في مثل هذا اليوم 22 يناير 1490م..
ملك غرناطة أبو عبد الله محمد الثاني عشر يبعث برسالة ردًا على الملكين الكاثوليكيين فرناندو الثاني وإيزابيلا الأولى يرفض فيها تهديداتهما وتسليم مدينته إليهما.
كانت الملكة الكاثوليكية إيزابيلا الأولى تستلقي على فراش الموت، لقد أودعت ملكة إسبانيا وسيدة أوروبا الحديدية آخر وصاياها في الحياة بحماية الكنيسة الكاثوليكية، وضرورة ضم أراضي المغرب إلى إسبانيا، بل الانطلاق في تنصير الشمال الإفريقي بأسره.
لقد عاشت إيزابيلا الأولى ما يكفي لترى بعينها سقوط غرناطة آخر معاقل المسلمين في إسبانيا بعد حرب الاسترداد المقدسة التي أعلنها أسلافها والتي ظلت تسير بفاعلية وبطء شديد حتى سقطت بعد ثمانية قرون، لقد حققت العهد الذي قطعته على نفسها حين تم تنصيبها ملكة على مملكة قشتالة عام 1469م، بل جعلت من طرد المسلمين مهرًا لها حين تزوجت بابن عمها فرناندو الثاني ملك أراجون بمدينة بلد الوليد.
لقد استطاعت مملكة غرناطة آخر معاقل المسلمين بالأندلس قائمة في أقصى الطرف الجنوبي من إسبانيا لمدة زادت عن 260 عامًا بفضل براعتها الدبلوماسية التي كانت تقوم على مهادنة ممالك إسبانيا النصرانية(قشتالة وأراجون) تارة ومحاربتهم تارة أخرى، وفي أحيان كثيرة كانت تشعل النزاع بين المملكتين لكي لا يتحدا ضدها، لكن منذ أن تزوج فرناندو بإيزابيلا وتوحدت قشتالة واراجون، بدأت إسبانيا في إعداد العُدة لطرد المسلمين من الأندلس، وقد استغلوا في ذلك الصراع بين أفراد أسرة بني الأحمر ملوك غرناطة، حيث نشب النزاع بين السلطان مولاي الحسن وبين أخيه أبي عبد الله الزُّغل الذي أعلن الثورة في وادي آش ولوشة، وبين أبي عبد الله محمد الصغير بن مولاي الحسن.
في الوقت الذي اتحدت إسبانيا اشتعال صراعًا دمويًا في غرناطة بين الإخوة وأبناء العمومة حول كُرسي العرش، زاد الأمر سوءا حين أُسر أبو عبد الله الصغير من الإسبان في موقعة أليسانة بالقرب من قرطبة عام 1483م، حينها وقع على معاهدة ذليلة تفيد بخضوعه الكامل لملكي قشتالة وأراجون.
ترك فرناندو وإيزابيلا المجال لأبي عبد الله ليتخلص من عمه الزُّغل الذي كان يعتبره أهل غرناطة بطلا قوميا لمحاربته للإسبان، وحينما هاجر إلى الجزائر عام 895هـ/1490هـ، فرضا حصارهما الأخير على غرناطة، ونجحا في عزلها عن المغرب وسائر بلدان الشرق الإسلامي تجنبًا لأي مدد يأتي إليها.
الملك أبو عبد الله الصغير آخر ملوك غرناطة
في الثانى من يناير عام 1492م/ 897هـ سقطت مملكة غرناطة بعد أن ظلت تقاوم أطماع الممالك الإسبانية طيلة قرنين ونصف من الزمان، وكان مشهد تسليم المدينة بقعة من الحزن على جبين الزمان، حين خرج أبو عبد الله بن الأحمر الصغير من قصر الحمراء ليُسلم مفاتيح مدينة غرناطة للملكين الكاثوليكيين لتغرب بذلك شمس الإسلام عن الأندلس بعد أن ظلت مشرقة لثمانية قرون من الزمان (92هـ ـ 897هـ/ 711ـ 1492م) سجلت خلالها الحضارة الأندلسية الإسلامية صفحة ناصعة في التاريخ الحضاري للبشرية.
حين سلم أبو عبد الله الصغير مفاتيح المدينة بكى وتنهد على سفح ربوة من ربى غرناطة حيث لايزال يُعرف هذا الموضع بـ”زفرة العربى الأخير”، حينها صفعته أمه عائشة الحرة ، وقالت له : إبك كالنساء ملكاً مُضاعًا ..لم تحافظ عليه مثل الرجال.
كانت بنود تسليم المدينة تقضى بأن يصبح المسلمون رعايا للملكين الكاثوليكيين، وأن تكون لهم الحرية في أداء طقوسهم الدينية، وألا يجبروا على اعتناق المسيحية، وأن يحتفظوا بمساجدهم وعاداتهم وتقاليدهم الإسلامية، وأن يؤمنوا فى أموالهم وأنفسهم، وعُرف المسلمون الذين رفضوا مغادرة إسبانيا بـ”الموريسكيين”، وكانت إسبانيا المسيحية في هذا الوقت في حاجة لجهود هؤلاء المسلمين العلمية والاقتصادية الذين تركوا بصمة واضحة في المجالات كافة.
الاضطهاد الديني بحق المسلمين في الأندلس خلال عهد إيزابيلا وفرناندو
لكن هذه العهود التي قطعها ملوك إسبانيا لم تُنفذ، وباتوا يضيقون على المسلمين في كل يوم، وفى عام 1502م اتخذ فرناندو وإيزابيلا قرارًا بإجبار المسلمين على اعتناق المسيحية الكاثوليكية أو الطرد والموت، أقاموا محاكم التفتيش بزعامة مساعدها توماس دي توركيمادا، وأقيمت المشانق والمحارق، وتلذذوا بوسائل التعذيب، ما بين الموت شنقا وحرقاً وعلى الخوازيق، والسلق بالماء المغلى، وتقطيع الأوصال والأطراف، وفقع العيون، وغيرها، وصادف هذا موجة من موجات طمس الهوية الإسلامية في العلوم والآداب والعادات، أحرقت كتب العبادات والأدب والتاريخ، وأبقوا من كتب العلوم ما يساعد على تقدمهم، وسطوا على إنجازات المسلمين، وكان من جملة هؤلاء السارقين كريستوفر كولمبوس الذي أدعى زورا اكتشاف العالم الجديد بعد أن سرق مخطوطات وخرائط المسلمين في الملاحة والجغرافيا.
الاضطهاد الديني بحق المسلمين في الأندلس خلال عهد إيزابيلا وفرناندو
عندما سقطت الأندلس أصدرت إيزابيلا الأولى لوائح عديدة ضد المسلمين، فمنعت لبس اللون الأبيض، ومنعت الاستحمام، وتم حظر كافة شعائر المسلمين من صلاة وصيام وذكر حتى قراءة الكتب باللغة العربية، ونتيجة لانتصارها على المسلمين وتنصير إسبانيا بالكامل منحها البابا إسكندر السادس هي وزوجها فرناندة لقب “الملكين الكاثوليكيين”.
أدت سياسة الاضطهاد إلى إجبار الكثير من المسلمين على التنصير، فيما رفع البعض لواء الثورة، وكانت أخطر هذه الثورات ثورة حي البيازين “البياسين” عام 1499 حين قام أفراد شرطة الملكين الكاثوليكيين بانتهاك حرمة إحدى المسلمات وسجنها ما أدى إلى اندلاع ثورة عارمة من المسلمين أخمدت بمزيد من العنف والقتل .
الاضطهاد الديني بحق المسلمين في الأندلس خلال عهد إيزابيلا وفرناندو
ومارس خلفاء إيزابيلا وفرناندو هذه السياسة باقتلاع الإسلام من إسبانيا، ولعل أعنفهم في هذا الملك شارلكان (كارلوس الخامس) والذي قضى على عدة ثورات في مدن غرناطة وبلنسية “فالنسيا”.
وأطلق على المسلمين لفظ “المريسكيين” أو “ألمورو” وهو تصغير للفظ المغاربة المسلمين للتحقير، وأندلعت ثورة إسلامية مزلزلة عرفت باسم ثورة البشرات بين عامى 1568 وعام 1571، قادها رجل مسلم يُدعى بن أمية ، وهو من نسل عربى يعود لأسرة بنى أمية التى حكمت الأندلس فى فترة ازدهارها بين عامى (138-422هـ/ 756-1031م) واشتعلت الثورة فى منطقة جبل البشرات “سييرا نيفادا” أو جبل الثلج إثر قرا فيليب الثانى بحظر اللغة العربية والأمازيغية البربرية فى إسبانيا، وقُمعت هى الأخرى على يد الملك الإسبانى فيليب الثانى، وقتل محمد بن أمية الذى حاول الاتصال بالعثمانيين،قُتل ما يقرب من 25 ألف مسلم، وتم تشتيت قرابة 80 الف شخص كانوا يقطنون القرى الغرناطية فى أنحاء إسبانيا.
وفي الرابع من إبريل عام 1609م/1017هـ اتخذ فيليب الثالث ملك إسبانيا والبرتغال وصقلية قرارًا بطرد نحو مليون مسلم من إسبانيا إلى المغرب في موجات من التهجير القسري التي قلما عرفت البشرية نظيراً لها، والتي استمرت لنحو 5 أعوام حتى عام 1614، عانى فيها المسلمون ويلات النزوح والقتل والتهجير.!!
Discussion about this post