التخيل والتجربة الذهنية ودورة حياة المفردة / بقلم الناقد حيدر الأديب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كل نص هو تجربة نفسية وذهنية محايثة لشرائط انتاجها والذهن وجود مواز ومقابل للوجود الواقعي تنطبع فيه صور الأشياء دون أثارها فحين أتصور النار ستكون لها صورة في الذهن لكنها غير محرقة ونعني هنا بالصورة هي ذات الشيء دون اثاره منطبعا في الذهن ويهمنا من معالجة هذه الأشياء قوة التخيل وهي قوة كباقي القوى الأخرى من الوهم والعقل والحدس والظن المنطقي والتخيل فالتخيل هو التصرف بالخيال ومواد الخيال من مشاعر وتجارب نفسية وحياتية ومعرفية وذكريات واراء وقراءات وانطباعات الخ كل هذه المواد يتصرف فيها الخيال نقصا وزيادة وحذف وتركيبا
وهذا التصرف هو إرادة مقصدية تتولد معها في ذات اللحظة إرادة استعمالية على وجه اللغة
المتخيل هنا هو حاضنة تعمل بوجهين الأول هو احتفاظها بالواقع من حيث مادته الأولية ومن ثم تقوم بتغييره او تشكيله تشكيلا جديدا وتطويره اذن هو متخيل تجاوزي يطرح الواقع (إمكانا أو افتراضا أو احتمالا) فهذا الواقع محصلة وليس معطى محصلة تجشم النص كشف بناها وانساقها
وهو غير مسؤول عن تعضيدها أو الغائها بل هو يحمل مهمة أخطر من ان يتبنى او يرفض عبر مؤشراته أنه يقوم بزعزعة مرجعيات الواقع في بناء مواز من الإمكان والافتراض والاحتمال كي يهب اكتشافات اخر من المعرفة في الفهم
والتجربة الذهنية هي الوجود الذهني لمنتجات التخيل مجردا ومحايدا دون أي قالب لفظي لكن الإرادة الاستعمالية تتولد بذات اللحظة ليتنزل هذا الوجود الذهني الى وجود لغوي وهذا الوجود اللغوي ليس هو قوالب الفاظ تشير الى المفردة كذات مفردة بل تشير الى محمولها الذي حفزه التدليل ضمن سياق التركيب وهنا تكون المفردة في اللغة امام أربعة معاجم هي المعجم الذاتي للمفردة والمعجم الثاوي في ذات الكاتب والمعجم المتولد اثناء السياق والمعجم الذي يسقطه المتلقي
ماهية المفردة
ـــــــــــــــــــــــ
اللغة هنا مجال علاماتي ذو محمولات بلاغية ووظيفية وتوصيلية وتأثيرية وتواصلية وليست الفاظ اللغة ميثاق بين المرسل والمرسل اليه
بحيث تتحرك المفردة في النص وفق سياق محكم تبدل سلوكها فيها تبعا لطبيعة النص ولا باس هنا ان أورد انماطا لبيان هويتها
– المفردة في السرد القرأني تتحرك دلاليا بهدفية تحقيق المطالب والأهداف الإلهية في الذات فهي مفردة مقصودة ومرصودة الهدف وهذا الهدف له حصص مراتبية تظهر بحسب استعداد واستحقاق المتلقي
– المفردة في السرد العرفاني والصوفي تتحرك أشاريا لبيان حال ينطبق على صاحبه وحجة عليه لأنه هو من ينحت هذه الدلالة طبقا لمقامه ويواجه إشكالية انه أساسا لا يعتمد اللغة لكنه يعود ليشرح بها حالته وقصدي من ايراده هنا لبيان تحرك المفردة في بنية السرد
– المفردة في النص الشعري تتحرك إيحائيا لتخلق اشكال دلالية متوترة لا تراهن على حسم دلالي وانما متعدد الأوجه
– المفردة في السرد تتحرك حركتين الأولى باتجاه الواقعة لتشير الى احداثيتها فقط والثانية متجاوزة الى المغزى من هذه الواقعة ويتكفل التناص والتوتر والتكثيف والمفارقة
– المفردة في النص الفلسفي تتحرك مفهوميا لتسيج مقولتها بقانون منتزع من مساحات مبرهنة
المفردة في السياق السيميائي تتصف بما يلي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-سيمائيا تكون العلامة حاملة فقط وما ينتج من تدليل فان السياق هو من يمنح هذا التنوع مرصودا بتقبل الحامل
2-سيمائيا ان العلامات المودعة في النص هي مضمونات عديمة الشكل والنص هو من يقود هذه المضمونات من اشكالها المحايدة الى وجود فعلي من القيم وهو بهذا يقوم بخلق مقامات خاصة دلالية مقتطعة من معجم عام تم تكثيفه الى عالم قيمي مواز للواقع
3- اننا لا نسائل المضمونات العائمة ولكننا نسائل اشكالها الخاصة في التحقق ولذا فان (الطريقة التي تتحقق بها هذه القيم هو ما يشكل المدخل الرئيس نحو فهم (الطبيعة الأيديولوجية للمعنى او الميكانيزمات التي ينتج عبرها المعنى / وينحاز / الى جهة بعينها ويتحول الى / حكم/ و / تبرير/ و / تصنيف)
4- المبدع لا يخلق قيما حتى نتوجه اليه بالحكم بصحتها من عدمه ومن تقبلها او لا بل هو يخلق اشكال جديدة لتحقق القيم







Discussion about this post