الكراهية في المجتمعات ” جريمة ” .الكاتب الإعلامي :د . أنور ساطع أصفري .______________________________________________________________________________الكراهية ، والتحريض عليها ، جريمةٌ يرفضها كلّ إنسانٍ سوي .الكراهية هي نفورٌ وإشمئزاز من شخصٍ أو مجموعةٍ ، وغالباً تكون بسبب العرق أو اللون ، أو الانتماء أو الميول .وفي بعض دول العالم الغربي وأمريكا وطبقاً للقانون المعمول به ، فإن السلوك الناتج عن الإزدراء أو الاحتقار والكراهية ضد الآخر ، أو ممارسة التمييز ضد جماعةٍ معيّنة إن كانت قومية أو دينية أو مذهبية ، هي أشياء ممنوعة ويُحاسب عليها القانون .ولكن وبشكلٍ عام فإن ثقافة الكراهية هي مرفوضة شكلاً وموضوعاً ومضموناً عند الإنسان السوي والعاقل ، حيث أن أصعب الحروب هي الكراهية ، فالكراهية لا تصنع وطناً ، ولا تُحقّق حلماً ، ولا تُقيم ديمقراطية .الآن نستطيع أن نقول بأن الكراهية موجودة في بقاع العالم وتُمارس بشكلٍ أو بآخر ما بين دولةٍ وأخرى ، علماً أن الأمم المتحدة لعبت دوراً في مكافحة أشكال التمييز أو نشر الكراهية ، وذلك وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1904-18D في عام 1963 بهدف القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ، حيث في البند السابع من القرار المذكور ” لكل إنسان الحق في المساواة أمام القانون وفي العدالة المتساوية في ظل القانون ، دون تمييزٍ بسبب العرق أو اللون والأصل الإثني ، و حق في الأمن على شخصه وفي حماية الدولة له من أي عنفٍ أو أذى بدني يلحقه سواء رسمي أو من أي فردٍ أو جماعةٍ أو مؤسسة .كما له حق التظلّم من ذلك إلى المحاكم المستقلة المختصة التماساً للإنصاف والحماية .وعلى الرغم من أن الدول العربية قد وقّعت وصادقت على ذلك القرار ، وعلى قرارات أخرى خاصّة بالمواثيق والمعاهدات التي تُعزّز حقوق الإنسان وتصونها من الانتهاكات ، إلآّ أنها وبكل أسف ظلّت حبراً على ورق ، إذ ما تزال جرائم الكراهية والتحريض عليها تُمارس يومياً ، حيث تُرتكب جرائم الكراهية والتحريض عليها في العديد من الصحف والفضائيات ومواقع الانترنت وغيرها ، وأحياناً بشكلٍ رسمي ، بهدف نشر ثقافة الكراهية والعنف وازدراء واحتقار والحطّ من مكونات النسيج الاجتماعي والسيادي للآخر .حالياً هناك هجمة في الغرب ، لا بُدّ من التصدي لها ، والمُتمثّلة بالترهيب من الإسلام ، والمعروفة ” بإسلام فوبيا ” ، فالآن هناك المئآت من مواقع الانترنت وعشرات القنوات الفضائية ، والكثير من الصحف الغربية تقوم بذرائع مختلفة ببث الدعاية السلبية وغير العقلانية ضد الإسلام والمسلمين .وقولاً واحداً إن ” إسلام فوبيا ، أو ” رهاب الاسلام ” هو ظاهرة من نتاج تقاطعات الخصائص الهجومية للعنصرية الغربية في هذا العصر .بالفعل كان هناك تواجداً للمسلمين في أوروبا ، وعلى الدوام ، ولكن بنفس الوقت كانت هناك ثلاث تيارات تواجه المسلمين فعلياً ، هي : اسلام فوبيا ، ومعاداة الإسلام ، والتطرف والفكر الوهّابي والحكومات المنحرفة .وكل هذه التيارات لعبت بل إستخدمت في مختلف الفترات التاريخية أساليب خاصّة للهجوم على المسلمين وعلى الإسلام ، ولكن بنفس الوقت هناك أصعدة عديدة يمكن التصدي من خلالها على إسلام فوبيا إن كان على الصعيد السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي أو العلمي .ففي المجال الثقافي يمكن الاستفادة من طاقات المسلمين في أوروبا من خلال المراكز التقليدية لنشر الوجه الحقيقي للمسلم الخيّر والمعطاء والإنسان .وأيضاً في المجال السياسي لا بُدّ من تقوية الجاليات الاسلامية من خلال نهجٍ معتدل لها ، ومن خلال سياسة التسامح والأخلاق والحكمة ، فالكثير من المسلمين متواجدون في مختلف حكومات وبرلمانات العالم ، وهم بطبيعة الحال يسلكون الدرب المعادي للكراهية والعنف والتطرف .وفي المجال الاجتماعي لا بد من تقوية دور التيارات العقلانية الاجتماعية للمسلمين المعتدلين في أوروبا وتعزيز الصلات الاجتماعية بينهم وبين المواطنين المحليين والمجتمع الذي يعيشون فيه .وأيضاً الطلبة الذين يدرسون في أوروبا عليهم مهام من خلال إيجاد الصلات بينهم وبين الطلبة الآخرين بهدف تعريفهم العميق بالمجتمع العربي والإسلامي ومفهومه الإنساني .لذا نستطيع أن نقول بأن كل ما نحياه من مشاكل هو بسبب غياب سياسة أو ثقافة الحوار ، فهناك وبسبب ثقافة الإقصاء خنادق بين إنسانٍ وآخر ، وأصبحنا شبه غرباء ، اصبحنا إن اختلفنا على أفضلية المرور نقتل بعضنا ، وإن اختلفنا على لون ملابسنا نقطع رؤوس بعض ، مع الأسف لم نتعلم قبول الآخر الذي يختلف عنّا فكرياً أو ثقافياً أو عرقياً أو سياسياً ، والمصيبة لا تكمن بأننا نرفض الآخر ، بل المصيبة الكبرى تكمن بأننا نريد قتل الآخر وكأنه لم يكن .مع الأسف ثقافتنا مُجرّدة من الحسّ الانساني والحضاري ، حتّى الإرهابي المتطرف أصبح يملك مفاتيح الجنّة .من الأقوال الجميلة لجورج برناردشو ” التقدم نحو الأفضل لا يتم إلاّ عن طريق التغيير ، وهؤلاء الذين لا يستطيعون تغيير عقولهم لا يستطيعون أن يُغيّروا شيئاً “.فرعون حين قال ” أنا ربكم الأعلى ” قال سبحانه وتعالى لموسى وهارون ” إذهبا إلى فرعون إنه طغى ، فقولا له قولاً ليّناً لعله يتذكّر أو يخشى ” .هكذا كان عطف وتسامح الله بمن قال ” أنا ربكم الأعلى ” .علينا أن نتعلّم ، ومهمتنا ككتّاب وإعلاميّون ومفكرون وعقلاء وحكماء مهمة كبيرة ونبيلة ، فعلينا أن نتوجّه دوماً نحو الأفضل حتى نستطيع أن نُغيّر كل مُتابعٍ لنا نحو الأفضل .فعلينا إعادة تأهيل الإنسان كإنسان ، وأن نرفض كلّ ثقافةٍ متطرفةٍ لا أخلاقية .فالإنسان الآن حينما يستمع إلى الآخر يُبرمج نفسه كي يردّ عليه الصاع صاعين ، ولا يستمع إليه كي يفهمه ، حيث ردودنا أصبحت مُعلّبة ، كعلب الكونسروة ، ومواقفنا أيضاً هي هي ، مُحنّطة ، ولا جديد في حياتنا حيث غُسلت أدمغتنا بثقافةٍ لا علاقة لها بالحضارة والحسّ الإنساني .نعتقد أن الوقت قد حان لإصدار قانونٍ جاد وخاص بجرائم الكراهية والتحريض عليها ، وضرورة بذل كل الجهود لتضييق وتجفيف منابع ثقافة الكراهية ومحاسبة أي شخص أو وسيلةٍ إعلامية أو جماعةٍ تروّج أو تنشر مثل هذه الثقافة الشريرة والخطيرة . وإحلال ثقافة الحوار والتسامح ومبادىء حقوق الإنسان واحترام القانون وقبول الآخر . ونبذ التعصّب والتطرف ، ومحاربة الإرهاب ، وبتر سياسة الإقصاء ، وتعزيز روح التسامح والتعايش والحوار بين كل مكوّنات مجتمعاتنا .







Discussion about this post