في مثل هذا اليوم 12 يناير1809م..
البريطانيون مع البرتغال والبرازيل انتزعوا غويانا الفرنسية من فرنسا.
أقدمت البرتغال وبريطانيا سنة 1809 على احتلال غويانا الفرنسية بأسطول مكون من سفن حربية مشتركة، وضمها إلى الممتلكات البرتغالية في البرازيل. أعيدت المنطقة فيما بعد إلى فرنسا بعد توقيع معاهدة باريس عام 1814، إلا أن الوجود البرتغالي استمر قائمًا حتى سنة 1817م.
غويانا الفرنسية (بالفرنسية: Guyane française)، المعروفة رسميًا باسم غويان (بالفرنسية: Guyane) هي أحد أقاليم ما وراء البحار الفرنسية، تقع على الساحل الشمالي لأمريكا الجنوبية ولها حدود مع دولتي البرازيل وسورينام. تعتبر غويانا الفرنسية، كما باقي أقاليم ما وراء البحار، إحدى أقاليم فرنسا المائة، وعملتها اليورو.
تبلغ مساحة غويانا الفرنسية حوالي 83,534 كيلومترًا مربعًا، وهي قليلة السكان، حيث يعيش أقل من 3 أشخاص في كل كيلومتر مربع. يقطن حوالي نصف السكان، الذين وصل عددهم لحوالي 000 301 نسمة في سنة 2022.، يقطنون الضواحي المحيطة بمنطقة المدينة الرئيسية، كايين. تمت إضافة صفة الفرنسية لهذه المنطقة خلال العصر الاستعماري، أي في الفترة حيث كانت توجد ثلاث مستعمرات تحمل ذات الاسم: غويانا البريطانية (الآن غويانا)، وغويانا الهولندية (الآن سورينام) وغويانا الفرنسية. وما زال يشار إلى ثلاثتها بوصفها غويانا في الكثير من الأحيان.
يعود تاريخ غويانا الفرنسية المكتوب إلى القرن الخامس عشر عندما راد كريستوفر كولومبوس شواطئها للمرة الأولى، وقد توالى على حكم المنطقة والسيطرة عليها 4 إمبراطوريات أوروبية كبرى هي البرتغال وفرنسا وبريطانيا وهولندا، إلا أن الغلبة في نهاية المطاف كانت لفرنسا التي جعلت من غويانا إقليمًا تابعًا لها فيما بعد.
تتميز غويانا الفرنسية بتنوعها البشري والطبيعي، فقد سكنت المنطقة عبر العصور شعوب مختلفة واختلطت مع بعضها البعض لتُشكل أصل الشعب الغوياني الحالي، فأول من سكنها كان الأمريكيون الأصليون، ثم تلاهم الأوروبيون الذين أحضروا بدورهم الزنوج الأفارقة ليعملوا كعبيد في مزارعهم، وبعد أن حرّمت فرنسا العبودية، تم تحرير هؤلاء ليسكنوا الأدغال الفاصلة بين مناطق السكان الأصليين والأوروبيين، فاختلطوا مع كليهما مع مر السنين. وفي وقت لاحق قدمت غويانا الفرنسية أعداد من الآسيويين من صينيين وهمونغ وهنود شرقيين واستقرت بالعاصمة كايين حيث عمل أغلب أفرادها بالتجارة. ومما يميز غويانا الفرنسية أيضًا، تنوعها الأحيائي، إذ يُقدر عدد أنواع الثدييات والطيور والحشرات والأسماك فيها بأكثر من ذلك الخاص بفرنسا ذاتها، بل بفرنسا وباقي أقاليم ما وراء البحار التابعة لها، أما الأشجار فهي تفوق كذلك جميع تلك الأقاليم بثرائها، على الرغم من أن تربة غويانا فقيرة بالمغذيات الضرورية لنمو أي غابة، ويُرجح بعض العلماء نمو الأشجار والنباتات بهذه الكثافة إلى بعض الأنشطة الإنسانية الزراعية التي قام بها السكان الأصليون في القدم وأدّت إلى تخصيب مساحات شاسعة من الأراضي.
بعد اكتشاف ساحل غويانا من قبل كريستوفر كولومبوس سنة 1498، بدأت أول المستوطنات الفرنسية بالظهور بمنطقة كايين سنة 1503، وبعد ذلك بحوالي قرن، أي في سنة 1604، أخذت مستعمرة غويانا اسم فرنسا الاعتدالية، لكن الأخيرة اضطرت إلى التنازل عنها لصالح البرتغال التي كانت قد اعتبرت قيام مستعمرة فرنسية في أمريكا الجنوبية حيث الأراضي المقتسمة بينها وبين إسبانيا، خرقًا لمعاهدة توردسيلاس، التي وقعتها الإمبراطوريتين سالفتا الذكر واقتسمت فيها الأراضي المكتشفة حديثًا.
عاد الفرنسيون لاستعمار المنطقة خلال القرن السابع عشر (1036هـ- 1626 م) وذلك بعد انهيار الإمبراطورية البرتغالية، وبحلول سنة 1643 كانوا قد استطاعوا إنشاء مستعمرة في كايين إلى جانب بعض المزارع الصغيرة، لكن محاولتهم هذه أيضًا باءت بالفشل بسبب الهجومات المستمرة للسكان الأصليين، فاضطروا والحال هذه إلى هجر المنطقة مرة جديدة. استولت شركة الهند الغربية الهولندية على تلك المنطقة سنة 1658 في محاولة لإنشاء مستعمرة كايين الهولندية، لكنهم ما أن أخذوا بتطبيق خطتهم حتى رجع الفرنسيون سنة 1664 وقاموا بتأسيس مستعمرة جديدة في سيناماري، ما لبث الهولنديون أن هاجموها في سنة 1665، وقاموا بتدميرها. استولى البريطانيون على المنطقة في سنة 1667، لكن بعد إبرام معاهدة بريدا بتاريخ 31 يوليو من نفس العام، أعيدت جميع الأراضي إلى فرنسا مجددًا. عاد الهولنديون واستولوا على المنطقة لفترة قصيرة في سنة 1676، قبل أن يسترجعها الفرنسيون منهم.
تدعيم الحكم الفرنسي
خريطة لغويانا الفرنسية وجزيرة كايين من سنة 1793، بيد جاك نيقولا بيلن.
بعد إبرام معاهدة باريس سنة 1763، التي انتزعت من فرنسا جميع مستعمراتها في الأمريكيتين عدا غويانا وبعض الجزر، أرسل الملك لويس الخامس عشر آلاف المستوطنين إلى غويانا ليقطنوها، وقد استُدرج معظم هؤلاء إلى تلك الناحية من العالم عن طريق الروايات القائلة بوجود كميات طائلة من الذهب هناك وأن المرء قادر على تكوين ثروات هائلة لا يحلم بها في وطنه الأم. لكن ما اكتشفه الفرنسيون كان مغايرًا تمامًا لما اعتقدوه، فقد تعاون المناخ الحار والأمراض الاستوائية والسكان الأصليين على إبادة الأغلبية الساحقة منهم ولم ينجُ سوى بضع مئات صمدوا حتى سنة ونصف من وصولهم. وما لبث هؤلاء أن هجروا البر الرئيسي إلى 3 جزر قبالة الشاطئ أطلقوا عليها جميعها تسمية «جزر الخلاص» (بالفرنسية: Îles du Salut)، وعلى كل جزيرة منها اسمًا خاصًا، فحملت الكبرى اسم «الجزيرة الملكية» (بالفرنسية: Île Royale) والثانية «جزيرة القديس يوسف» (بالفرنسية: Île Saint-Joseph)، أما الأخيرة المحاطة بتيارات مائية عنيفة، فحملت اسم «جزيرة الشيطان» (بالفرنسية: Île du Diable). وعندما عاد هؤلاء المستوطنون إلى ديارهم في فرنسا، كان لرواياتهم الرهيبة صدىً بعيدًا في جميع أنحاء البلاد.
وفي سنة 1794، أعدم أعضاء المؤتمر الوطني الفرنسي القائد الثوري ماكسمليان روبسبير لحسابات سياسية، ونفوا 193 شخصًا من أتباعه إلى غويانا الفرنسية. وبحلول سنة 1797، أُرسل الفريق أول شارل بيغارو مع عدد من المفوضين والصحفيين إلى تلك المستعمرة بسبب تخطيطه القيام بانقلاب على حكومة الإدارة التي خلفت المؤتمر الوطني، فاكتشف أن المرحلين البالغ عددهم 193 شخصًا، والذين كانوا قد أرسلوا إلى هناك قبل 3 سنوات، قد تناقص عددهم ليصل إلى 54 شخص فقط، حيث كان 11 رجلاً قد هرب، وتوفي الباقين جرّاء الحمى وغيرها من الأمراض. استطاع بيغارو الهرب إلى الولايات المتحدة في وقت لاحق، ثم عاد إلى فرنسا حيث قُبض عليه وأعدم بسبب عزمه قيادة عصيان موجه ضد القنصل نابليون الأول.
نشطت تجارة الرق في وقت لاحق من ذلك القرن، حيث أخذ بعض ملاّك الأراضي الموجودة قرب الأنهار الخالية من الأمراض بإحضار الزنوج من أفريقيا للعمل في فلاحة حقولهم وبساتينهم، فنشطت تجارة السكر والخشب الصلب والفلفل الحريف وغيره من التوابل، الأمر الذي جعل المستعمرة تزدهر للمرة الأولى في تاريخها. انتشرت المزارع بعد هذا الازدهار وأحاطت بالعاصمة كايين، وكان البعض منها شاسعًا للغاية ويحتاج لآلاف العبيد للعمل فيه.
القرن التاسع عشر وعصر العقوبات
أقدمت البرتغال وبريطانيا سنة 1809 على احتلال غويانا الفرنسية بأسطول مكون من سفن حربية مشتركة، وضمها إلى الممتلكات البرتغالية في البرازيل. أعيدت المنطقة فيما بعد إلى فرنسا بعد توقيع معاهدة باريس عام 1814، إلا أن الوجود البرتغالي استمر قائمًا حتى سنة 1817م.
وفي سنة 1848 ألغت فرنسا نظام الرق، ولما لم يكن المجتمع المحلي قد تقبل بعد عيش الزنوج بينهم، اتجه هؤلاء إلى الغابات المطيرة حيث أسسوا عددًا من القرى المشابهة لقراهم في وطنهم الأم بأفريقيا، فكانوا بذلك قد رسموا خطًا فاصلاً بين الأوروبيين الذين قطنوا السواحل، والسكان الأصليين الذين عاشوا في عمق الأدغال. وبعد مغادرة العبيد السابقين، الذين عرفوا فيما بعد باسم «المارون»، لمزارعهم، عادت الأشجار البرية لتنموا مكان المحاصيل وسرعان ما غطتها بالكامل، الأمر الذي أدى لإفلاس الكثير من أصحاب الأراضي وخسارتهم ثرواتهم. وفي سنة 1850 أحضر العديد من الهنود والصينين والملاويين للعمل في المزارع وإحيائها من جديد، لكن أولئك فضلوا فتح دكاكين وحوانيت خاصة بهم في كايين وغيرها من المستعمرات.
تم ترحيل أكثر من 70,000 من المدانين الفرنسيين إلى غويانا الفرنسية ما بين عاميّ 1852 و1939، ففي سنة 1852 وصلت السفينة الأولى حاملة الفوج الأول منهم، وفي سنة 1885 أصدر البرلمان الفرنسي قانونًا ينص فيه على أن أي مواطن فرنسي سواء كان رجلاً أم امرأة يُحكم عليه بأكثر من 3 عقوبات تزيد مدة كل منها عن 3 أشهر لارتكابه جرم سرقة، سوف «يُنبذ» إلى غويانا الفرنسية، وكانت الحكومة الفرنسية تقصد من وراء تشريع هذا القانون التخلص من المجرمين في سجونها وزيادة عدد سكان المستعمرة، لذا كان هؤلاء المنبوذين يقضون فترة سجن تصل إلى 6 أشهر في تلك المنطقة، قبل أن يُطلق سراحهم ليصبحوا مواطنين عاديين فيها. إلا أن هذه التجربة أثبتت فشلها الذريع، حيث لم يستطع الكثير من المجرمين أن يقوم سلوكه ويعيش حياةً طبيعية كمزارع أو تاجر، فارتد معظمهم إلى حياة الجريمة، واقتصد البعض الأخر في قوته ومعيشته إلى أن وافته المنية. يقول بعض المؤرخين أن إرسال المدانين إلى غويانا الفرنسية لم يكن إلا حكمًا مؤبدًا بالسجن، وغالبًا ما كانت مدة «العقوبة» قصيرة، حيث توفي الكثير من المساجين جرّاء الأمراض المختلفة التي لم تعتادها أجسادهم، وجرّاء سوء التغذية. كان المساجين يصلون بادئ الأمر إلى بلدية «سان لوران دو ماروني»، ثم يُنقلون إلى مخيمات اعتقال مختلفة في جميع أنحاء البلد. اشتهرت جزيرة الخلاص بإيوائها المجرمين السياسيين المحكوم عليهم بالحبس الانفرادي، وبقسوة العيشة فيها، وكذلك كان الحال بالنسبة لجزيرة الشيطان. ومن المساجين السياسيين المشهورين الذين أمضوا فترة سجن على تلك الجزر: ألفرد دريفوس، وهنري شاريه، الذي استطاع الهرب في وقت لاحق وكتب رواية يتحدث فيها عن تجربته، حملت عنوان «فراشة» (بالفرنسية: Papillon).
في أواخر القرن التاسع عشر نشأ نزاع على الحدود مع البرازيل بشأن مساحة واسعة من الغابات اكتشفت فيها مناجم للذهب، ما أدى إلى ظهور دولة مستقلة حملت اسم جمهورية غيانا المستقلة، في المنطقة المتنازع عليها، ولم تعترف أي من فرنسا أو البرازيل بها. انتهى الخلاف سالف الذكر لصالح البرازيل وذلك بعد أن تم تحكيم الحكومة السويسرية لفضه.
القرن العشرين
أنشأ الفرنسيون مقاطعة «إنيني» سنة 1930 لضم معظم الأنحاء الداخلية لغويانا الفرنسية، قبل أن يعودوا لحلها سنة 1946. بعد سقوط فرنسا بأيدي النازيين أثناء الحرب العالمية الثانية، أعلنت الحكومة المحلية ولاءها لحكومة فيشي، على الرغم من التأييد الشعبي الواسع لشارل ديغول. أسقطت هذه الحكومة في وقت لاحق من قبل الحلفاء في شهر أغسطس من سنة 1944.
تغيير الوضع القانوني لغويانا الفرنسية عام 1946، عندما تحولت رسمياً من مستعمرة إلى إحدى أقاليم ما وراء البحار الفرنسية، فأخذت الحكومة المحلية تعمل على إغلاق المؤسسات العقابية الشهيرة، بما فيها تلك الموجودة على جزيرة الشيطان، بشكل تدريجي حتى انتهى أمرها كليًا في سنة 1951. وفي بادئ الأمر لم تسمح الحكومة إلا للمساجين القادرين على دفع ثمن تذكرة السفر بالعودة إلى فرنسا، فبقي الكثير منهم مشردًا في المستعمرة دون أن يقدر على العودة إلى وطنه. وقد عبّر عدد من الزائرين إلى موقع السجن السابق على الجزيرة في شهر ديسمبر من سنة 1954، عبروا عن صدمتهم جرّاء رؤية الأوضاع المزرية في مبنى الزنزانات الذي غدا مصحًا عقليًا للمساجين الذين أصيبوا بعقلهم، حيث كانت الغرف تحوي فتحات تهوئة شديدة الصغر في أعلى الجدران وتحت الأرض، ولم يكن وضع النزلاء أفضل حالاً عما كان عليه سابقًا، حيث استمرت معاملتهم كسجناء عوض التعامل معهم كمرضى، فكانت تُقدم لهم وجبة طعام واحدة في النهار، ولا تُراعى أوضاعهم الصحية كما يجب، الأمر الذي كان يؤدي إلى وفاة العديد منهم يوميًا.
عام 1964 تم اختيار كوروا لتكون موقع إطلاق للصواريخ، ويرجع ذلك أساسًا إلى موقعها الملائم بالقرب من خط الاستواء، فشرع المهندسون والخبراء ببناء مركز غويانا للفضاء حتى اكتمل بعد بضعة سنوات وبدأ العمل به في عام 1968. وفّر هذا المشروع فرص عمل محدودة للمحليين، أما الفنيون فكانوا أساساً من الأجانب. تم نشر مئات من الجنود في المنطقة لمنع حصول أي محاولة تخريب للموقع، وبهذا ساهم المشروع قليلا في الاقتصاد المحلي.
شهدت سنوات السبعينيات من القرن العشرين استقرار شعب الهمونغ اللاجئ من لاوس في مدينتي جافوهاي وكاكاو. وفي سنة 1976، أطلقت خطة تنموية سميت «الخطة الخضراء» (بالفرنسية: Plan Vert)، هدفت إلى تحسين مستوى الإنتاج، لكنها لم تحقق سوى نجاحًا محدودًا. اكتسبت الحركات الداعية للحكم الذاتي زخمًا خلال سنوات السبعينيات والثمانينيات تزامناً مع الشعبية المتزايدة للحزب الاشتراكي الغوياني، ولكنها تراجعت منذ ذلك الوقت، خصوصًا بعد قمع عدد من المظاهرات في سنوات 1996، 1997، و2000.!!
Discussion about this post