الفساد ، سلاح (الفوضى الخَلّاقة) الفَعّال ..
د.علي أحمد جديد
يتمثل (الفساد) بأنه أعمال غير نزيهة يقوم بها بعض الأشخاص من الذين يشغلون مناصب هامة في الدولة والمجتمع ، وهو أمضى وأقسى أسلحة النظرية الأمريكية :
” الفوضى الخلّاقة ”
التي أعلنت عنها وزيرة الخارجية الأمريكية (كوندليزا رايس) عام 2006 من قلب العاصمة اللبنانية ” بيروت ” لإشغال العالم كله بالفوضى من خلال العمل على تفشي الفساد في مجتمعاته وتشجيعه ، وبتنا نرى الفساد في كل الإدارات وفي كل الحكومات في العالم كله .
وهناك العديد من المواقف التي يمكن فيها اعتبار الشخص فاسداً ، كإعطاء وقبول الرشاوى والهدايا بدون وجه حق أو بدون مُناسبة ، وتحويل الأموال ، والاحتيال ، وغسيل الأموال .
ويقف وراء تفشي ظاهرة الفساد في أي مجتمع العديد من العوامل الاقتصاديّة والسياسيّة التي يتم استغلال وجودها واستخدامها ، والتي يمكن اختصارها بعناوين ودلالات واضحة .
أولها (غياب أو تغييب الديمقراطية) .
إذْ كَشفت العديد من الدراسات أنّ سيادة الديمقراطيّة في المجتمع يحدّ من تفشي ظاهرة الفساد فيه ، لأن الديمقراطية تجعل السياسيين و أصحاب المناصب في حالة استرضاءٍ دائم للشعب من أجل الحصول على الأصوات الانتخابية ، الأمر الذي يوسِّع من دائرة القرار السياسيّ . والجدير بالذكر أن عدم وجود قانون جاد في تطبيق الردع للفساد يُساهم في تفشيه وانتشاره السريع في المجتمعات .
ويمكن القول أيضاً بأنّ السياسيات الاقتصادية التي تتبناها الحكومات لها أكبر الأثر البالغ في تفاقم مشكلة الفساد أو الحدّ منها ، لأنّ حكومات الدول الفقيرة تظهر فيها معدلاتُ فسادٍ أعلى من غيرها ، وذلك بسبب تدنّي رواتب الموظفين الحكوميين فيها ، الأمر الذي يدفعهم لقبول الرشاوى وممارسة اختلاس الأموال من خلال شبكات يتم تنظيمها لصالح أصحاب النفوذ ، بينما يتمتّع موظفو الدول المُرفَّهة اقتصادياً بأجور جيدة تجعل اللجوء إلى الأساليب غير المشروعة في اكتساب المال مخاطرة كبيرة تنطوي على خسارة المنصب الوظيفي أولاً ، وعلى المحاسبة القاسية في أحكامها .
ويتّخذ الفساد أشكالاً متعدّدة في المجتمعات وفي الحكومات والتي أبرزها :
* الرشوة :
إذْ تتمثّل الرشوة بكونها أول وأخطر خطوات الفساد حين يقوم الموظّف بأعمال مخالفة لأصول وأخلاقيات المهنة لصالح بعض الأفراد مقابل عائد مادي أو منفعة معيّنة لقاء تأمين نفقات حياته وحياة أبنائه ، حتى يصل إلى قناعة راسخة بأن مايتلقاه من الرشاوى واحد من حقوقه التي لايمكنه الوصول إليها بطرق قانونية أو أخلاقية .
* المحسوبيّة :
وتعد أيضاً من أكثر أشكال الفساد إضراراً على المستويين الاقتصاديّ والاجتماعيّ ، وتتمثّل باستغلال السلطة و النفوذ بشكل غير مشروع قانونياً لخدمة مصالح غير المستحقين .
* النصب والاحتيال :
وهو شكل من أشكال الغش الخارق للقوانين ، والمنطوي على تغيير الوقائع بغرض الخداع والتعويض عن حقوق ضائعة في ظل قوانين وسلوكيات حكومية فاسدة .
* التزوير :
يتمثّل بمحاكاة التواقيع والأختام والاستعانة بالوسائل والتقنيات التكنولوجيّة الحديثة .
* غسيل الأموال :
وهو إضفاء الصفة الشرعية على الأموال غيرِ مشروعةِ المصدر ، ويقوم بجريمة غسيل الأموال العديد من المؤسسات الاقتصاديّة والبنوك المحلية و الدوليّة والعالميّة الكبرى .
ونايجة ذلك يزداد النشاط الإجرامي والجريمة المنظمة في المجتمع وانتشار الفساد وتغطيته بالقوانين التي تتيح الالتفاف على أي قانون رادع .
* * *
ويمكن للعديد من الخطوات أن تساعد في القضاء التدريجي على إدارة الفساد ، أولها تطهير القضاء والعمل على استقلاليته دون تدخّلٍ من السلطات العليا والحاكمة في البلاد ، وأبرزها الارتقاء بالمؤسسة التربوية و التعليمية ، للنهوض بالسلوكيات الأخلاقية عند الأجيال على اختلافها من خلال التركيز القوي في المجتمع على التعليم . ويمكن تحقيق ذلك بتقديم التعليم (الإلزامي) والتشدّد بإلزاميته ، وإقامة دورات مكافحة غسيل الأموال (AML) ، ومن خلال ذلك
يتم الحدُّ من الفساد مع وجود آلياتٍ صحيةٍ وصحيحةٍ للمساءلة القانونية الحاسمة ، وهو مايعزِّز ثقافة السلوك الأخلاقي القوي في محاسبة الذين ينتهكون الأعراف والقوانين الناظمة للمجتمعات . كما يمكن الحدّ من الفساد بشكل أكبر من خلال تسهيل وتشجيع الإبلاغ عنه ، سواء من قبل المديرين أوالموظفين ، أوالموردين والعملاء ، وحتى نشر ثقافة الإبلاغ عن الفساد بين المواطنين أبناء المجتمع الواحد دون مساءلة الشخص المُبَلِّغ بلاغاً موثوقاً وموثقاً بالأدلة ، بل ومكافأته .
وتعمل بيئة الرقابة القوية على تقليل مخاطر الفساد كما تُساهم في إجراء عمليات فحص شاملة للخلفية قبل تعيين الموظف والمسؤول أو ترقيته .
ولأن الفساد من أكبر المشاكل التي تعاني منها الدول النامية أو الدول المتأخرة و المتخلفة فإن وجوه الفساد تكون متعددة ومختلفة . ومنها (الفساد الأمني والاجتماعي ، الفساد السياسي ، والفساد الإداري ، والفساد الأخلاقي ، وكذلك الفساد الاقتصادي والفساد المالي وفساد المؤسسات) .
والفساد ليس ظاهرة محلية فقط ، وإنما هو ظاهرة عالمية ولكن تختلف نسبة مستوياته بين بلد وآخر . وبالطبع فإن أشدّ أنواع الفساد ضرراً وانتشاراً يكون في الدول النامية ، وخاصة الدول التي تفتقر إلى وجود المنظمات الرقابية غير الحكومية ، والجمعيات الأهلية وتلك التي لم تنضج فيها بعد مؤسسات المجتمع المدني ، أوتلك التي تكون فيها مثل هذه المؤسسات مقيدة النشاطات أو محظورة تماماً ، لأن هذه المنظمات والمؤسسات تساعد على متابعة وكشف الآثار السلبية للفساد كما هو الحال في الدول المتقدمة .
* * *
والفساد مصطلح له معانٍ عديدة واقنعةٌ مختلفة ، ويكون بدء التعامل السليم مع هذه المشكلة هو تقسيمها وتحليلها إلى عناصرها الكثيرة ومتعددة الوجوه لمعالجتها معالجة علمية وسليمة .
أما في أوسع صورة للفساد فيمكن القول بأن الفساد هو سوء استخدام المنصب العام لغايات شخصية ، والذي تتضمن قائمة الفساد فيه كلاً من (الرشوة ، والابتزاز ، و استغلال النفوذ والمحسوبية ، و الاحتيال ، و الاختلاس ، واستغلال
” مال التعجيل ” وهو المال الذي يدفع لموظفي الحكومة لتعجيل النظر في أمر خاص يقع ضمن نطاق اختصاصهم لقضاء أمر معين) .
وعلى الرغم من أن كثير من الناس ينـزعون إلى اعتبار الفساد خطيئة حكومية ، إلا أن الفساد موجود في شرائح المجتمع ككل وفي القطاع الخاص أيضاً ، بل إن القطاع الخاص يمكن أن يكون متورطاً إلى حدٍّ كبير في معظم أشكال الفساد الحكومي ووجوهه . ويمكن تصوير الفساد أيضاً بأنه استخدام المنصب العام لتحقيق مكاسب خاصة مثل (الرشوة و الابتزاز) المنطويان بالضرورة على مشاركة طرفين بأقل تقدير ، ويشمل أيضاً أنواعاً أخرى من ارتكاب الأعمال المحظورة التي يستطيع المسؤول العمومي القيام بها بمفرده ومن بينها (الاحتيال والاختلاس) ، وذلك عندما يقوم السياسيون وكبار المسؤولين بتخصيص الأصول العامة لاستخدامٍ خاصٍ واختلاس الأموال العامة ، ويكون لذلك شبكات منظمة ومرتبطة بهم تترك آثاراً مباشرة على التنمية الاقتصادية والتي لا تحتاج تبعاتها إلى مناقشة ، غير أن الأمر يكون أكثر تعقيداً عندما يتعلق بتقديم بعض الأطراف الخاصة الرشوة إلى المسؤولين العموميين ولا سيما تأثيرها بتنمية القطاع الخاص على حساب القطاع العام ، ومن المفيد في بحث أشكال الرشوة النظر فيما يمكن للقطاع الخاص أن يحصل عليه من السياسي أو الموظف العام :
– العقود الحكومية والامتيازات التي تمنحها الحكومة ..
– الإيرادات الحكومية ..
– توفير الوقت وتجنب الضوابط التنظيمية ..
– التأثير على نتائج العمليات القانونية والتنظيمية ..
والفساد وفقاً لتعريف الأمم المتحدة :
“هو سوء استعمال السلطة العامة لتحقيق مكسب خاص ” .
ويتدرج الفساد من الرشوة إلى عمليات غسيل الأموال وأنشطة الجريمة المنظمة . ويعرِّف البنك الدولي الفساد بأنه استغلال المنصب العام بغرض تحقيق مكاسب شخصية .
” The buse of public offic for private gains ” .
أما المنصب العام وهو كما عرَّفه القانون الدولي بأنه :
“منصب ثقة يتطلب العمل بما يقتضيه الصالح العام” .
* * *
ولعل أبرز أنواع الفساد مايمكن تسميته بالفساد العقدي أي “فساد الاعتقاد” إذ يُعتبَر فساد الاعتقاد بأنه أساس كل فساد ، لأن الإنسان يسعى في الحياة ، سواء الخاصة منها أو العامة ، وفق معتقداته ، فإذا كان معتقده فاسداً كان سعيه في الحياة فاسداً ، وإذا كان معتقده صحيحاً يرجو الصلاح والخير لأفراد مجتمعه كان سعيه صالحاً وهو في الطريق الصحيح . وقد قال الله تعالى :
( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ) (البقرة: 11، 12) .
أما الفساد الأمني والاجتماعي فيُعتبَر توفر الأمن في مجتمعٍ ما من أساس النعم ، بينما تسود في المجتمعات التي تفتقد الأمن والأمان أنواع كثيرة من جرائم الفساد ، أولها عدم توفر الأمن الذي يُسوِّل للنفوس المريضة سلوك طرق الفساد من غشٍ وخداعٍ ومحسوبيات ، وفقدان الأمن . والشعور بالأمان قد لا يُشعِرُ ببقية النعم ، ويوجز لسان الحكمة معنى وجود الأمان في المجتمع قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم :
(من أصبح منكم آمِناً في سربه ، معافى في بدنه ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا) .
وأما الفساد السياسي والذي يُعرَّف بأنه “إساءة استعمال السلطة العامة لتحقيق المكاسب الخاصة” ، أي قيام بعض السياسيين المتنفذين باستعمال منصبهم كأداة في الفساد لتحقيق مكاسبهم الشخصية وزيادة ثرواتهم على حساب بقية أفراد المجتمع ورفاهيته .
وكذلك الفساد الإداري والذي يعرَّف بأنه :
“سلوك بيروقراطي يهدف لتحقيق منافع شخصية بطرق غير شرعية”
والبيروقراطية هي سلطة المكاتب والموظفين ، وتتميز بالروتين المُبالَغ فيه وبالبطء والتمسك بحرفية القواعد والجمود ، وبالتالي تعطيل سير المصالح العامة وكذلك قيام كبار الموظفين في السلطة بتعيين الموظفين وفق ما يتناسب مع مصالحهم الشخصية ، واستغلال المنصب من أجل القيام بعمل ما وخدماتٍ لأشخاصٍ مقابل الحصول على مكاسبٍ مادية أو عينية ، كما يشمل هذا النوع من الفساد الاستخدام السيء للوظيفة وعدم تطبيقها بالأسلوب المطلوب وعدم احترام القوانين والأنظمة .







Discussion about this post