فى مثل هذا اليوم 4ديسمبر1110م..
الحملة الصليبية الأولى تحتل مدينة صيدا.
حصار صيدا (بالإنجليزية: Siege of Sidon)، حدث فيما بعد الحملة الصليبية الأولى. سقطت مدينة صيدا الساحلية في أيدي قوات بالدوين الأول وسيكورد الأول، بمساعدة من اوردلافو فاليرو، دوق البندقية.
كان الصليبيون قد تضامنوا جميعاً في حصار مدينة طرابلس في الفترة الواقعة ما بين أول شعبان سنة 502 ه و11 ذي الحجة من نفس السنة، وقطعوا الاتصال عنها تماماً من البر والبحر، وكاتب أهل طرابلس الوزير الأفضل شاهنشاه يسألونه أن يمدهم بالأقوات والمؤن والسلاح والرجال، وأقاموا ينتظرون ورود السفن الفاطمية التي تحمل إليهم الإمدادات. ولكن الشهور مرت دون أن تصل الإمدادات في الوقت الذي استأسد فيه كلب العدو وفترت مقاومة الأهالي والحامية وانعدمت الأقوات في المدينة. ولما يئس والي طرابلس من وصول المدد عزم على التسليم، وتم استيلاء الصليبيين على طرابلس في 11 من ذي الحجة سنة 502 ه / 12 يوليو 1109. ثم وصل الأسطول الفاطمي قادماً من مصر بعد فوات الأوان، مشحوناً بالرجال والمال والغلال ما يكفي أهل طرابلس لمقاومة حصار سنة، وصل هذا الأسطول إلى صور بعد سقوط طرابلس في أيدي الصليبيين بنحو ثمانية أيام، فوزعت الغلال والذخائر في جهات صور وصيدا وبيروت (ابن الأثير، ج10 ص476 ، 477 )، وتمسك أهل صيدا وصور وبيروت بهذا الأسطول وألحوا على استبقائه لحمايتهم والذب عنهم، وشكوا إلى قادته سوء أحوالهم وضعفهم عن محاربة الصليبيين، ولكن القادة لم يبالوا بذلك ولم يستجيبوا لندائهم، فأقلعوا به عائدين إلى مصر عند استقامة الريح (ابن القلانسي، ص164 )، وكان في إمكان هذا الأسطول إنقاذ بيروت وصيدا من الحصار الصليبي الوشيك، وبعودته دون أداء هذه المهمة تكون السلطات الفاطمية في مصر قد أسهمت في ضياع مدن الساحل السوري كله.
(ب) سقوط صيدا في أيدي الصليبيين في سنة 504 ه:
أحدث سقوط طرابلس دوياً هائلاً في بلاد الشام، وأدى إلى انهيار مقاومة المسلمين في كثير من مدن الساحل التي طالما صمدت أمام الحصار الصليبي المتكرر واستعصت على الصليبيين. وقد استغل الصليبيون حالتي الذهول والانهيار اللتين أصابتا وأن يسلموا له حصن المنيطرة وحصن ابن عكار، وأن يقدم له أهالي مصياف وحصن الأكراد وحصن الطوفان قدراً معيناً من المال في كل عام (طرابلس الشام، ص103 ). وفي 21 من شوال سنة 503 ه تمكن بلدوين بفضل مساعدة برتران الصنجيلي من دخول بيروت عنوة. والواقع أن بلدوين ملك بيت المقدس كان يشغله شاغل واحد منذ توج ملكاً على مملكة بيت المقدس الصليبية وهو استكمال فتح مدن الساحل الباقية في أيدي المسلمين وأهمها بيروت وصيدا وصور وعسقلان، حتى يقضي بذلك على الجيوب والثغرات التي تتخلل منطقة نفوذه. أما عسقلان وصور فكانتا من المدن المنيعة التي لا يسهل الاستيلاء عليها إلا إذا توفرت لديه إمكانيات ضخمة وقدرات واسعة ومساعدات تأتي إليه من الخارج، ولذلك أرجأ فتحها إلى حين، وآثر أن يبدأ ببيروت وصيدا. وكان بلدوين قد اشترك مع برتران في فتح طرابلس، ولذلك السبب لم يتردد برتران في تقديم العون لبلدوين عند شروعه في فتح بيروت ثم صيدا بعد ذلك. كذلك اشترك في فتح بيروت جوسلين صاحب تل باشر، وساعد قدوم بعض السفن الجنوية البيزانية وعددها أربعون سفينة (ابن القلانسي، ص167 – نص مرآة الزمان في: R. H. C. t. III ص 539 )، بلدوين على حصار بيروت من البحر وقطع الإمدادات التي تصل إليها من ذلك الطريق في الوقت الذي تطوقها قواته وقوات برتران من البر، كما سهل وجود قاعدة بحرية صليبية في طرابلس على الصليبيين مهمة إحكام الحصار حول بيروت. وحاولت السفن الصيداوية والصورية عبثاً الوصول إلى بيروت المحاصرة لإمداد سكنها بالعدد والأقوات، بسبب تطويق السفن الإيطالية لمدخل الميناء (رنسيمان، ج2 ص149 –سعيد عاشور، الحركة الصليبية، ج1 ص309 – Stevenson, p. 59 ). واستغرق حصار الصليبيين لمدينة بيروت مدة شهرين ونصف “من آخر فبراير سنة 1110 حتى 13 مايو من نفس السنة” تمكنوا بعدها من دخول المدينة قهراً. ووجد الفرنج في غابات الصنوبر والأحراج التي كانت تمتد إلى الجنوب من مزرعة العرب ورأس النبع بين الطريق إلى صيدا والطريق إلى دمشق جميع الأخشاب اللازمة لصناعة آلات الحصار كالأبراج المتحركة والمنجنيقات والسلالم. ويذكر ابن القلانسي أن القتال اشتد بين الصليبيين والمسلمين، وأن مقدم الأسطول المصري الذي كان بداخل مياه بيروت قتل هو وعدد كبير من المسلمين، وأن الإفرنج لم يشهدوا قط حرباً في عنفها وضراوتها. ويذكر الشدياق أن الأمير عضد الدولة علي بن شجاع الدولة الأرسلاني وجماعة من أقاربه كانوا في بيروت في الوقت الذي هاجمها فيه الصليبيون (الشدياق، ج2 ص295 )، ولقي مصرعه عندما دخلوها هو وخمسة أفراد من أمراء بيته. وفي مايو انهارت مقاومة الحامية المصرية في بيروت، وفر والي المدينة إلى قبرص مع معظم قواده تاركاً الأهالي يجرون مفاوضات التسليم(رنسيمان، ج2 ص149 – Grousset, t. I, p. 254 – Stevenson, p. 59 – ولكن الأب لامنس يذكر أن الوالي المذكور قبض عليه، وحمل إلى الإفرنج فقتل هو ومن كان معه وغنم الصليبيون ما كان قد حمله معه من أموال ). ثم دخل بلدوين بيروت في 13 مايو سنة 1110 م / 21 من شوال سنة 503 ه عنوة بالسيف، ” فقتلوا ونهبوا وسبوا وفعلوا كما فعلوا بطرابلس، واستصفوا الأموال والذخائر” (ابن القلانسي، ص167 – نص مرآة الزمان في: R. H. C. t. III ص 539 )، وبلغ عدد القتلى من أهل بيروت عشري ألفاً (Grousset, t. I, p. 255 ). ولم يكتف بلدوين بما اجترمه في بيروت، بل أخرج الأسرى جميعاً خارج المدينة، وضرب أعناقهم في اليوم التالي من سقوط بيروت (الشدياق, ج2 ص295 ).
ثم زحف بلدوين بعد ذلك إلى صيدا، وكان يتولاها وقتئذ الأمير مجد الدولة محمد بن عدي، ونزل عليها براً وبحراً، وأرسل إلى أهلها يطلب منهم تسليم مدينتهم، فاستمهلوه مدة عينوها، فأجابهم إلى طلبهم بعد أن قرر عليهم 6 آلاف دينار (ابن القلانسي ص 168 – ابن شداد، الأعلاق، قسم 2 ص 99. وذكر الشدياق أن أمير صيدا وأهلها لما يئسوا من السلامة عقدوا مع الملك صلحاً ودفعوا له عشرين ألف دينار “ج2 ص295 ” ) تحمل إليه مقاطعة، وكانت تصله منهم قبل ذلك ألفا دينا، ثم رحل عنها إلى بيت المقدس للحج(ابن القلانسي، ص 168 – نص مرآة الزمان في R. H. C. t. III ص539 – Frederick, p. 84 ).
وذكر ابن القلانسي أنه وصل إلى ثغر يافا بحراً ملك من ملوك الإفرنج في حشد كبير من الرجال يحملهم ما يزيد على سبعين مركباً بقصد الحج والغزو في بلاد الإسلام، وأنه قصد بيت المقدس حيث اجتمع به بلدوين وتقرر بينهما قصد البلاد الإسلامية وفي مقدمتها صيدا. ويشير مؤرخو الحروب الصليبية إلى أن هذا المدد الذي قدم إلى بيت المقدس من برجن من بلاد النرويج، وكان يتألف من عشرة آلاف مقاتل يقودهم الملك سيجورد جورسالا فاري بن ماجنوس الثالث الذي اشترك مع أخويه في حكم بلاد النرويج، وهو لذلك أول ملك متوج يقدم في أسطول كبير لزيارة مملكة بيت المقدس. وتصادف أن وصل هذا الأسطول النرويجي إلى يافا عند عودة بلدوين إليها بعد استيلائه على بيروت وفشله في دخول صيدا، ففرح بلدوين لوصوله واحتفى بمقدمه، وأوكب معه من يافا إلى القدس، وأتاح له زيارة الأماكن المقدسة، وغمره بالهدايا والألطاف بغية الإفادة منه ومن أصحابه الذين قدموا بقصد الحج في تنفيذ مآربه وأهدافه التوسعية في صيدا وصور. وتم الاتفاق بين الملكين على أن يشتركا معاً في فتح صيدا ويشترك معهما برتران كونت طرابلس. وفي 19 أكتوبر سنة 1110 م / 3 ربيع الثاني سنة 504 ه نزل الملكان بجحافلهما على ثغر صيدا (ذكر السيد منير الخوري خطأً أن بلدوين أعد حملة كبيرة في سنة 1110 قادها بنفسه وترك الحكم في القدس إلى برترام بن سان جيل وتوجه إلى بيروت وحاصرها في أواخر شباط واستولى عليها، والحقيقة أن برترام اشترك مع بلدوين في فتح بيروت. كذلك ذكر السيد منير الخوري أن بلدوين تقدم إلى صيدا وحاصرها حصاراً شديداً لمدة أربعين يوماً دون نتيجة ولكن وصول قوات من جنوة والبندقية بالإضافة إلى 60 مركباً نرويجياً بقيادة الملك سيمون مع عشرة آلاف محارب، ومجيء الكونت برترام مع قواته عجل بسقوط صيدا. ولا ندري من أي مصدر استقى سيادته هذه المعلومات فالمصادر العربية واللاتينية تتفقان على أن الملك النرويجي والملك الصليبي اشتركا معاً في حصار المدينة من البر والبحر، كما أن الاسم الصحيح لملك النرويج هو سيجورد وليس سيمون. ” راجع منير الخوري، ص156″ ) وخيّما على أسوارها، واشترك معهما برتران الصنجيلي. وبدأ الصليبيون يحاصرون المدينة من البر والبحر حتى لا تتمكن قوات طغتكين من الوصول إليها من البر ولا السفن المصرية من الوصول إليها من ثغر صور بحراً. ومع ذلك فقد حاولت هذه السفن اختراق الحصار النرويجي البحري، وضايقت السفن النرويجية، ولكنها عجزت عن إمداد أهل صيدا بما كانوا يحتاجون إليه من سلاح وأقوات ومقاتلة. وفي هذه الأثناء وصل أسطول للبنادقة يقوده الدوج أورديلافو فاليير بنفسه (رنسيمان، ج2 ص150،151_ سعيد عاشور، ج1 ص310،311- Stevenson, p. 60 – Deschamps, p. 224 – Grousset, t. I, p. 256)، ويؤكد هايد استناداً إلى ما جاء في المدونات الصليبية أن البنادقة أسهموا في حصار صيدا وفتحها بدليل أن الملك بلدوين تنازل لكنيسة سان ماركو بالبندقية وللدوج أورديلافو عن بعض الملكيات والحقوق في عكا (W. Heyd, Histoire du commerce du Levant, t. I, Leipzig, 1936 p. 142 ).
ويذكر ابن القلانسي أن الصليبيين صنعوا برجاً وزحفوا به إلى أسوارها وقد زوّدوه بالماء والخل لإطفاء النار إذا ما اشتعلت فيه، وبآلات الحرب والقتال، ولبّسوه بحطب الكرم والبسط وجلود البقر الطرية ليمنع من الحجارة والنفط، ثم نقلوه على بكر رُكِّب تحته. فلما رأى المسلمون بصيدا ذلك ضعفت هممهم وأشفقوا على أنفسهم من عاقبة المطاولة وخافوا أن يصيبهم ما أصاب أهل بيروت (ابن القلانسي، ص171 – ابن الأثير، ج10 ص479 ). ويشير وليم الصوري إلى أن والي صيدا أعد خطة لاغتيال بلدوين عن طريق مسلم مرتد كان غلاماً لبلدوين يقوم بخدمته الخاصة وافق على أن يتولى مهمة اغتياله لقاء مبلغ كبير من المال، ولكن نصارى صيدا كتبوا إلى الملك المذكور رسالة يحذِّرونه فيها، أثبتوها في رأس سهم صوَّبوه إلى المعسكر الصليبي، فاتخذ الملك حذره من خادمه الخائن وأمر به فشنق تحت الأسوار (رنسيمان، ج2 ص151 – Grousset, t. II, p. 257 ).
ولم تطل مقاومة أهل صيدا إلى أكثر من ذلك، وقرروا التسليم على الأمان، فخرج قاضي المدينة ومعه جماعة من شيوخها إلى الفرنج، وطلبوا من ملكهم الأمان، فتعهد بلدوين بتأمينهم على أنفسهم وأموالهم وعسكرهم، وترك للمسلمين حرية البقاء في صيدا في ظل الحكم الصليبي أو الخروج منها آمنين على أنفسهم وأموالهم وذخائرهم دون أن يتعرض لهم أحد بسوء، كما تعهد بتأمين حياة من أراد البقاء بها، فاستحلفه وفد المسلمين على ذلك وتوثقوا منه. وفي 23 من جمادى الأول سنة 504 ه / 5 ديسمبر سنة 1110 م خرج الوالي (كان يتولى صيدا وقتئذ الأمير مجد الدولة محمد بن عدي “ذخائر لبنان، ص180” ) والزمام وجماعة كبيرة من الأعيان وجميع الأجناد والعسكرية وعدد كبير من أهل صيدا يحملون معهم ما استطاعوا حمله من أموال ومتاع، وقدّر مؤرخو الحركة الصليبية عددهم بنحو خمسة آلاف، ولاذوا بدمشق وصور، بينما آثر الباقون من أهلها الحياة فيها في ظل مملكة بيت المقدس الصليبية. ثم دخلتها جيوش الصليبيين، فرتب بلدوين الأحوال بها والحافظين لها من رجالته، وعاد هو إلى بيت المقدس (Stevenson,p.60 – Grousset, t. I, p. 257 -رنسيمان، ج2 ص151 – يوسف الدبس، ج6 ص49 – سعيد عاشور، ج1 ص 311 ). ولم يلبث أن عاد إلى صيدا بعد عدة يسيرة، فنقض عهده للمسلمين، وقرر على من أقام بصيدا من المسلمين نيفاً وعشرين ألف دينار، فأفقرهم واستغرق أموالهم، وصادر من علم أن له بقية منهم ( )، وأصبحت صيدا بارونية يتولاها إيوستاش جارنييه سيد قيسارية، الذي لم يلبث أن وطد مركزه بزواجه من إيما ابنة أخت البطريرك أرنولف (ريسيمان، ج2 ص151 – Geschamps, p. 224 ).!!
Discussion about this post