكومة، واستمر لمدة يومين بمشاركة 120 عضواً من أعضاء المجلس الوطني السوري وخرج المؤتمر بالقرارات التالية:
استقلال البلاد السورية بحدودها الطبيعية استقلالاً تاماً.
اختيار سمو الأمير فيصل بن الحسين ملكاً دستورياً على البلاد بالإجماع ويلقب صاحب الجلالة.
النظام السياسي للدولة مدني نيابي ملكي.
تعيين حكومة ملكية مدنية، وتم تعيين علي رضا الركابي القائد العام للحكومة، ويوسف العظمة وزيراً للدفاع السوري، وتحويل اللغة الرسمية من التركية إلى العربية في جميع المؤسسات الحكومية والدوائر الرسمية المدنية والعسكرية والمدارس، وإلغاء التعامل بالعملة التركية واستبدالها بالجنيه المصري، ثم أصبح التعامل بالدينار السوري.
رفض وعد بلفور الصهيوني في جعل فلسطين وطناً قومياً لليهود أو وطن هجرة لهم.
رفض الوصاية البريطانية والفرنسية على العرب.
رفض الحلفاء الاعتراف بالدولة الوليدة وقرروا في نيسان من عام 1920 خلال مؤتمر سان ريمو المنعقد في إيطاليا تقسيم البلاد إلى أربع مناطق تخضع بموجبها سوريا ولبنان للانتداب الفرنسي والأردن وفلسطين للانتداب البريطاني، وإن كان لبنان ومعه الساحل السوري وكذلك فلسطين لم تدخل عسكريًا تحت حكم المملكة نظرًا لكون جيوش الحلفاء فيها منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.
رفضت الحكومة وكذلك المؤتمر العام مقررات مؤتمر سان ريمو، وأبلغوا دول الحلفاء بذلك تباعًا بين 13 و21 أيار من العام 1920، وكانت الأصوات تتعالى في سوريا للتحالف مع كمال أتاتورك في تركيا، أو الثورة البلشفية في روسيا، وقد شهدت حلب لقاءات بين وزير الحربية يوسف العظمة، ووفد تركي ممثل لكمال أتاتورك، حول دعم السوريين في نضالهم ضد فرنسا، غير أن تلك اللقاءات لم تؤد إلى نتيجة بسبب أن أتاتورك كان يستغل السوريين لتحسين شروط تفاوضه مع الفرنسيين، فأدار ظهره للسوريين وعقد اتفاقا مع فرنسا عُرف بمعاهدة أنقرة عام 1921، التي شملت تنازل سلطة الاحتلال الفرنسي عن الأقاليم السورية الشمالية وانسحاب الجيش الفرنسي منها، وتسليمها للسلطة التركية الوليدة.!!
Discussion about this post