قراءة: أصول الشعرية واستيطيقا اليومي
ا=============
مقدمة:
يقترح”هايدجر” في كتاباته الفلسفية الفن حلا كفيلا بانتشال الإنسان من زيف الحياة التي يعيشها.. وهذا ما يشير الى الاستيتيقا (علم الجمال)..
وبناء على هذا التصور الفلسفي، يمكن أن نعتبر الشعر إشارة للانفتاح الكوني على اليومي، كما يمكن اعتبار الادب عامة علامات مضيئة للفن الذي يبحث في الجوهر الخالد و جمالية البعد الانساني للفن..
وهو ما يعطي شرعية طرح الإشكاليات الآتية في نص الشاعرةحمد حاجي:
كيف استحضر الشاعر جمالية الفن في حياتنا اليومية أكان ذلك انقطاعا عن التراث ام معاصرة باليومي فحسب ام في كليهما؟
وكيف [تذوق] القارئ الجمال ضمن أدبيات المعيش اليومي؟
هل يعطينا الفن الفرصة للوقوف على الوضع الإنساني؟
وكيف نؤسس لشاعرية تقبل جماليات اليومي واكراهاته؟
كيف نستثمر في الاستطيقي قصد إنتاج ثقافة مختلفة وهادفة؟
ا=======================
اولا: في الاصالة والمعاصرة النصية..
ا=======================
يمتزج النص بالرجوع حينا الى تراثنا العربي الشعري وباستنباط اليومي حينا آخر .. وتلك استيطيقا الجمال فيه.
ا====== عباس ابن الاحنف نموذجا =========
مواقف كثيرة يشترك فيها الشاعرة عباس ابن الاحنف مع شاعرنا حمد حاجي نجملها في ثلاث منها..
الاولى فكما خالف ابن الأحنف الشعراء في طريقتهم إذ أنه لم يمدح ولم يهج، بل كان شعره كله غزلاً وتشبيباً.. فان جل ما يكتبه حمد حاجي من الغزل الشفيف الواقعي..
ثانيا في ما يتعلق باختطاف الحدث الشعري لتكوين التجربة الوحدة العضوية للنص في تماسكه كان الاستهلال على طريقة الشاعر: العَبّاسِ بنِ الأَحنَف في قصيدة : في قصيدته: بَخِلَت عَلَيَّ أَميرَتي بِكِتابِها ..
فلئن اوجد ابن الاحنف سببا للشجار تافها ( زجرته على المرور بالباب فوز ) فإن حمد حاجي تزجره الحبيبةُ على مص النرجيلة والتدخين..وينشئ الشاعر حمد حاجي سوء تفاهم بين شريكين يبدو لوهلته تافها..
ففيما يقول ابن الاحنف.. في قصيدته المعنونة ب: (ماذا يَرُدُّ عَلى سُعادَ مُتَيَّمٌ):
قَد ضاقَ عِيّاً نُطقُهُ بِجَوابِها
نلاحظ ان الشاعر حمد حاجي يقول
تعاتبني فَوْزُ حين أمسك
نرجيلتي وأُكَحْكِحُ من ألَمِ
هكذا نرى ان الشاعر حمد حاجي يزيح المعنى ذاك فيؤثث نصه بمحرار اليومي والواقعي .. ويقول عن النرجيلة وغيرة محبوبته:
خَرَجَت سُعادُ تَقولُ لي بِشَماتَةٍ
زَجَرَتكَ فَوزٌ أَن تَمُرَّ بِبابِها
وثالثا البحث في سبب الشجار وسوء التفاهم فلئن أرجعه عباس ابن الاحنف الى السحرة والى المرأة التي تنفث في العقد والتي يراها تأكل كبد حمزة وتشرب دمه..
فإن الشاعرةحمد حاجي أرجع السبب الى حرائق الحب التي تنهش قلبه من ليلة حميمية .. لازال دخان حرائقها يخرج مع دخان النرجيلة ..
انظر
عباس ابن الاحنف بقصيدته المعنونة ب : (إِنّي لَأَحسَبُ وَالأَقدارُ غالِبَةٌ) يقول:
حَتّى سَعَت بَينَنا يا فَوزُ ساعِيَةٌ
مَشهورَةٌ عُرِفَت بِالنَفثِ في العُقَدِ
يا فَوزُ لا تَسمَعي مِن قَولِ واشِيَةٍ
لَو صادَفَت كَبِدي عَضَّت عَلى كَبِدي..
بينما السبب وراء عتاب محبوبة الشاعر حمد حاجي ما هو إلا شيء بالداخل يعود الى الحب الدائم بعيدا عن متعة واشتهاء البارحة.. انظر يقول:
وتنسى بأنّ الدخان الذي اِرْتَقَى…
من حرائق ليلٍ بلا أنجُمِ!….
ا=======================
ثانيا: في القراءة السيميائية للاستهلال
ا=======================
استهل الشاعر قصيدته..
بفعل في صيغة المضارع(تعاتبني)
الذي يدل على دوام الفعل واستمرارية عتاب الحبيبة (فوز) لحبيبها على ادمانه على التدخين(النرجيلة)..
والعتاب بين الأحبة دليل على تمسك أحد الطرفين بالطرف الآخر
وليؤكد الشاعر على ذلك انتقى اسما للحبيبة له دلالته المعنوية فالحبيبة(وقد أجمع العرب على ذلك) اسم فوز تتصف بالجمال والرومانسية والتعاطف مع من حولها..
مثل هذه الصفات تجعلها تعتني بحبيبها وتحرص على سلامة صحته التي تدهورت بسبب التدخين(أكحكح)..
وهذه الدلالة المعنوية تتناصً مع النص القرآني أيضا حيث ذكرت كلمة فوز في القرآن في عدة سور من ذلك سورة البروج (الآية 11)”ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير” ومن معاني فوز النجاة من الشر.
هكذا نتبين من سيميائية الاستهلال التأصيل الشعري للنص من ناحية والذهاب به للمعاصرة حين الاتيان باليومي المتمثل بالنرجيلة والتعامل الانساني معها..مما يبرهن على ان الفن فرصة اخرى للوقوف على الوضع الإنساني..
ا======= يتبع ===========
ا====== يتبع ==============
ا=======================
ثالثا استيتيقا النسيان والجنون..
ا=======================
ماذا لو نظرنا الى مقولة (نيتشه)“… وأولئك الذين يرقصون، هم مجانين بالنسبة إلى من لا يستطيع الاستماع للموسيقى”
فكما وجد نيتشه في الرقصَ مجازا لازما للفكر .. نلاحظ ان الشاعر جعل من النسيان جنونا ..
فاننا نجد الشاعر حمد حاجي يضع الحبيبة في وضع جنون مادامت تلك الحبيب يبادلها نفس مشاعر الحب(ولم أنس بعد حلاوة مبسمها في فمي) وهي من فرط عشقها له تغار عليه من هذه النرجيلة(الشيشة) التي”يقبًلهأ قبلة المغرم”
والحبيب رغم قناعته بمعقولية عتابها وبمشروعية غيرتها فهو يبرًر إدمانه على التدخين وكأني بالشاعر هنا ينتشل الحبيب من قوة السلطة المعنوية للحبيبة فيتدخل بعد ان كان متخفًيا ليقدم الحجة التي قد تجعل الحبيبة تستسلم وذلك في قفلة لم نكن لنتوقًعها..
ليقول: “فتنسى بأن الدخان الذي ارتقى….” ويواصل الشاعر تدخله بأن ترك لنا هامشا من الفرضيات التي يمكن للدخان ان يرتقي اليها..
لنفترض ان الدخان ارتقى الى مرتبة الحبيبة لان وجه الشبه بينهما أن الحبيب ينتشي بهما بيد ان الحبيبة تعتبر نفسها محور نشوته حين يقول” وتنسى بأن….”
والشاعر يعود إلى الفعل في صيغة المضارع الذي يعبر عن استمرارية النسيان عند الحبيبة التي تعتبر نفسها المصدر الوحيد لامتاع الحبيب وإمكانية إخراجه من حرائق ليل بلا أنجم حيث يعمً الظلام وتنعدم الرؤيا والتيه في طريق مظلم وبالتالي يبقى هذا الحبيب مهموما ومحروقا بمصائبه(الاجتماعية/ الاقتصادية/الفكرية/الثقافية…)
ا=======================
رابعا: في جمالية التجربة الشعرية
ا=======================
كيف نستثمر في الاستطيقي قصد إنتاج ثقافة مختلفة وهادفة؟
انه باختصار التعبير عن وجهة النظر بعيدا عن الاختلاف في نتائجها وقريبا من فتح عين القارئ على الحلول وليس تقديمها جاهزة..
ان الشاعر الذي عودنا بانتصاره للمرأة في قدرتها على التأثير يجعلها في هذه القصيد(رغم انتقاء اسم له دلالته على النجاة من الشر) يجعلها غير قادرة على انتشال حبيبها من بؤرة التدخين وأكثر من ذلك حين يجعل التدخين منافسا لها.. (الدخان الذي ارتقى…..) في التأثير على الخروج من المشاكل الحياتية.
في الحقيقة لم يكن الشاعر ليهزم السلطة المعنوية للمرأة وإنما هو يسلط في الحقيقة الضوء على واقع مرً وعلى مجتمع انهزامي يرى الحل في الخروج منه والعيش من خارجه لعدم الشعور بمرارته..
ا======= يتبع ==========
ا=============
خاتمة
ا=============
ولعلنا نذهب الى ان الشاعر يقترح في الحقيقة بديلا في المرأة المفعمة بالحب والرومانسية والتعاطف مع من حولها لكن دون جدوى.. وبالتالي ان شاعرنا حمد حاجي يطرح اشكالية الوعي سواء الوعي الفردي او الوعي الجماعي لان الوعي وحده هو المسؤول على تجاوز اشكاليات الحياة … شكرا للشاعر الدكتور على طرحه واقتراحه لمثل هذه الوصفة الشافية للارتقاء بالمجتمع..
ا=======================
النص الاصل
ا=======================
تعاتبني فَوْزُ حين أمسك نرجيلتي وأُكَحْكِحُ من ألَمِ.
وقد كنت فقتُ ولم أنسَ بعد حلاوةَ مبسمها في فمي
.
وتسألني كيف يحلو لك التبغ كيف تُقبلها قبلة المغرم؟
.
وتنسى بأنّ الدخان الذي اِرْتَقَى… من حرائق ليلٍ بلا أنجُمِ!
ا. حمد حاجي تونس..
Discussion about this post