—-رؤيتي في قصيدة(خطبة الوداع ) للشاعر الدكتور Hamed Hadji
————
القصيدة
-قشَعتُ عوالم روحي… فتحتُ سماواتِ بابي وكل رتاج
وأجلستُ قلبي على مقعد جانبي
وترشّفت من قهوتي جغمتين
ومن تبغ سيجارتي نفسيْن
وساقا على الساق رحتُ أراقبُ نافذةَ الحلم خلف الزجاج..
تجيءالطيور .. تحطّ على شرفة النور والليلُ داج
أسافرُ في غيهب الضوء
في كوة الذكريات
وأشرعُ للحلمِ ألواحه في البحار
فتأتي كأن بها وهناً تتهادى، رُوَيْداً تَسير وتَضْلَعُ مشْيَةَ لاجِي..
وقفت أصافحها.. فارتمى بين حضنين قلبي كأنّا بوقت عجاج
وغامت سماء وأدلج أفقٌ
ووسعت مجلسنا لحديث المجاز
فتهمسُ : كيفك أنت؟!
ويشرعُ قلبي يفاتحها وينير فتائلها والمعاني بجوف السراج
تقول: أحبك لست مهملةً أو أنا قاضيةً منك حاجي
تسمّرتُ.. كان المدى من أمامي.. كما خرزة في المنام
وتسرعُ كفي لجيبي..
وأخرجُ منها الخواتم وضاءة في الظلام..
أقول: أحبك جدا وأهمس: والله أطلبك للزواج..!
فَتَحتُ لها علبةً ثمّ خَتَّمْتُ اصبعَها ذهبا..
كأني لها مركزٌ والكواكبُ من حولنا في ارتجاج
كأنّي بهذاك ألبستُها من قشيب الدنى ألف تاج..
ا…………………… ………….
صباحا، أفقت على الحلم.. كنتُ أغُطُّ ببهو الڨراج…
*********************************
*وعن الحلم كتبتُ
ذات حلم
رقّ قلبي وانتشي
نهض تمطّى
وإلى الحبيب مشى
ولمّـا غشي الروح ما غشى
أسرع العقل وصاح
كان حلما وانتهى…
————-
ومع الحلم نسافر،هذا الحلم الذي
أتمّ مراسم زواج عاطفي والواقع أجهض عليه …وبين الحلم والواقع
هدنة ما يشبه الهدنة في حرب أهلية
حيث لا يُـوضع السلاح،ولا نعلم متى يلتفّ الواقع على الحلم ؟ولا متى الحلم يغزو الواقع ؟
في هذا القصيد على المتلقي أن يتخذ لنفسه متكأ ،وبكل أريحية يضغط على زر (التحكم عن بعد)،فتضاء الشاشة أمامه
وبكل انتباه يتابع فيلمه المفضل تحت عنوان(خطبة الوداع)
المشهد الأول عبارة عن لوحة
{الممكن في المستحيل }
شاعر يستل قلبه من وراء قضبان القفص
يحرره ويجلسه على مقعد ويجلس هو غير بعيد يراجع مرسوم استقبال الزائرة المرتقبة التي قد تأتي وقد لا تأتي وفي الاثناء يمارس طقوس شرب القهوة في معبد الانتظار ،ويسرِّح بصره عبر نافذة مطلة على عالم الأحلام إنها عملية جوسسة بريئة على(حلم واحد من بين كل الأحلام الممكن التلبس بها)
هذا الحلم الذي اقتنصه وعاد به لضفة الواقع، روح شاعرة تسرق حلما من الظلام وتلقي به في نور الواقع ،فيفتح هذا الحلم الوليد عينيه على الضوء وتغريد الطيور لينتعش ويكبر وتتّسـع رقعته لتتهادى في رحابه الأنثى الحلم التي ينتظرها الحالم لدرجة نزع قلبه هذا الذي بات مزعجا بإلحاحه في طلبها
حيّده ليكون شاهدا على حبه لها
والشاعر إذْ نزع قلبه فالمفروض لا حب خارج نطاق القلب لان القلب هو بيت الحب فماذا تبقّى؟
بقي العقل وهكذا تبيّن أن الانسان يمكن أن يحب بعقله،والحب الذي يلد في القلب ويتكئ على رجاحة العقل هو حب لا يعرف الخذلان حب لا يموت حتى بعد الموت ،هوحب فوق الموت كما الأحلام التي قد تتحول وتتناسل من بعضها البعض وقد تغير شكلها وتتنكر لبعض الموؤدة منها ولكن ابدا لا تموت،
فهل القصيد يسوِّق للحلم المستعصي العنيد على أساس واقع حي معيش وساري النبض؟ أم يروّج لواقع تتوق إليه النفس الشاعرة؟
وفي الحالتين تُلمس خلفية الشاعر المدججة بعمق جمالية الصورة الشعرية
وبإتقان تحريك بيادقه اللغوية في تعزيز التقاط اللحظات الآسرة،التي هي مدعاة للادهاش المنشود ،وحين وصول الحبيبة (وقَـفَـا )معا ،للحظة الاستقبال ،فمن يا ترى كان السبَاق؟
فمن يا ترى لا يهاب المخاطر ولا يحسب للعواقب حسابا ويرتمي في النار؟
فمن يا ترى يهرب من حامله وينتصر لمن يحبُّ متمرّدا على سلطة العقل ؟إنه القلب وما أدراك ما القلب -والقلب والحب أثبتا معا عجز العقل عن كبح جنونهما ،وللقاريء أن يتمثّل أروع لوحة في متحف الحلم -قلب هذه المضغة يعانق الحبيبة ويكون حضنه هو الأقرب حيث يتوسط الحصنين
(وقفتُ أصافحها.. فارتمى بين حضنين قلبي كأنّا بوقت عجاج )
قلب مستقر بين حضنين
فكيف يا ترى يستطيع مخرج سينمائي تجسيد المشهد ؟
وهل يستطيع (الكاميرامان) التقاط المشهد؟ تلك لعمري تحتاج مهارات وحسّ جمالي خارق ودراية بالصور الشعرية من (كاتب السيناريو)
وفي هذا الباب يتفوق الشعراء وهنا أشهد بقدرة الشاعر على التجسيم والتمثيل ومزج الانفعال الداخلي بالخارجي ،
وللحلم ألاعيبه حيث وبكل براعة نحضر حفل الخطوبة وكان الحبيب مستعدا ومسلحا بخاتم الخطبة حتى لا يضيّع الزمن المسموح به في الحلم لاستعراض سرب الأماني الغائرة في اللّاوعي
وكما ولجنا القصيدة من نافذة زمن الحلم
غادرناه من الباب العريض لهذا الحلم
وهكذا هي الأحلام تنتهي عندما تبدأ فصول إغراءاتها ،والشاعر واعٍ بتأثير زمن الحلم في تنامي سرد الحلم وحتى فعله المؤثر على المكان الذي هو في الانطلاق مغلق وضيّق إلى حدّ (لتكن غرفة مثلا )وليسع تفاصيل الحلم فتح له كل المنافذ الموحية ببراحه
(قشَعتُ عوالم روحي… فتحتُ سماواتِ بابي وكل رتاج)
ويبقى الحلم هو لحظة لم نعشها نستحضره زمن غياب الرقيب الواعي
وبقدر ما تضيق مساحة الواقع ، تتسع مساحة الحلم ، في انفلاته اللا منطقي
والشاعر جعل من قصيده ممكنا جماليا
حاملا لهذا (الحلم)
حتى لا يتلاشى الحلم ويسحب أثره من الذاكرة المزدوجة مع التأكيد على أنه حلم (صباحا، أفقت على الحلم.. كنتُ أغُطُّ ببهو الڨراج)
ملاحظة
الابيات التي قدمت بها قراءتي
هي من قصيدي(ذات حلم)
من ديواني(إلى عائشة 2022)
فائزه بنمسعود
من منجز قراءات فائزه بنمسعود في كتابات حمد حاجي
Discussion about this post