بريد المنن
إن نعم الله علينا كثيرة، والتفكر فيها يبعث على التحلي بالتفاؤل، ويزيدنا ثقة واطمئنانا بأن الأزمة ستعقبها انفراجة، وبأن العسر لن يغلب يسرين، فينشرح الصدر، وتسكن النفس، ويُقبل المرء على الحياة مؤملا الخير والبشرى في الغد، خاصة أن الحياة بطبيعتها صعبة ورحلة شاقة من العمل والكد والاجتهاد، وهذه الطبيعة الملازمة للحياة لا يناسبها النظرة السوداوية ولا النفس المنقبضة، وإنما نعالج صعوبة هذه الحياة بالتفاؤل، والأمل، وسكينة النفس، وطمأنينة القلب الناتجة عن الإيمان والثقة بالله تعالى.
وهذا ليس معناه أن النتائج تكون على كل حال وفق مانرجو ونؤمل، فليس شرطا أن تكون النتيجة في شكل جائزة، بل ربما صرف الله عنك أمرا مكروها وشرا كان سيصيبك.
إن التفاؤل ينعكس بشكل مباشر على الحالة العضوية، فضلا عن الحالة النفسية والمزاجية، فكلما كان الإنسان متفائلا حتى في أشد الأزمات كانت النواقل العصبية في المخ تعمل بشكل أفضل.
واعلم أن شدة المحن بريد المنن؛ فكل شيء على الله هين، فهذا دأب الأنبياء، ولنا في سيدنا يوسف عليه السلام قدوة حسنة؛ فلولا إلقاء إخوته له في الجب لما التقطته السيارة، ولولا شراء القافلة له، لما وصل لمصر ليشتريه عزيز مصر، ولولا فتنة امرأة العزيز، لمادخل السجن، ولولا محنة السجن، لما ظهرت مواهبه في علم التأويل، ومن ثم يفسر رؤية السجينين ثم رؤية الملك، وظهور براءته، حتى مكن الله له في الأرض، وأصبح عزيز مصر ثم جمعه الله بإخوته، فكل محنة كانت داخلها منحة، وسلمة يرتقيها؛ حتى يصل للذة المنحة التي أنْستْه كل محنة مرت عليه.
ومن التفاؤل: الحرص على انتقاء الألفاظ؛ فكان إذا قال الرجل كلمة طيبة، تفاءل بها النبي صلى الله عليه وسلم وقال :«أخذنا فألك من فيك».
د. هند خليل مروان
Discussion about this post