السريالية ومتعة القصة القصيرة جدّا
مقاربة سريالية في القصة القصيرة جدّا للناقدة جليلة المازني( رباعية “جريمة حبّ”نموذجا)
للقاصّة السورية:الهام عيسى.
ان الهام عيسى السوررية هي متعدّدة الصفات فهي الاعلامية وهي الشاعرة وهي الكاتبة التي تكتب القصة القصيرة والقصة القصيرة جدّ.ا
في هذا الاطار وبصفتها كاتبة للقصّة القصيرة جدّا سأقرأ قراءة نقدية وفق مقاربة سريالية لرباعية”جريمة حبّ” هذه الرباعية التي تتكوّن من أربع قصص قصيرة جدّا كما يلي:
1-ساعة اقالة / 2- ورقة / 3- خطيئة موصومة / 4- محضر.
سأتناول من خلال هذه الرباعية الحضور السريالي في هذه المجموعة القصصية القصيرة جدّا .
فما هي السريالية؟ ما مدى حضورها في هذه الرباعية؟
االسريالية: تعتبر السريالية حسب الباحث تمام طعمة احدى “أهمّ الحركات الفنية والثقافية والادبية التي ظهرت في العصر الحديث وتحديدا في بدايات القرن العشرين كمذهب جديد في الفن والأدب وتعني حرفيا ما فوق الواقع او ما بعده.”
وقد نشأت السريالية كوريث شرعي وفني للمدرسية الدادئية(1916) ثم قطعت مع عبثية الحركة الدادئية لتصبح في اربعينيات القرن العشرين ظاهرة عالمية. وقد كان للحرب الكونية الاولى تاثير على نشاتها فادعى مؤسسوها انها ردّة فعل على جنون العالم الذي استعر في الحرب بعيدا عن الواقع ، ونذكر من أصواتها ماكس ارنست و هاتز آرب، و خوان مي وسلفادور دالي وغيرهم .
ونسجل على سبيل المثال بعضا من خصائصها :
*اتباع الاساليب الرمزية اللاشعورية
*تحدي مختلف القيود والقيم التقليدية.
*الانتقال من المعلوم الواضح الى الغامض المشوش.
دمج الواقع في اللاواقع والمنطق في اللامنطق
*اعتماد رسم الاشياء كما تظهر في عالم الاحلام والرؤى(التحليل النفسي)
وعطفا على ما سبق ، ساقارب الحضور السريالي في مجموعة ” جريمة حبّ” المحكوم بثنائية الواقع واللاواقع هذه الثنائية التي تحيلنا الى عدة ثنائيات شقيقة لها من بينها:
– ثنائية الموجود والمنشود.
– ثنائية التشاؤم والتفاؤل
– ثنائية الابداع والحياة
ان قراءتي النقدية لهذه الرباعية”جريمة حبّ” سوف لن تكون قراءة نقدية خطية بل ستكون مقاربة سريالية تتداخل وتتفاعل فيها كامل قصص الرباعية.
ان عنوان الرباعية”جريمة حب” هو محتوى شامل للمجموعة القصصية القصيرة جدا انه عنوان له:- دلالته السيميائية باعتباره مركبا اضافيا والمضاف والمضاف اليه على طرفي نقيض اذ لا يمكن الجمع بين الجريمة والحبّ…
– دلالته الواقعية :ان هذا الواقع المرير قد انقلبت فيه الموازين اذ لم يعد الحبّ تلك القيمة الانسانية حيث ارتبط بالمصالح المادّية التي جرّدته من جوهره فانقلب الى الضدّ وهل أكثر من أن يصبح جريمة كما صنّفته الكاتبة الهام عيسى وجعلته محتوى عابرا لرباعيتها وقاسما مشتركا بينها. منذ العنوان نصطدم بثنائية الحب والجريمة.
ان الكاتبة اعتبرته كذلك ايمانا منها بان الحبّ في عصرنا لم يفقد جوهره الانساني فحسب بل “تلبّس” بالجريمة.
خصائص القصة القصيرة جدا في خدمة السريالية:
1/الخصائص:
أ- العنونة:(الناقد علي أحمد عبدة قاسم) يرى هذا الناقد ان “النقاد قد أولوا العنونة اهمية كبيرة بوصف العنوان عتبة أولى للنص بوصفه اللوحة الاشهارية التي تثير القارئ للدخول الى نسيج النص الداخلي ..وله أهمية أكبر بوصفه نصّا موازيا”
وبالتالي نجد لكل قصة ق. جدا في ربا عية الكاتبة الهام عيسى تحمل عنوانا هو بمثابة محتوى مصغّر للقصة ق. جدا:
القصة(1) ساعة اقالة / القصة (2) ورقة /القصة (3)خطيئة موصومة/القصة (4) محضر
ولعل العنوان الشامل”جريمة حبّ”وكانّ الكاتبة منذ عنوان الرباعية تطرح طرحا سرياليا وفق ثنائية الحياة والموت(الجريمةوالحبّ).
ب- خاصية الرمزفي القصة القصيرة جدّا:
ترى الناقدة مينة قسيري بان “القصة القصيرة جدا ترتكزعلى الايحاء والتلميح والتكثيف ما يجعلها كتابة رامزة بامتياز تسعف صاحبها في التعبير عما يخالجه دون مباشرة ممنوعة او استغراق فاضح فيركب جناح الرمزية ويفتح امام القارئ باب التاويلات “.
يقول الباحث غانم عمران المعموري ايضا “ان اللجوء الى الترميز قد جاء لأسباب متعددة منها الضغوط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية او دلالة أبعاد نفسية خاصة في واقع تجربة الكتّاب الشعورية وتختلف الرموز في القصة القصيرة جدامنها الطبيعية والتاريخية والاسطورية والفنتازية والمكانية والسيميائية ..لعل جيل المبدعين المعاصرين أشدّ وعيا وأكثر اهتماما بقضايا عصره لما تحمله من صفة مدمّرة للذّات وتثيره من صدامية مع الواقع بكل متغيراته اذ لاننسى ان القصة .ق.جدّا العربية الحديثة ولدت في بحر السياسة ممّا فرض عليها السباحة فيه بحثا عن النجاة من عواصف الواقع المتتالية.”:
*الرمز السياسي الميكافيلي: الميكافيلية(نسبة للسياسي والديبلوماسي الايطالي والفيلسوف نيكولو مياكافيلي المولود في فلورنسا سنة1469 )هي نظرية او وجهة نظر سياسية يستخدمها الزعيم السياسي او المسؤول الاداري و يمكن تلخيصها في عبارة “الغاية تبرّر الوسيلة” مهما كانت الوسيلة مجحفة وغير أخلاقية للحفاظ على سلطته وتحقيق اهدافه.والميكافيلية تنظر للطبيعة الانسانية بنظرة متشائمة وتعزّز الافكار الانتهازية وتبرّر التلاعب والخداع وغيرها من الاخلاقيات المرفوضة انسانيا.
– في قصة ساعة اقالة نجد “الرجل الذي حمل المصنع في ريشة قلبه” :هذا العامل الذي آمن بقيمة العمل وأحبّ عمله وتفانى فيه يجد نفسه مقالا ولغاية ما “سنّ مجلس الادارة قانون احالته مبكرا على شرف المهنة” ل”عدم تناسق ساعته مع فلسفة العمل” وهذا ترميز لعدم قبول الاختلاف.
ان المركب الاضافي في عنوان “ساعة اقالة” له دلالته فالساعة وقت قصير في عمر العمل وهو دليل على ارتجال المسؤول الاداري في اتخاذه قرار الاقالة فقد كانت قفلة مدهشة وصادمة للقارئ.
* الرمز الديني : في قصة ورقة نجد الرجل المحتاج الذي لم يجد من يسعفه”أجهش بصمت حتي سمعه اللوح المحفوظ…لم تكن أوامر الملكوت تسمح بغير نزول ورقته من زيتونة الحياة” : انّ سقوط ورقته رمز لموته.
*الرمز القيمي الاخلاقي: في قصةخطيئة موصومة نجد الشابة التي تنجب مولودا خارج اطار الزواج تقدم على قتل رضيعها خوفا من قسوة المجتمع وخجلا من ان تكون أمّا عازبة
“لم تكفها غير لفة كيس أسود بحاوية قمامة”والجملة ترمز الى قتل الرضيع.
ولعل المركّب النعتي(خطيئة موصومة) يدعم هذا العار الذي سيلحق بالخطيئة التي ارتكبتها الشابة وكأن كلمة خطيئة وحدها غير كافية للتعبير عمّا ارتكبته الشابة فشحنتها الكاتبة بنعت (موصومة) لتدعم حدّة هذه الخطيئة ونحن في ذلك لاننسى العبارة السائدة”وصمة عار”التي نلحقها بكل فعل مشين .
*الرمز الفني الابداعي :في قصة محضر تنكّرت الحياة للمبدعة التي وجدت نفسها محلّ اتهام وتحقيق ومحضرمفتوح وقد اعتبرت اعتراف الحياة لها بابداعها بمثابة التنفس الذي يحفظ حياتها(استنشاق)…هل في مقوّمات هذه الشخصية المستدعاة من الواقع ما يمكن اعتبار القصة ببنيتها السردية الجمالية وبتناغم عناصرها وبرموزها ما يتماهى مع شخصية القاصّة وهل هذه الشخصية المستدعاة تمرّر رؤية الساردة وهي رؤيا ملأى بالسواد والكآبة.
تظهرالذات الساردة من خلال الرمزثورتها غير المعلنة على المدرسة التقليدية وحلمها بمستقبل اكثر رحابة وتحرّرا للابداع. انها ثنائية الحاضر والمستقبل..ثنائية الحياة والموت .ثنائية الاعتراف والتنكرللابداع.
– “أمام آلة كاتبة ووجه عبوس ارادت استنشاق اعتراف الحياة مرة أخرى…لكن تجلّى لها شين التصوير وجلد التهديد…ولما وجدت حبل الكذب..لفّت نفسها بعنق السماء..حتى اقفل المحضر”.
– “حبل الكذب” وهو رمز القيود والضغوطات والزيف.
– “لفّت نفسها بعنق السماء” وهو رمز لموت المبدعة واندثار الابداع من خلال القفلة(وأقفل المحضر).
ومن الملاحظ ان القاسم المشترك بين شخصيات القصة الواحدة في هذه الرباعية انها شخصيات يسودها اللاتواصل فلا تواصل بين العامل والمسؤول ولا تواصل بين الرجل المحتاج والمحتاج اليه ولاتواصل بين الشابة الامّ العازبة وبين من فعل فعلته وتخلّى عنها ولا تواصل بين المبدعة والحياة وهذا اللاتواصل هو طرح سريالي.
ج – التناصّ في القصة القصيرة جدّا:
يصف الكاتب رابح بن خوية بقوله:” التناصّ هو أحد السمات والخصائص الملحوظة في بنية القصص القصيرة جدا والذي يحفل به كثير من متونها…لقد تنوّع التناصّ بتنوّع مصادره ومراجعه الدينية والادبية والتاريخية والاسطورية والشعبية والفلسفية علاوة على تناصّ عناوين القصص. ق. جدّا وتداخله في شتى الانواع والفنون…لقد عمل التناصّ على اثراء ايحائية النصوص القصيرة جدّا وخصوبة الدلالة في فضاءات نصّية محدودة الطول ومقتصدة اللغة ”
هذا وقد استفادت القراءة النقدية من االادوات والمفاهيم التي اقترحها الناقد المغربي”محمد بنّيس”من د راسة التناصّ في أكثر من دراسة من دراساته تحت مسمّيات ك”النصّ الغائب”
و”هجرة النصّ” ومن خلال قوانين التناصّ ( الاجترار/ الامتصاص/ الحوار) وغير ذلك من مفاهيم..”.التناصّ هواذن نصّ داخل النصّ.
لقد اعتمدت الكاتبة الهام عيسى التناصّ من خلال عناوين قصص الرباعية فكانت “ساعة اقالة ” تحيلنا الى مرجعية سياسية و”ورقة” لها مرجعيتها الدينية و”خطيئة موصومة” لها مرجعيتها الدينية والاخلاقية والاجتماعية و”محضر” يحيلنا على المرجعية القانونية في علاقتها بالاتهام والبراءة.
لقد وظّفت الكاتبة خاصية التناصّ في اغلب متون قصص الرباعية:
لقد ضربت الكاتبة الهام عيسى في قصة”ساعة اقالة” موعدا مع مثل شعبي شهير خلّدته لنا الذاكرة الشعبية وهو مثل “جزاء سنمّار” وسنمّار هومهندس بنى قصرا لامثيل له لملك الحيرة النعمان بن المنذر الذي دفعته غيرته من امكانية ان يبنى سنمّار مثل هذا القصر لغيره وقد أعمت هذه الغيرة عينيه عن كل رؤية وتفكيرفدفع الملك سنماّر من أعلى قمّة في القصرفمات وكانت مهارته اللامتناهية سببا في نهايته وأصبح مثل “جزاء سنمّار” يضرب في كل من يحسن في عمله ويكافؤ بالاساءة اليه كما الحال بالنسبة لعامل المصنع لذي تفانى في عمله وارتقى بالمصنع فكان جزاؤه الاقالة وهي قفلة مدهشة و صادمة لم نكن لنتوقّعها .
وكم من سنمّار في واقعنا يجازى شرّا بعد أن يبذل كل ما يملك من ضروب الخير والاحسان وتلك هي الايام التي لا يأمن تقلبها أيّ عاقل.انها ثنائية الاحسان والاساءة
يقول أحد الشعراء:جزائي جزاه الله شرّ جزائه/// جزاء سنمّار وما كان ذا ذنب.
ان قصّة “ورقة” تتناصّ مع النصّ الديني القرآني حيث أن سقوط الورقة تدل على الموت
فقد جاء في الآية الكريمة (59) من سورة الأنعام قوله تعالى:” وما تسقط من ورقة الا يعلمها الله ولاحبّة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين” هذ ا الكتاب المبين هو ما أطلقت عليه الكاتبة الهام عيسى اسم”اللوح المحفوظ” هذا االاسم ورد في سورة البروج الآية (22) “هو قرآن كريم في لوح محفوظ” واللوح المحفوظ حسب المفسرين هو الكتاب الذي كتب الله فيه مقادير الخلق قبل ان يخلقهم وهو الكتاب المبين المذكور في الآية (59) من سورة الانعام.
2/ السريالية ومتعة القصة قصيرة جدا
لقد اعتمدت الكاتبة تقنية المفارقة والتي تعني في أبسط صورها القصصية جريان حدث بصورة عفوية على حساب حدث آخر هو المقصود في النهاية اوتصرّف الشخصية تصرّف الجاهل بحقيقة ما يدور حوله من أمور متناقضة لوضعها الحقيقي.ان المفارقة هي خروج على السرد المباشرخروجا يبعث على الاثارة والتشويق وتتمثل في اربعة عناصر:
ا- وجود مستويين للمعنى في التعبير الواحد:
– المستوى السطحي.
– المستوى الكامن الذي يلحّ على القارئ اكتشافه اثر احساسه بتضارب الكلام.
ب- ادراك التعارض او التناقض بين الحقائق على المستوى الكلي الخاص.
ج- التظاهر بالبراءة الى حدّ السذاجة او الغفلة.
د- لا بدّ من وجود ضحية متهمة او بريئة اوغافلة وهذا ما يجعل المفارقة منطوية على المضحك المبكي معا.
وبالتالي فان المفارقة هي معطى لغويّ تتحكم فيه التضادّات الثنائية وتكمن جماليتها في أنها تورّط القارئ في اكتشاف قول شيء ونقصد غيره(كأن نمدح لكي نذمّ او نذمّ كي نمدح)
واذا ألقينا نظرة على قصص رباعية “جريمة حبّ” لالهام عيسى نجدها تتضمّن هذه العناصر:
– في قصة ساعة اقالة: ان تفاني العامل في عمله هو المستوى السطحي والمستوى الذي سيكتشفه القارئ هو ان هذا التفاني في العمل قد جنى عليه وكان سببا في اقالته وبذلك كان التناقض بين حقيقتي التفاني في العمل والاقالة فكان التظاهر بالبراءة الى حد الغفلة. وبالتالي اصبح هذا العامل المتفاني في عمله ضحية غافلة .
– في قصة ورقة: ان الرجل الفقير المحتاج الى مدّ يد المساعدة و الذي ضاقت به السبل وأجهش باكيا على وضعه المزري هو المستوى السطحي والمستوى الكامن الذي سيكتشفه القارئ هو ان هذا الفقر سيضع حدّا لحياته بسقوط” ورقة زيتونة الحياة” لان نهايته كانت مسجلة يومها على” اللوح المحفوظ”وبذلك كان التناقض بين الحقائق(حقيقة حبّ الحياة وحقيقة الموت) وكان التظاهر بالبراءة الى حدّ السذاجة.
– في قصة خطيئة موصومة:ان الشابة التي أنجبت مولودها خارج اطار الزواج هو المستوى السطحي والمستوى الكامن الذي سيكتشفه القارئ هو انها ” ستئد” مولودها وتقتله خوفا من قسوة المجتمع و خجلا من ان تكون” أمّا عازبة” فكان التناقض بين حقيقتي الولادة والموت وبالتالي كانت المولودة ضحية بريئة.
– في قصة محضر:ان المبدعة التي تريد اعتراف الحياة لها بابداعها هذا المستوى السطحي والمستوى الذي سيكتشفه القارئ ان هذه المبدعة ستجد نفسها متّهمة وفي تحقيق وفتح محضر بسبب حرّية تفكيرها ومقاومتها بابداعها لكل التقاليد البائدة وكان التناقض بين حقيقتي الابداع والموت وبالتالي كانت المبدعة ضحية متّهمة تهمتها الابداع.
ان هذه المفارقات (حسب الناقد محمد يوب)” تتصل في كثير من صورها بالتهكّم والسخرية والدهشة والالم والاحساس بالفجيعة والمأساة بقفلتها المدهشة والقاصّ هنا ينتقي كلماته وعباراته في اتجاه تقابلي”.
بحثت الكاتبة الهام عيسى في الواقع المعيش من خلال مشاهد اجتماعية واقعية فوجدت واقعا مريرا منتهكا للقيم الانسانية فكان الحبّ ضحية هذا الانتهاك حيث انتهكت قيمة حبّ العمل وكسرت قيمة التضامن الاجتماعي وانتهكت حرمة العلاقة الانسانية بين الرجل والمرأة واتّهم في هذا الواقع المبدع فكان القاسم المشترك بين شخصيات الرباعية هو الموت الحقيقي اوالموت المعنوي(ساعة اقالة).
هذا الواقع المأساوي الموجود ألحّ على الكاتبة ان تنشد عالما تتخلّص فيه من تشاؤمها لتتفاءل بعالم منشود يسود فيه الحبّ بدل الجريمة فينصف “الرجل الذي حمل المصنع في ريشة قلبه” ويتضامن مع المحتاج ويحترم انسانية المراة ويعترف بابداع المبدع ولعل الكاتبة أوحت لنا بهذا العالم المنشود من خلال خاصية الترميز التي وظّفتها ك”ورقة زيتونة الحياة”فقد ربطت الحياة المنشودة بالزيتونة المباركة التي” اصلها ثابت وفرعها في السماء “ونجد المبدعة قد لفت نفسها بعنق السماء والسماء هي العالم “العلوي” ولعلّ ضحايا العالم”السفلي” ينشدون فيه حياة ازلية افضل.
ان الكاتبة باعتبارها مبدعة معنية بماساة هذا الواقع الماساوي الذي رسمته من خلال رباعية “جريمة حبّ” ولعل هذا المركب الاضافي قد وضعته الكاتبة الهام عيسى لتجعل الجريمة في الواقع المعيش الموجود وتنشد الحبّ في واقع آخر لذلك هي تريد الخروج من الموجود واستبداله بالمنشود بواقع اخر انه اللاواقع او ما بعد الواقع او ما فوق الواقع .
الخاتمة:
ان الكاتبة الهام عيسى لاتخفي عنّا نزعتها السريالية التي مسحت رباعية القصة القصيرة جدا “جريمة حبّ”من خلال العنونة والرموزوالتناصّ والمفارقات لتتخلص من عقدة الثنائيات ولتحقق المنشود وتتفاءل بواقع آخر انه اللاواقع الذي لا يسلب الانسان حقّه في الحبّ وحقّه في انسانيته وحقّه في الحياة وحقه في الابداع…انها السريالية ومتعة القصة القصيرة جدّا في هذه الرباعية …شكرا للكاتبة المبدعة الهام عيسى….
.بقلم الناقدة جليلة المازني من تونس.
Discussion about this post