قراءة في رباعية تقول للدكتور حمد حاجي قراءة بقلم الشاعرةوالناقدة فائزة بنمسعود

_____قراءتي في رباعية(تقول…)
للدكتور الشاعر Hamed Hajji
————

تقولُ:… أكاد أجنُّ إذا لم أكن مثل طفلته، الرّجلُ..
أحبّ أكون بأحضانه: كلما ارتوي بذراعيه، تنهمر القبلُ
فينملُ داخلي شيءٌ وشيءٌ يضجّ كأنهما الخمرُ والعسلُ
وفي حيث يلمسني كأنه يستلّ روحي ولم يحِن الأجلُ!
—————————————-

عندما سُئل الراحل أنسي الحاج
ماذا تتمنى أن يبقى منك؟
أجاب:أتمنى أن يؤنس شيء مني أحدًا في وحشته-
وهذا ما يفعله الشاعر حمد حاجي
حيث رباعياته تأتي على هيئة رسائل مشحونة إيمانًا
بالحب الذي يشكك السواد الاعظم في حضوره
بيننا —- والحب هو الاصل ونبع الحياة
لذا هذه الاشعار تؤنس من هو في حاجة الى الانس
ويجد فيها البعض المتعة وترجمة أحاسيسه
والبعض الاخر يجد فيها الراحة النفسية والمؤانسة

في هذه الرباعية هي
تقول وتصف حالة عشق
على ذراع الحب تنام الحبيبة تتفيّأ رطب الهوى
بعد حر الفراق الشديد
وفي القرب تبوح وتعترف
وكضرب من المناجاة تلوذ بالبوح والاعتراف
هي تريد ان تّعامل كطفلة في احضان هذا الرجل
يلاعبها يلاطفها يبادلها القبل او بالاحرى يغدق عليها من بحر قبله لتروي ظمأ عشقها له
هي تتمنى حبيبا رحب الذراع يضمها ضمة لا شوق بعدها
هي تسعى ان تعيش حفنة أحاسيس فيها الرعشة والشهقة والارتواء العاطفي وكل هذا يسكرها وتشعر لذة الانتشاء بالقرب وتبادل كاسات الهوى

(فينملُ داخلي شيءٌ وشيءٌ يضجّ كأنهما الخمرُ والعسلُ)
فهي تنشر الحب جسدا وروحا تحقيقا للتوازن النفسي
وبعض الحب يترجمه التقارب الجسدي وحرارة العناق والتلاقي
وكأن الجسد هو ساكن الروح وليست الروح من تسكن الجسد
او ان كل لمسة في رقعة الجسد هي موطن للروح
وروح العاشق موزعة على كل المسام
(وفي حيث يلمسني كأنه يستلّ روحي ولم يحِن الأجلُ!)
امرأة بكل الروحانيات تؤمن أن الجسد هو الناطق الرسمي باسم الحب من حيث التعبير السامي
فهل الحب يمر عبر الجسد ؟
وهل الحب مشاعر أم صراع ضد العقلانية؟
هذا امر شغل الباحثين في علم الاجتماع وعلم النفس وحتى علم الاعصاب
والبعض يرى أن من دون انتصار الحب على عقلانية الإنسان لن تكون الحياة مملة فقط بل قد تصبح خطيرة
فالحب يعدل المزاج ويبعد كل أثر للاكتئاب كما أن مشاعر الحب يرافقها غالباً رغبة جنسية كبيرة
كما يوجد حتى هرمون(يُطلق عليه أسم هرمون الحب) يبقي على نشوة الحب الجميلة و يضمن الهدوء. ويمكّن المشاعر الرابطة بين العشاق أن تتعمق —إذ يدعم بعضهم البعض حتى في الأوقات السيئة..والعصيبة
والانجذاب الجسدي جزء من الحب وليس العكس ، وبسبب وجود الكثير من الحب والمشاعر القوية بين الطرفين التي توقظ الغرائز اذن الحب يمر عبر الجسد وهذا ما عبرت عنه الحبيبة بقولها
[فينملُ داخلي شيءٌ وشيءٌ يضجّ كأنهما الخمرُ والعسلُ]
والحبيبة هنا تفرّق جدا بين الحب والشهوة لانها مدركة تماما ان الحب يحوي و يحتوي الشهوة ولكن الشهوة لا تحتوي على الحب
ومن خلال لفظة(طفلة)
[تقولُ:… أكاد أجنُّ إذا لم أكن مثل طفلته، الرّجلُ..]
استطيع ان اجزم ان هذا الحب
‏‎حب روحي و هو أقوى وأشرس أنواع الحب
‏‎أسّر عقلها وقلبها وجسدها
‏‎وتفاصيلها كلها
‏‎ولا خلاص منه ولا إرتواء ، صعب المراس ظالم ولا يرضخ لا لعادات ولا لتقاليد ولا يعرف عمراً ولا دين وفي عــرفها لا حياة من دون حب
اخوض قليلا في هذه العبارة ( وفي حيث)
التي قد يراها البعض مستحدثة والبعض الاخر يجدها غريبة فما جدوى توظيفها في هذه الرباعية؟
دكتور حمد الشاعردام هطول رباعياتك بردا وسلاما على الشعر
فائزه بنمسعود
وهذا رد الدكتور حمد حاجي على سؤالي الذي ختمت به قراءتي مشكور على التوضيح البليغ
——————-
تصدير: الشاعرُ مؤسسٌ للبلاغة°
مصطفى الشليح
ا========
أقولُ كما قال الجرجاني: ” .. وإنك لتنظر في البيت دهرا طويلا وتفسره ولا ترى أن فيه شيئا لم تعلمه ثم يبدو لك فيه أمر خفيٌّ لم تكن قد علمته ..”

ومنه فان الشاعر هو البلاغة.. ومؤسس لها..

شكرا فائزه بنمسعود .. لاشارتها الى جدوى استعمال العبارة حرف جر + الظرفية حيث { في حيث}.. او {من حيث} .. والمذكورة باقفال نصي بالرباعية ..
ا============================
اولا : فيما يتعلق بوجودها بالاستعمال من عدمه
ا==========================
لئن ورد اللفظ حرف جر+ ظرف في قول الله تعالى : (فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا) (الأعرَاف: 19).
فإنه لا يخوّل لنا حسن استعمال بالمطلق..
اذ ان ما يجعلنا نحتار في الاستعمال ما قد اشار إليه العلامة الأصمعي من الوقوع في الخطأ فيهما ( حيث وحين) قائلا:
” ومما تخطىء فيه العامة والخاصة باب [حين وحيث] ،
غلط فيه العلماء مثل أبي عبيدة وغيره.”

فانظر انه يرى ان سيبويه نفسه أخطأ فيهما:
“رأيت في كتاب سيبويه أشياء كثيرة، يجعل حين حيث”

والحال أن حين وحيث ظرفان..
فحين ظرف من الزمان،
وحيث ظرف من المكان،
ولكل واحد منهما حد لا يجاوزه، والأكثر من الناس جعلوهما معا..
ا=========
الظرف حيث:
ا=========ظرف للمكان مبني..
حَيْثُ: ظَرْفٌ مُبْهَمٌ مِنَ الْأَمْكِنَةِ ، مَضْمُومٌ ، وَبَعْضُ الْعَرَبِ يَفْتَحُهُ حيثُ/ حيثَ..
قَالَ الْكِسَائِيُّ: سَمِعْتُ فِي بَنِي تَمِيمٍ مِنْ بَنِي يَرْبُوعٍ وَطُهَيَّةَ مَنْ يَنْصِبُ الثَّاءَ..
فَيَقالُ: حَيْثَ الْتَقَيْنَا ، وَمِنْ حَيْثَ لَا يَعْلَمُونَ..
وينشد بعضهم:
أَمَا تَرَى حَيْثَ سُهَيْلٍ طَالِعَا ؟..

حيث ظرف للمكان مبني.. وتدخلُ عليه:
الباء
ومِنْ
وإِلى
وفي
فيكون اسما مبنيا على الضَّم في محل جر،
اما اذا اتصلت به (ما) فيكون اسمَ شَرطٍ جازمًا.
كما في قول الشَّاعر:

حيثما تستقمْ يُقّدِّر له اللــ
ـه نجاحًا في غابر الأَزمانِ.

ا==========================
ثانيا فيما يتعلق بوجودها بالبلاغة العربية من عدمه
ا==========================
السؤال: هل وقع استعمال اللفظ (في حيث ) بأدبنا العربي او لنقل هل نجد العبارة شعرية في الاثر الابداعي العربي..
هنا ساعطي امثلة محددة .. مما يبين ان الاستعمال شائع ..
انظر…

الشاعر: الفَرَزدَق في القصيدة المعنونة ب : عَزَفتَ بِأَعشاشٍ وَما كِدتَ تَعزِفُ
يقول:
فَأَصبَحَ (في حَيثُ ) اِلتَقَينا شَريدُهُم

طَليقٌ وَمَكتوفُ اليَدَينِ وَمُزعَفُ

او قوله اي الشاعر: الفَرَزدَق
بقصيدته المعنونةب : وَجَدنا الأَبرَشَ الكَلبِيَّ تَنمي

نَماهُ أَبوهُ (في حَيثُ ) اِستَقَرَّت

قُضاعَةُ فَوقَ عادِيٍّ جَسيمِ

ولقد وردت العبارة عند الشاعر:
أَبو العَلاء المَعَرِي
في القصيدة المعنونة ب : لا يَغبَطَن ماشٍ فَوارِسَ شُزَّبٍ
يقول:
أُطلُب لِنَفسِكَ يا أَغَنُّ مَحَلَّةً

(في حَيثُ) لا تُدميكَ زَجلَةُ زاجِلِ

او ايضا ما ورد عند الشاعر:
الكميت بن زيد الأسدي
في القصيدة المعنونة ب : أنخن أوما فصرن دهما وما

فأدركوا دونه اخاطي (في حيث)

مدى الرائطين اذ لغبوا
لا لخمس هي المنيخة بالار

ض (في حيث) تتكي الجلب

كما نجد اللفظ عند الشاعر:
الشريف المرتضى
بالقصيدة : مِن أين زُرتَ خيالَ ذاتِ البُرْقُعِ

لا مطعمٌ إلّا الجميلُ وما لهمْ
(في حيث) لا يرد الفتى من مَكْرَعِ

(في حيثُ) لا تسرِي الأذاةُ بمضجعي
طولَ الحياةِ ولا القَذاةُ بمدمعي

ولا يغيب اللفظ عن الشاعر:
لسان الدين بن الخطيب
بالقصيدة : حنّتْ لخُضْرِ رُبيً وزُرْقٍ مِياهِ
يقول:
(في حيثُ) فاخَرَ بالوِزارَةِ فاخِرٌ

كَلاّ وباهَى بالعَلاءِ مُباهِي

ومما نجد ايضا عند الشاعر:
صَفِيِّ الدينِ الحِلِّي
القصيدة : الحِبُّ سَخا وَطَرفُ أَعدائِيَ خَسا

الحِبُّ سَخا وَطَرفُ أَعدائِيَ خَسا

(مِن حَيثُ) سَرى وَالنَجمُ في الغَربِ رَسا

ولربما لكي نقنع اصدقاءنا على بلاغة المعنى ما نجده عند الشاعر:
المُتَنَبّي
بالقصيدة : أَمِنَ اِزدَيارَكِ في الدُجى الرُقَباءُ

أَمِنَ اِزدَيارَكِ في الدُجى الرُقَباءُ

(إِذ حَيثُ) أَنتِ مِنَ الظَلامِ ضِياءُ…

ا==========================
ثالثا في تثمين قيمة القديم وتطويره وتطويعه للمعاصر
ا==========================
لسائل ان يتساءل
ما جدوى استعمال اللفظ (وفي حيث) بالنص!؟
ما الاضافة بنص ادبي يقع الالتجاء فيه لهكذا لفظ متروك..!؟

ليس بدعا أن ننتبه إلى انفتاحٍ الشعراء على النظام الثقافي قديمه وجديده في تعدد أنساقه سواء ما كان ” بالخفي والجلي، او الظاهر والباطن، او المرئيِّ واللامرئيِّ، او ما تواضع عليه الشعراء او ما خرجوا عن مقتضى حاله” كما قال الدكتور مصطفى الشليح باحدى مقالاته