في مثل هذا اليوم 24 ديسمبر1638م..
سقوط بغداد مرة أخرى بأيدي العثمانيين بقيادة السلطان مراد الرابع بعد حصارها لمدة 39 يومًا.
سقطت بغداد بأيدي غزاة كثر. ولكنها نهضت لتغسل عار ما تركوا. شيء ما في طبيعة هذه المدينة يقول إن سقوطها يعني انهيارا لبنيان عظيم لا يقتصر عليها وحدها، ولا يتوقف عند أهلها. ولكنها تعود لتنهض، في تكرار لم تتوقف تراجيدياته، وكأنها قدر أبدي من الدوران بين حضارة وانحطاط.
هذه المدينة، إذا كانت رمزا إمبراطوريا، لا مجرد “عاصمة” لكيان إمبراطوري ما، فإنها لا تسقط، إلا وتسقط معها منظومات رمزية ومعنوية ومادية وإستراتيجية عظمى.
عندما تسقط بغداد تسقط الثقافة، على سبيل المثال. ليس لأنها ظلت عاصمة تلتفت إليها الثقافات، بل لأنها تجرّأت على الجمع والاحتواء، جرأتها على التجديد والابتداع. شيء ما في روح هذه المدينة يقول إنها تتنفس أدبا، أكثر مما تفعل أيّ مدينة أخرى في العالم. فإذا سقطت، يختنق الشعر وتختنق الأساطير كما تختنق مجالس الأدب وحواراته.
عندما سقطت بغداد على يد هولاكو في العام 1258، وكان الأول لها بعد أن كونت عالما من الرموز والمعاني، سقطت معها إستراتيجيات بناء أمة، تلتئم على معطى حضاري وثقافي وديني وسياسي.
عندما سقطت مرة أخرى على يد إسماعيل شاه الصفوي في العام 1508، سقطت معها الدولة، وحلت محلها الطوائف والفرق التي شكلت تاريخا آخر للمنطقة، يقوم على أساس صراعاتها وانقلاباتها وحروبها الداخلية.
وعندما سقطت على أيدي العثمانيين في العام 1638، سقط العلم، وحلت الأمية فاجتمع الجهل مع الاستبداد.
وعندما سقطت على أيدي الإنجليز في العام 1917، سقطت منظومة مفاهيم وأنظمة عيش بالية، ولكن لتحل محلها وطنية محاطة بأسوار كيان جديد ومفاهيم تجريبية، وصراعات سياسية بين عراق غير متفق عليه، واستعمار حاربه الجميع. لم يعرف العراقيون من بعده ماذا يريدون من العراق، فلم يؤسسوا دولة، وبقوا بدستور مؤقت لردح طويل، وعندما وضعوه، خانته أنظمتهم التجريبية اللاحقة بعد الاستقلال. وتراوحت البلاد بين انقلاب وآخر، على مفاهيم لم تلاحظ أنها لا تقيم دولة، بل أنظمة، على أسس اجتماعية واقتصادية ودستورية هشة.
وعندما سقطت على أيدي الأميركيين في العام 2003، سقطت الأخلاق، وحلت الدعارة السياسية والميليشيات محل الأيديولوجيات والأحزاب. وتفشى الفساد، وأصبحت الدولة مؤسسة محاصصة للنهب المنظم. وانهارت الوطنية التجريبية السابقة لتحل محلها العمالة والتبعية والانحطاط الشامل والتام في كل معيار من معايير المؤسسة والنظام.
الدورات بين 1258 و2003، لم تخل من محاولات للنهضة. أحدثها المحاولة التي نهض بها “الدكتاتور” صدام حسين.
كانت بغداد، (عاصمة العراق المعاصرة)، عاصمة للخلافة العباسية، وكانت واحدة من أهم مدن العالم الإسلامي. في النصف الثاني من العصور الوسطى، دائماً ما حاول الحكام الترك (سلاجقة، قراقويونلو، آق قويونلو) بالإضافة لآخرين، السيطرة على هذه المدينة. عام 1534، السلطان العثماني سليمان الأول (الشهير بسليمان القانوني) قام بالاستيلاء على المدينة بدون وقوع قتال يذكر. وبعد 90 عام استطاع عباس الأول الصفوي استرداد المدينة، فدخلها فاتحاً من باب الطلسم.
بذل مختلف القادة العثمانيين (بالتركية: serdar) محاولات لاسترداد المدينة بعد عاد 1624، ولم يحالفهم الحظ. حسب الأسطورة، يمكن فقط للسلطان الاستيلاء على المدينة. كان ينظر لمراد الرابع كبطل حرب ومن ثم كان من واجبه القيام بحملة واسترداد بغداد. منذ عشرة سنوات انتصر مراد الرابع في حملاته على المتمردين الدروز وحقق انتصار كبير في حصاره ليرڤن عام 1635. وفي عام 1638، قرر السلطان العثماني مراد الرابع (من الجيل الخامس من أحفاد سليمان القانوني) استرداد المدينة.
حسب شهادة زاريان أغا حشد العثمانيون لحصار بغداد 108,589 رجل، منهم 35,000 من المشاة بمشاركة الانشكارية، و73,589 من الفرسان.!!
Discussion about this post