في مثل هذا اليوم 23 يناير 1650م..
جلاء البرتغاليين عن عُمان.
في مثل هذا الوقت من يناير عام 1650 تخلصت عمان من براثن الاحتلال البرتغالي الذي استمر نحو 140 عاما لتتحول عمان بعد ذلك من بلد مُحتل إلى إمبراطورية كبرى ممتدة عبر سواحل آسيا وأفريقيا.
تحتل عمان موقعا استراتيجيا متميزا عند مدخل الخليج في الزاوية الجنوبية الشرقية لشبه الجزيرة العربية، وكانت في القرن التاسع عشر تتنافس مع البرتغال وبريطانيا على النفوذ في منطقتي الخليج والمحيط الهندي.
ولا تتميز عمان بالموقع الفريد فحسب بل بالمذهب الأباضي الذي يعتنقه 75 في المئة من سكانها أيضا.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن هذا المذهب ترجع أصوله إلى حركة الخوارج التي بدأت خلال حكم الخليفة الثالث عثمان بن عفان ولكن الإباضية عكس الخوارج فهم ليسوا متشددين بل يميلون إلى التسامح.
بعد فترة وجيزة من رحلة المستكشف البرتغالي فاسكو دي غاما حول رأس الرجاء الصالح عام 1497، عمل البرتغاليون على السيطرة على طرق التجارة في المحيط الهندي ودمروا سفن التجارة العربية التي كانت تنقل البضائع من الهند إلى سواحل عمان والخليج.
وقد بدأ التوسع والانتشار البرتغالي بحملات في ساحل أفريقيا الغربي جنوب الصحراء للحصول على السلع والعبيد.
وقد بدأت مرحلة الاستعمار البرتغالي في شرق أفريقيا، مع وصول الرحالة الأوائل إلى تلك المنطقة منذ بداية القرن الـ 16 الميلادي.
وقد تمكنت البرتغال وبتشجيع من دي غاما من احتلال زنجبار والمدن الساحلية لتبدأ حقبة استعمار في ساحل شرق أفريقيا، استمرت ما يقرب من قرنين.
ففي عام 1505، هاجم الأسطول البحري البرتغالي بقيادة فرانسيسكو دي ألميدا، الذي تم تعيينه حاكما ونائبا للملك في الهند البرتغالية، سواحل زنجبار ومومباسا، فنهبوها وأحرقوا منازل السكان فيها، وقاموا بتدمير السفن الراسية في الموانئ ثم سيطروا عليها.
وبعد أن سيطر البرتغاليون على ساحل شرق إفريقيا، وجهوا اهتمامهم صوب عُمان، التي كانوا يعتبرونها المنافس التجاري لهم في المحيط الهندي، فأرسل ملك البرتغال حملة بحرية بقيادة ألفونسو دي ألبوكيرك عام 1506 إلى جزيرة سوقطرة اليمنية فتم الاستيلاء عليها.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن البرتغاليين استولوا على مسقط عام 1507 وسرعان ما سيطروا على الساحل العماني بأكمله.
وبعد ذلك بعام استولوا على هرمز في مدخل الخليج.
وقد أرسلت دولة المماليك في مصر والدولة العثمانية حملات بحرية للتصدي للبرتغاليين، ولكن دون جدوى.
وحقق البرتغاليون هدفهم بتأمين الطريق إلى الهند فوصلوا إلى غوا، التي باتت لاحقا مركز إمبراطوريتهم في الشرق، في عام 1510.
وبعد أن استولى عليها ألفونسو دي ألبوكيرك باتت غوا بمثابة القاعدة البرتغالية الرئيسية في الشرق لمدة أربعة قرون ونصف.
وكان لقدوم البرتغاليين إلى الهند أسباب متعددة، أهمها الحصول على كميات من التوابل القيمة، مثل الفلفل الأسود والهيل الأخضر، والعودة بها إلى بلادهم، بجانب نشر المسيحية.
وكان ألبوكيرك يقصد أن تكون غوا مستعمرة وقاعدة بحرية، بخلاف المصانع المحصنة التي تم إنشاؤها في بعض الموانئ البحرية الهندية. وقد شجع رجاله على الزواج من نساء من السكان الأصليين والاستقرار في غوا كمزارعين أو تجار تجزئة أو حرفيين.
وقد سرّ البرتغاليون بما وجدوه في هذه المنطقة الهندية من شواطئ بِكر وغابات وارفة الأشجار، فضلا عن ميناء قابل للاستخدام، سهّل حركة التجارة بين غوا والمناطق المجاورة لها. ولذلك بقي البرتغاليون هناك لأكثر من 450 عاما.
ولم ينته الاستعمار البرتغالي لهذه المنطقة سوى في عام 1961، أي بعد 14 عاما كاملة من نيل الهند استقلالها عن بريطانيا.
أدت عدة عوامل خلال القرن السابع عشر إلى إضعاف سيطرة البرتغاليين على الساحل العربي على رأسها استمرار مقاومة موانئ الخليج للاحتلال البرتغالي، فقد قامت ثورتان كبيرتان في عامي 1521 و1526 ضد سيطرة البرتغاليين اشتركت فيهما كل من هرمز، والبحرين، وقلهات، وصحار، ومسقط. بحسب الأرشيف الوطني لدولة الإمارات.
وفي عام 1602 تمكن شاه عباس الأول حاكم فارس من طرد البرتغاليين من البحرين، كما تم الاستيلاء على هرمز عام 1622 نتيجة عملية عسكرية بريطانية فارسية مشتركة.
واستولى الفرس في السنة نفسها على خور فكان ولكن ما لبث الأميرال البرتغالي راي فرير دا أندرادا أن طردهم منها عام 1623، وبعد ذلك بفترة قصيرة تمكنت قوة عربية بقيادة إمام اليعاربة الأول ناصر بن مرشد من طرد راي فرير نفسه.
لقد خرجت مسقط وساحل عمان من قبضة البرتغال حيث تمكنت قوات اليعاربة عام 1633بقيادة ناصر بن مرشد من طرد البرتغاليين من جلفار ودبا كما استعادوا صحار عام 1643.
قد استمر القتال إلى أن تم تحرير مسقط آخر معاقل البرتغاليين عام 1650 بقيادة الإمام الجديد سلطان بن سيف الذي تولى في العام السابق بعد وفاة ابن عمه الإمام ناصر بن مرشد.
فقد سار بن سيف على رأس جيشه من الرستاق، وهاجم البرتغاليين وطردهم من مسقط.
وقد حاول البرتغاليون استعادة مسقط في عام 1650وفشلوا، كما فشلت حملتهم أيضا في انتزاع المدينة في عام 1652.
ولم يكتفِ العمانيون بطرد البرتغاليين من البلاد والدفاع عنها فقط، بل ظلوا يطاردونهم وأرسلوا أساطيل هاجمت القواعد البرتغالية في سواحل الهند وأفريقيا، وبدأ العمانيون في تشكيل أسطولهم البحري العسكري الضخم معتمدين على الأسطول البرتغالي الذي سيطروا عليه.
وقد نجحت البحرية التابعة لعُمان في طرد البرتغاليين من سواحل شرق أفريقيا باستثناء موزمبيق، حيث سيطر العمانيون على مومباسا في كينيا في عام 1661 وباتت زنجبار تحت سيطرة العمانيين عام 1696.
كما هاجم العمانيون القوات البرتغالية في مومباي في الهند عبر المحيط الهندي في عامي 1661 و1662، وألحقوا أضرارا جسيمة بالأسطول البرتغالي.
وهكذا تشكلت الامبراطورية العمانية عندما انطلقت الأساطيل العمانية لتطارد الأساطيل البرتغالية وتفرض الحماية على الموانئ المحيطة ببحر العرب لتمتد الإمبراطورية من كوادر شرقا (تقع جنوب باكستان اليوم) حتى ماجنكا جنوبا ( تقع في جزيرة مدغشقر).
لكن عصفت حرب أهلية بالبلاد بسبب نزاعات على خلافة الإمام في أوائل القرن الثامن عشر فوقعت عمان فريسة لاحتلال فارسي في عام 1737 حتى جرت مبايعة أحمد بن سعيد، حاكم صُحار، إماما في عام 1744، وقد نجح في طرد الفرس وأسس أسرة آل بوسعيد التي لا تزال تحكم عمان حتى اليوم.
وفي ظل حكم حفيده سعيد بن سلطان استعادت عُمان السيطرة على زنجبار في عام 1828 ليصبح لقبه سلطان عمان وزنجبار، ونقل عاصمته إلى زنجبار.
غير أنه بعد وفاته عام 1856 تقاتل ابناه ماجد وثويني على خلافته، وهو ما أدى إلى انقسام الإمبراطورية إلى قسمين: القسم الأفريقي، أي زنجبار، الذي أصبح تحت سلطة ماجد بن سعيد.
أما القسم الآسيوي فتولى حكمه ثويني بن سعيد، الذي كان ينوب عن والده في حكم عمان منذ عام 1833، وخضعت السلطنة للنفوذ البريطاني منذ القرن الـ19.
وباتت مسقط تخضع بشكل متزايد لنفوذ بريطانيا في نهاية القرن الثامن ومع الاقتراب من نهاية القرن التاسع عشر، وذلك من خلال سلسلة من المعاهدات وافق فيها السلطان على استشارة بريطانيا في كل “الأمور المهمة”.
والتزمت بريطانيا في عام 1895 بحماية السلطان فيصل بن تركي في مسقط ومطرح من الهجمات القبلية، لذلك تمكن البريطانيون من ممارسة نفوذهم بشكل غير رسمي، من خلال الحفاظ على مناصب السلاطين.!!
Discussion about this post