- قراءة نقدية: أدب الحرب ومتعة القصيدة
(قصيدة: تجريب في قصيدة أدب الحرب أنموذجا)
التفريغ النصّي: الحبّ زمن الحرب
الشاعر: حمد حاجي(تونس)
الناقدة : جليلة المازني(تونس)
المقدمة:
يطالعنا الشاعر حمد حاجي اليوم من خلال كتاباته الشعرية بموضوع قديم حديث في كتابة القصيد انه ما اعتبره “تجريبا في قصيدة أدب الحرب”.ايّ مفهوم لأدب الحرب سيخوض فيه الشاعر وبالتالي في أيّ غرض سيكون موضوع القصيدة؟
القراءة النقدية:أدب الحرب ومتعة القصيدة:
– تعريف أدب الحرب:
يمكن تعريف أدب الحرب على كونه يمثّل الاعمال الادبية التي تتناول في مواضيعها الحروب وقد يكتبها أدباء وقد يكتبها محاربون او غيرهم وتأخذ عدة أشكال ومن بين الاغراض الادبية من ادب الحرب هي الكتابة الأدبية للتعبير عن المآسي الناجمة عن الحرب او الفخر والتحفيز والتذكير وغيرها.
هناك من الكتابات الادبية تلك التي تحمل في طياتها التركيز على ابراز جانب التناقض مثل قصص الحبّ في زمن الحرب.
– عنوان القصيدة:
ان الشاعرجعل قصيدته تنحو منحى تجربة الحبّ ضمن أدب الحرب ومن ثمّ اختار للقصيدة عنوان”تجريب في قصيدة ادب الحرب”وبالتالي فانه أخضع قصيدته لتجربة أدب الحرب متخذا موضوع الحبّ محتوى لها .
ان الشاعر هنا يتناصّ مع قصيدة نزار قباني “ملاحظات في زمن الحب والحرب”
يرى البعض من الادباء ان” الحب والحرب متشابهان فكلاهما يحتاج رجلا وليس ذكرا”
والمقصود بذلك ان كليهما( الحبّ والحرب) يحتاج الى “الرجولة” بمعناها القوة والتضحية ففي الحرب حكايات تقشعرّ منها الابدان وفي الحبّ حكايات ترتفع بمشاعر الانسان وترتقي بحسّه.
كما ان الحبّ يدفع الى التضحية فكذلك الحرب تدفع الى التضحية لكن التضحية في الاولى عن طيب خاطر وبذل بلا مقابل فهي في الثانية تختلف كما اختلفت اسباب الحبّ واسباب
الحرب لكنهما أباحا كلّ شيء كما قال الأقدمون ومضوْا..”في الحبّ وفي الحرب كل شيء مباح” والقولة تنسب ل “نابليون بونابارت”
استهلّ الشاعر القصيدة بفعل “واعدتها” وهو فعل مزيد يفيد الحركة وهو على وزن فاعل يفيد المشاركة ومعنى ذلك ان كُلاّ من الحبيبين قد اتفقا على موعد اللقاء.
لقد اختار الشاعراطارا زمانيا يتيح فرصة التلاقي بينهما فكان من ناحية زمن نوم” دورية الليل التي دعمها بلوحة”دورية الليل” والتي تعتبر من اشهر لوحات الفنان الهولندي”رامبرانت” وتعرف باسم “الحارس الليلي” واشتهرت اللوحة بتوزيع الظل والضوء وبتصوير الحركة”.وهذه اللوحة دليل على مدى نشاط “دوريّة الليل” والتي يمكن ان تفضح لقاء الحبيبين.
اعتمد الشاعر مقابلة معنوية (لقاء الحبيبين/نوم دورية الليل) للتاكيد على رمزية اختيار زمن الليل والذي دعمه باطار زماني ثان وهو ليلة رأس السنة الميلادية حيث انّ كل الناس منشغلون بالاحتفال فيقول: وواعدتها حين حراس “دورية الليل”…ناموا
وأوفى على الخلق عام جديد…
وجاء يرتق أستار ما فتقوا…
لقد اختار الشاعر هذا الاطار الزماني ابتعادا عن عين الرّقيب التي عانى منها العاشقون قديما وحديثا وشاعرنا باسم الحبيب لم يشذّ عنهم ورغم ذلك فانه مهما تحفّظ فانه لا يخفي عنا خوفه من عين الرقيب اذ انه وفي أوج تفاعله مع الحبيبة واحتضان الواحد منهما الأخر فهما يراقبان حارس الليل لعلّ أمرهما يفتضح فيقول:
وكنا التقينا..تضمّ فؤادي لدفء حدائقها
لكأنّي الغصون بمهوى الرياح
واضلاعها الورق.
تراقب أعيننا حارس الليل…
أو كاشف الضوء بين يديه
وتعشى العيون اذا مسّها الخوف والفرق
ان خوف الحبيب من حارس الليل لاينفي جرأته وشجاعته او ما أطلقنا عليه سابقا “الرجولة” والتضحية وهو وجه الشبه بين الحبّ والحرب.
هذه الجراة والشجاعة في ممارسة الحبّ تتناصّ مع قول الشاعر العباسي”سلم بن عمرو الخاسر” حين يقول: من راقب الناس مات غمّا//وفاز باللذّة الجسُورُ
ومعنى هذا البيت سرقه هذا الشاعر من الشاعر بشار بن برد او تناصّ معه حين قال:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته // وفاز بالطيّبات الفاتك اللهجُ.
واللهج بالشيء هو المولع به .
والحبيبان وهما في أوج الاستمتاع و الالتحام واللذة يخشيان الافتراق حدّ البكاء ويزداد التحامهما ببعضهما “مثلما الشمس وارى اشعتها الشفق.يقول الشاعر:
ونبكي كانناعلى موقد الافتراق ونلتفّ
والغصن تقطر بالماء أعواده حين يحترق
وتأخذنا رعدة زمهرير.
ونلتحم..صدري على صدرها
مثلما الشمس وارى أشعتها الشفق
وتغرس فيّ أظافرها
وتقول:
قضى الله ان ليس نفترق …
بأخر ظهري
تخطّ اناملها أسطرا
تلتقي في دمائي وروحي وتأتلق..
لقد اعتمد الشاعر الكثير من التشبيه لدعم المشهدية في القصيدة ولاضفاء شيء من الواقعية على القصيدةوالتي تجسّد مغامرة من مغامرات الحبّ زمن الحرب وقد دعم الشاعر ذلك باستعمال معجمية حربية تجلّت في الخوف المفرط/ المراقبة/ الترصّد/ البكاء/ رعدة زمهرير/تغرز/ تلتقي في دمائي/السفر والرحيل والوداع..================= يتبع =========================
ورغم كل هذه المخاوف التي سادت موعد اللقاء فالحبيبة التي تنعم بمتعة اللقاء تعتبر ان الله هو الذي حكم بعدم افتراقهما .
واكثر من ذلك فهي تخاف ان تودّعه عند مجيء الصبح بعد قضاء ليلة دون قلق او انزعاج
يقول الشاعر: وحين يجيء الصباح
يودّع عاما ..ويستقبل الناس عاما
نعود سكارى وما مسّنا قلق.
تخاف تودّعني حينما دلف الصبح
والكون لا يرحم العاشقين
اذا ما تولّى باجناده الغسق
ان السؤال المطروح هو لماذا اختيار الشاعر الليل والظلام لممارسة الحبّ؟ هل للمزيد من الاثارة ام المزيد من الخداع؟
أشارت الابحاث الى ان ممارسة الحبّ في الظلام تضيف للعلاقة الجنسية بعض الغموض كما ان عدم استخدام حاسة الابصار يزيد في قوّة باقي الحواسّ فيجعل الممارسة مختلفة
وقد طغت حاسّة اللمس التي هي مصدر الاشتهاء واللذة.
يعود الشاعر لينتشل هذه العاشقة المغامرة والجريئة ليعمّم تجربته على كل العاشقين الذين لا ينعمون بالحبّ كما يريدون زمن الحرب والشاعر يقحم نفسه في هذه التجربة باعتباره شاعرا ويتساءل تساؤلا استنكاريا عن وقت انجلاء الحرب وهو في ذلك ينتصر للحبّ لان الحبّ نعيم ونعمة وحياة والحرب كراهية ونقمة وموت .
انه يجعل قضيته نار الحب والعشق هي قضية كل العاشقين بل وكل الشعراء وكأنّي به في ذلك يريد الدفاع عنهاانتصارا للحبّ الذي هو رمز الحياة والانسانية ورفضا للحرب التي هي دمار للانسانية.يقول:
أيا عاشقين…متى تنجلي غمّة الحرب يوما؟
أكلّ الذين تحبّوا
كما قد لقست لقوا؟
أم العاشقون…أم الشعراء لنار الهوى والكرى والصبابة
مثلي أنا خُلقُوا
الخاتمة:
لقد انخرط الشاعر حمد حاجي في الكتابة في ادب الحرب لكنه اختار الخوض في موضوع الحبّ وجعل من نار الحب التي اكتوى بها بسبب الرقيب والزمن المحدود(الليل) والحرب قضية كل العاشقين وقدخصّ منهم الشعراء( وهو واحد منهم) الذين يكتبون في أدب الحرب انتصارا منه للحبّ الذي هو نعيم الحياة ورفضا للحرب ومقتا لها لانها جحيم ودمار.
ان القصيدة جدّ متميّزة…..أشدّ على ابداع الشاعر الدكتور حمد حاجي.
بتاريخ 02/01/2024
درس 34 : التشريح ”
==تجريب في قصيدة أدب الحرب====== ===
.
وواعدتُها حين حراسُ “دورية الليل”.. ناموا
وأوفى على الخلق عام جديد..
وجاءَ يُرَتِّقُ أستارَ ما فَتَقُوا..
.
.
وكنّا التقينا.. تضمُّ فؤادي لدفء حدائقها
لكَأنِّي الغُصُونُ بمهوى الرياح
وأضْلَاعُهَا الوَرَقُ
.
.
تراقب أعينُنا حارسَ الليل..
أو كاشفَ الضوء بين يديه
وتعشى العيون إذا مسّها الخوف والفَرَقُ
.
.
ونبكي كأنّا على موقِدِ الافتراق
ونلتفُّ
وَالغصنُ تَقطُرُ بالماء أعوادُهُ حينَ يَحتَرِقُ
.
.
وتَأْخُذُنا رعدةٌ.. زمهريرٌ..
ونلتحمُ.. صدري على صدرها
مثلما الشّمْسُ وَارَى أَشِــعَّتَها الشَّفَقُ
.
.
وتَغْرِسُ فِيَّ أظَافِرَهَا
وتقول:
قضى الله أنْ ليسَ نفترقُ..
.
.
بِآخِرِ ظهري..
تخطّ أناملُها أسطرََا
تلتقي في دمائي وروحي.. وتأتلقُ
.
.
نُسافْرُ فينا.. نَتِيهُ خُطُوطًا، دُرُوبََا..
ونكتُبُ سفرَ الغرام على وَرَق السّفرْ
كأنّ محابرنا في خُطانا وأقلامنا الطُّرُقُ..
.
.
وحين يجيء الصباح
يُودِّعُ عاما ويستقبلُ الناس عاما
نعود سكارى وما مسّنَا قلقُ
.
.
تخاف تُوَدَّعُني حينما دَلَفَ الصُّبح
والكونُ لا يرحم العاشقين
إذا ما تَوَلَّى بِأجنادهِ الغَسَقُ
.
.
.أيا عاشقين.. متى تنجلي غمّة الحرب يوما؟
أَكُلُّ الّذِين تحابّوا
كما قد لقيتُ لقُوا؟!
.
.







Discussion about this post