في مثل هذا اليوم 27 اكتوبر1951م..
إلغاء اتفاقية الحكم الثنائي المصري / الإنجليزي للسودان.
تقول دائرة المعارف البريطانية إن البداية تمثلت في الحكم المصري العثماني، ففي يوليو/تموز من عام 1820، أرسل محمد علي والي مصر في عهد الإمبراطورية العثمانية جيشا بقيادة ابنه إسماعيل لغزو السودان.
كان محمد علي مهتما بالذهب والسيطرة على المناطق النائية الشاسعة في جنوب مصر.
وبحلول عام 1821 استسلم الفونج وسلطان دارفور، وأصبح السودان النيلي من النوبة إلى التلال الأثيوبية ومن نهر عطبرة إلى دارفور جزءا من إمبراطورية محمد علي.
قد أفرط نظام محمد علي في تحصيل الضرائب إلى حد مصادرة الذهب والماشية والعبيد، واشتدت معارضة حكمه مما أدى في النهاية إلى التمرد وقتل نجله إسماعيل وحارسه الشخصي. لكن المتمردين كانوا يفتقرون إلى القيادة والتنسيق، وتم قمع تمردهم بوحشية.
واستمر القمع حتى تم تعيين علي خورشيد أغا حاكما عاما في عام 1826 حيث شكلت إدارته حقبة جديدة في العلاقات المصرية السودانية، فقد خفض الضرائب واستشار السودانيين عبر القائد السوداني الذي حظي باحترام كبير عبد القادر ود الزين.
وعندما تقاعد علي خورشيد أغا في عام 1838 وغادر عائدا إلى القاهرة ترك وراءه بلادا مزدهرة. بحسب دائرة المعارف البريطانية.
وقد واصل خليفته في المنصب أحمد باشا أبو ودان سياساته، ولكن محمد علي شك في ولائه فاستدعاه إلى القاهرة في خريف عام 1843 ولكنه توفي قبل أن يغادر السودان ويعتقد الكثيرون أنه مات مسموما.
وخلال العقود التالية أصاب البلد الركود بسبب الحكومة غير الفعالة في الخرطوم فحتى لو كان خلفاء أحمد باشا أبو ودان يمتلكون الموهبة الإدارية، فنادرا ما كانوا قادرين على إثباتها حيث لم يشغل أي حاكم عام منصبه لفترة كافية لتنفيذ خططه الخاصة، ناهيك عن الاستمرار في خطط سلفه.
وفي عام 1863 بات إسماعيل باشا واليا على مصر (حمل لاحقا لقب خديوي)، وقد عمل على مواصلة السياسة التوسعية في الجنوب فكلف الإنجليزي صموئيل وايت بيكر بقيادة رحلة استكشافية إلى النيل الأبيض لوضع أساس الهيمنة المصرية على المناطق الاستوائية في وسط إفريقيا والحد من تجارة الرقيق في أعالي النيل.
وقد ظل بيكر في أفريقيا الاستوائية حتى عام 1873 حيث أسس مقاطعة الاستوائية كجزء من السودان المصري. لقد بسط نفوذ مصر وكبح تجار الرقيق على النيل، لكنه عزل أيضا بعض القبائل الأفريقية.
في عام 1877 عين إسماعيل غوردون حاكما عاما للسودان والذي قاد حملة ضد تجارة الرقيق، ولمساعدته في هذا المشروع الإنساني أحاط نفسه بكادر من المسؤولين الأوروبيين والأمريكيين.
وفي نفس العام أيضا وقع إسماعيل اتفاقية تجارة الرقيق الأنجلو-مصرية ، والتي نصت على إنهاء بيع وشراء العبيد في السودان بحلول عام 1880، وقد شرع غوردون في الوفاء بشروط هذه المعاهدة حيث قام خلال جولات سريعة في أنحاء البلاد بتفكيك الأسواق وسجن التجار.
وبحلول عام 1879، كان رد الفعل القوي ضد إصلاحات غوردون يسري في جميع أنحاء البلاد.
حكاية السلطان الذي صار ملك مصر والسودان وسيد النوبة وكردفان ودارفور
وبطبيعة الحال، انقلب تجار الرقيق الأقوياء ضد الإدارة، في حين سارع القرويون والبدو، الذين اعتادوا إلقاء اللوم على الحكومة في أي صعوبات، إلى ربط الكساد الاقتصادي بمسيحية غوردون.
ثم فجأة، في خضم السخط المتصاعد في السودان، انهار المركز المالي لإسماعيل الغارق في الديون حيث لم يعد بإمكانه دفع الفائدة على الدين المصري. وانتهى أمر إسماعيل بعد 16 عاما من الإنفاق الباذخ بالنفي واستقال غوردون.
الثورة المهدية
تنسب تلك الثورة إلى زعيمها محمد أحمد بن عبد الله، وهو نجل أحد صانعي المراكب في دنقلهوي.
وكان محمد احمد متدينا بعمق منذ شبابه، وتلقى تعليمه في إحدى الطرق الصوفية، لكنه عزل نفسه لاحقا في جزيرة أبا في النيل الأبيض لممارسة الزهد.
وفي عام 1880 قام بجولة في كردفان حيث علم بسخط الناس ولاحظ تصرفات الحكومة التي لم يستطع التوفيق بينها وبين معتقداته الدينية.
وعند عودته إلى جزيرة أبا بات يدعو إلى تجديد الدين وأعلن أن رسالته هي إصلاح الإسلام وإعادته إلى صيغته الأصلية التي مارسها نبي الإسلام.
وانتشرت دعوة محمد أحمد وصار “المهدي” في نظر أنصاره، وعلى رأسهم عبد الله التعايشي، والذين تطلعوا إليه لتطهير السودان من غير المؤمنين.
وبحلول سبتمبر/أيلول من عام 1882، سيطر أنصار المهدي على كردفان بأكملها.
وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1883، دمروا جيشا مصريا قوامه 10 آلاف رجل بقيادة كولونيل بريطاني.
ولم تستطع الحملة التي قادها غوردون والتي أُرسلت على عجل إلى الخرطوم السيطرة على الوضع.
ففي 26 يناير/كانون الثاني من عام 1885 استولى المهديون على الخرطوم وقُتل غوردون.
في 22 يونيو/حزيران من عام 1885 توفي المهدي وخلفه عبد الله التعايشي الذي سعى لمواصلة سياسة الجهاد فلقي هزيمة في الشمال على يد القوات الأنجلو مصرية عام 1889 كما لقي هزيمة أخرى في الجنوب على يد القوات البلجيكية في الجنوب في الكونغو عام 1897.
احتلت بريطانيا مصر في عام 1882 ومن ثم سعت إلى تأمين منابع النيل، وبالتالي تفاوضت الحكومة البريطانية على اتفاقات مع الإيطاليين والألمان لإبقائهم خارج وادي النيل.
وكانت بريطانيا أقل نجاحا مع الفرنسيين الذين أرادوا من البريطانيين الانسحاب من مصر، ومن ثم فكر البريطانيون في غزو السودان لحماية منابع النيل من الفرنسيين وخاصة في عام 1896 عندما تحركت حملة كشفية فرنسية عبر إفريقيا من الساحل الغربي إلى فشودة (كودوك) في أعالي النيل حيث كان يُعتقد أنه يمكن بناء سد لعرقلة تدفق مياه النيل.
ومع وصول التقارير إلى لندن خلال عامي 1896 و 1897 عن تلك الحملة الفرنسية إلى فشودة، أصبح عجز بريطانيا عن عزل وادي النيل مكشوفا بشكل محرج.
وقد حاول المسؤولون البريطانيون بشكل يائس أن يثنوا الفرنسيين عن فشودة لكن دون جدوى.
وبحلول خريف عام 1897، توصلت السلطات البريطانية إلى استنتاج مفاده أن غزو السودان ضروري لحماية مياه النيل من التعدي الفرنسي.
وفي أكتوبر / تشرين الأول من ذلك العام، تقدم جيش أنجلو-مصري بقيادة الجنرال السير (لاحقا اللورد) هوراشيو هربرت كتشنر لغزو السودان. وقد زحف كتشنر صوب النيل بثبات ولكن بحذر.
وقد هزمت قواته الأنجلو-مصرية جيشا مهديا كبيرا في نهر عطبرة في 8 أبريل/نيسان من عام 1898.
ثم بعد أن أمضى 4 أشهر في التحضير للتقدم النهائي إلى أم درمان، التقى جيش كتشنر المؤلف من حوالي 25 ألف جندي بحشد ضم نحو 60 ألف رجل من جيش الخليفة عبد الله التعايشي خارج أم درمان في 2 سبتمبر/أيلول من عام 1898، وبحلول منتصف النهار كانت معركة أم درمان قد انتهت.
فقد هُزم المهديون بشكل حاسم وبخسائر فادحة، وهرب الخليفة عبد الله التعايشي، ليُقتل بعد عام تقريبا.
وبعد ذلك اضطر الفرنسيون للانسحاب من فشودة تحت ضغط بريطاني وقد أوقفت معاهدة أنجلو فرنسية في مارس/آذار من عام 1899 التوسع الفرنسي صوب منابع النيل.
وقعت مصر وبريطانيا اتفاقية الحكم الثنائي للسودان في 19 يناير/كانون الثاني من عام 1899، وقد وقع الاتفاقية من الجانب المصري بطرس باشا غالي ناظر خارجية مصر وعن الجانب البريطاني اللورد كرومر.
وهكذا تم تقاسم السيادة على السودان بين الخديوي والتاج البريطاني، وتم رفع العلمين المصري والبريطاني جنبا إلى جنب.
وبات للسودان حاكم عام بيده السلطة العسكرية والمدنية ويعينه خديوي مصر ولكن بترشيح من قبل الحكومة البريطانية.
وفي الواقع لم تكن هناك شراكة متساوية بين بريطانيا ومصر في السودان حيث سيطر البريطانيون منذ البداية على الوضع في السودان. بحسب دائرة المعارف البريطانية.
وكان أول حاكم عام هو اللورد كتشنر نفسه، ولكن في عام 1899 تم تعيين مساعده السابق، السير ريغنالد وينغيت، خلفا له.
وقد عرف وينغيت السودان جيدا خلال فترة ولايته الطويلة الممتدة بين عامي 1899 و1916.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن التحديث كان بطيئا في البداية، لكن تم تدريجيا توسيع خدمات السكك الحديدية والتلغراف والبواخر، خاصة في منطقة الجزيرة، من أجل إطلاق مشروع زراعة القطن الكبير الذي لا يزال اليوم العمود الفقري لاقتصاد السودان.
بالإضافة إلى ذلك، تم إنشاء المدارس الفنية والابتدائية، بما في ذلك كلية غوردون التي افتتحت في عام 1902 وسرعان ما بدأت في إنتاج نخبة متعلمة في الغرب خرجت تدريجيا من الإطار السياسي والاجتماعي التقليدي.
ولكن القومية السودانية وُلدت في القرن العشرين. وكانت أولى مظاهرها في عام 1921، عندما أسس علي عبد اللطيف جمعية القبائل المتحدة واعتقل بتهمة التحريض القومي.
وفي عام 1924 قام بتشكيل رابطة العلم الأبيض، المكرسة لطرد البريطانيين من السودان.
وتبع ذلك مظاهرات في الخرطوم في يونيو / حزيران وأغسطس / آب وتم قمعها. وعندما اغتيل الحاكم العام، السير لي ستاك، في القاهرة في 19 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1924، أجبر البريطانيون المصريين على الانسحاب من السودان وأبادوا كتيبة سودانية تمردت دعما للمصريين.
وانتهت الثورة السودانية، وظل الحكم البريطاني دون منازع حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية
وفي عام 1936، توصلت بريطانيا ومصر إلى معاهدة عُرفت باسم معاهدة 36 وتضمنت اتفاقا جزئيا في المعاهدة الأنجلو-مصرية مكن المسؤولين المصريين من العودة إلى السودان.
وعلى الرغم من أن شيوخ ورؤساء السودان التقليديين ظلوا غير مبالين بحقيقة أنه لم يتم استشارتهم في المفاوضات حول هذه المعاهدة، إلا أن النخبة السودانية المتعلمة كانت مستاءة من أن البريطانيين والمصريين لم يكلفوا أنفسهم عناء استطلاع آرائهم.
وهكذا، بدأت النخبة السودانية في التعبير عن الضيق من خلال المؤتمر العام للخريجين، الذي تم تأسيسه كجمعية لخريجي كلية غوردون ثم احتضن كل المتعلمين السودانيين.
في البداية، حصر المؤتمر العام للخريجين اهتماماته في الأنشطة الاجتماعية والتعليمية، ولكن وبدعم مصري، طالبت المنظمة باعتراف البريطانيين للعمل كمتحدث باسم القومية السودانية.
ورفضت حكومة السودان ذلك، وانقسم المؤتمر إلى مجموعتين.. أغلبية معتدلة مستعدة لقبول حسن نية الحكومة، وأقلية متشددة بقيادة إسماعيل الأزهري والتي تحولت إلى مصر.
وبحلول عام 1943، كان الأزهري وأنصاره قد فازوا بالسيطرة على المؤتمر ونظموا حزب الأشقاء، وهو أول حزب سياسي حقيقي في السودان، فيما شكل المعتدلون حزب الأمة برعاية عبد الرحمن المهدي.
وكان منافس المهدي الرئيسي هو علي المرغني زعيم الختمية الذي دعم الأزهري. وفي عام 1951 شكل الأزهري والختمية الحزب الاتحادي الديمقراطي.
وفي ذلك الوقت تم إنشاء مجلس استشاري لشمال السودان يتألف من الحاكم العام و 28 سودانيا لكن سرعان ما بدأ القوميون السودانيون في التحريض على تحويل المجلس الاستشاري إلى مجلس تشريعي يشمل جنوب السودان.
وكان البريطانيون قد عملوا على تخفيف قبضتهم على السودان من خلال فصل الأفارقة الوثنيين أو المسيحيين الذين يهيمنون على الجنوب عن العرب المسلمين المهيمنين في الشمال، ولكن أجبر قرار إنشاء مجلس تشريعي البريطانيين على التخلي عن هذه السياسة.
وفى أكتوبر/تشرين الأول من عام 1951 شجبت الهيئة التشريعية السودانية اتفاقية السيادة المشتركة بين مصر وبريطانيا ومعاهدة 1936.
وفى 27 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1951 قام رئيس الوزراء المصري حينئذ مصطفى النحاس بالغاء معاهدتى 1936 و1899 من جانب واحد، ولم تعترف بريطانيا بهذا الإلغاء.
وفي 23 يوليو/تموز عام 1952 شهدت مصر حركة الجيش التي أطاحت بالنظام الملكي. ووقعت الحكومة المصرية الجديدة مع بريطانيا اتفاقية في 12 فبراير/شباط من عام 1953 تمنح بمقتضاها بريطانيا السودان الحكم الذاتي وحق تقرير المصير في غضون 3 سنوات.
وفي 19 ديسمبر/كانون الأول من عام 1955، اجتمع البرلمان السوداني ليعلن اسماعيل الأزهري زعيم الحزب الديمقراطي الاتحادي صاحب الأغلبية من داخل القبة استقلال السودان.
وفي الأول من يناير/كانون الثاني من عام 1956 رفع اسماعيل الأزهري مع زعيم المعارضة حينها محمد أحمد المحجوب زعيم حزب الأمة علم الاستقلال على سارية البرلمان.!!
Discussion about this post