في مثل هذا اليوم3 سبتمبر1683م..
القوات العثمانية تحقق انتصار كبير في «معركة فيينا» وذلك عندما تمكنت من فتح ثغرة في الدفاع عن المدينة التي كانت واحدة من أهم العواصم الأوروبية.
نشبت في عام 1683م حرب بين الدولة العثمانية والنمسا نتيجة تعدِّيَّات الإمبراطور النمساوي ليوبولد الأول على الجزء المجري التابع للعثمانيِّين. أعلنت الدولة العثمانية الحرب على النمسا في أغسطس 1682م، ولكنَّها لم تبدأ في تحريك جيوشها الفعلية لحرب النمسا إلا بعد أكثر من سبعة شهور، في أول أبريل 1683م[1]. هذه المدة الطويلة أعطت إمبراطور النمسا الفرصة لإثارة أوروبا، واستنهاضها لمساعدته، وقد كان لهذه المساعدات أكبر الأثر في سير الأحداث في الفترة المقبلة.
الحملة الهمايونية الكبرى إلى النمسا (صيف 1683م):
خرج السلطان محمد الرابع من إدرنة بنفسه على رأس الجيش العثماني الذي كان ضخمًا للغاية، حيث يمكن أن يصل عدده في بعض الإحصائيات إلى ثلاثمائة ألف مقاتل[2]؛ منهم مائة وخمسون ألفًا كقوة رئيسة بقيادة الصدر الأعظم قرة مصطفى، بالإضافة إلى قوات مساعدة خرجت من محاور أخرى، مثل قوات تتار القرم، التي بلغت أربعين ألفًا، وقوات الملك المجري الحليف توكولي التي بلغت في بعض التقديرات سبعين ألفًا، و-أيضًا- قوات أخرى من الإفلاق، والبغدان[3]. تصل بعض التقديرات بالجيش العثماني إلى نصف مليون جندي[4]، ولكن تبدو المبالغة في هذا الرقم واضحة. توقف السلطان محمد الرابع في بلجراد، وترك الجيش يُكمل المسيرة بمفرده في اتجاه النمسا[5].
لا أدري السبب وراء تكرار فعل السلطان لهذا الأمر في مسيرة حكمه، فهذه هي المرَّة الرابعة على الأقل التي يترك فيها الجيش ليتمركز في منتصف الطريق! مرتان ضد بولندا، ومرَّة ضدَّ روسيا، وهذه المرَّة! أهو تأمينٌ للحملة، أم تأمينٌ للسلطان، أم خوفٌ من الجهاد؟ لا أدري! تحرك الصدر الأعظم في 24 مايو[6] على رأس مائة وخمسين ألفًا من بلجراد إلى الشمال[7]. كان الهدف المتفق عليه مع السلطان هو استرداد قلعة چايور Győr شمال غرب المجر (110 كيلو متر جنوب شرق ڤيينا)، ولكن في الطريق جمع الصدر الأعظم أركان جيشه وأبلغهم عن عزمه للتوجه بالجيش لفتح ڤيينا ذاتها! كان القرار مفاجئًا للجميع، واعترض بعض القادة[8] لكن الصدر الأعظم أبلغهم أن هذه فرصة عسكرية فريدة، وأنه لن يتوفر لهم جيش بهذا الحجم في وقت قريب، وأن هذا مطلوب لمباغتة النمسا قبل تكوين الأحلاف.
أمام إصراره رضخ الجيش وحوَّل مساره إلى ڤيينا[9]! أنا في الواقع لا أعتقد أن مثل هذا القرار كان وليد اللحظة. نعم السلطان محمد الرابع لم يعلم به، لأنه نُقِلَ عنه أنه قال بعد أن عرف وجهة الجيش، والتي لم يعرفها إلا بعد وصول الجيش إلى ڤيينا بستة أيام، قال: «لو كنت أعلم ذلك مقدَّمًا ما أذنت»[10]! نعم لم يكن السلطان يعلم، لكن أعتقد أن الصدر الأعظم كان متَّخِذًا هذا القرار قبل خروجه من إدرنة أساسًا! إن الخروج بهذا العدد المهول من الجنود، والتنسيق مع تتار القرم بهذه الأعداد الغفيرة، والتنسيق كذلك مع الأعوان النصارى، من المجر، والإفلاق، والبغدان؛ كل ذلك لا يكون من أجل فتح قلعة صغيرة مثل چايور مهما كانت مهمة! إن الصدر الأعظم -في غالب الامر- أخفى الأمر عمدًا عن السلطان والجيش، ولعله أقنع السلطان بالبقاء في بلجراد ليتمكن من تنفيذ خطته بمفرده. ماذا كان يهدف من وراء ذلك؟ هل يبحث عن مجد شخصي كفاتح لڤيينا عاصمة الإمبراطورية الرومانية المقدسة، والمدينة التي فشل سليمان القانوني العظيم في فتحها، والقلعة التي لو سقطت صار الطريق إلى غرب أوروبا مفتوحًا؟ هل هو التأمين العسكري للحملة بحيث لا تصل معلوماتها إلى الاستخبارات النمساوية؟ هل هو الإهمال لكيان السلطان الضعيف، والذي ينبغي ألَّا يعرف شأنًا عسكريًّا كهذا؟ هل هو غرور الكرسي حيث يتصرف الصدر الأعظم كحاكم فعلي للبلاد منذ ولايته عام 1776م؟ قد يكون السبب واحدًا مما سبق أو غيره لكن المحصِّلة واحدة: حملة عسكرية بهذا الحجم، وقادتُها غير متفقين على وجهتها أو إدارتها!!!







Discussion about this post