في مثل هذا اليوم 24 يناير 1983م..
سقوط القمر الصناعي السوفيتي «كوزموس» في المحيط الهادئ.
“كوزموس 1402” (Kosmos 1402) قمر استطلاع صناعي أطلقه الاتحاد السوفياتي يوم 30 أغسطس/آب 1982 لغايات التجسس على حلف شمال أطلسي (ناتو)، ودخلت مخلفاته الغلاف الجوي يوم 23 يناير/كانون الثاني 1983، وتفككت جنوب المحيط الأطلسي في السابع من فبراير/شباط من العام نفسه، بعد رحلة استمرت نحو 5 أشهر في مدار أرضي منخفض.
رافقت الحادثة مخاوف دولية ونقاشات حادة حول طبيعة مخلفات التكنولوجية النووية في الفضاء، وعن مدى وضوح القوانين المتعلقة بالأمن والسلامة النووية العالمية، لا سيما أنها لم تكن الحادثة الأولى التي يشهد فيها الفضاء مثل هذه الحوادث.
وفي قصة سابقة مشابهة، تعطل القمر الصناعي “كوزموس 954” (Kosmos 954) وعاد إلى الأرض وسقط فوق الأقاليم الشمالية الغربية الكندية يوم 24 يناير/كانون الثاني 1978، مما أجبر الحكومة الكندية على تنفيد برنامج استرداد خاص بالشظايا المشعة المتناثرة سمته “ضوء الصباح” (MORNING LIGHT) وطالبت الاتحاد السوفياتي آنذاك بتعويض قدره 6 ملايين دولار كندي.
التسمية
أطلق الاتحاد السوفياتي تسمية “كوزموس” على سلسلة كبيرة من الأقمار الصناعية، كان أولها “كوزموس 1″، الذي أطلق يوم 16 مارس/آذار 1962 بغرض دراسة الغلاف الجوي العلوي للأرض، المسمى “الأينوسفير”، تلته بعد ذلك مجموعة أقمار صناعية متباينة الأغراض العسكرية والجاسوسية والعلمية، منها “كوزموس 1402” المصمم بتقنيات الرادار لمراقبة سفن “الناتو” ورصد تحركاتها عبر طرق الملاحة الدولية.
مصدر طاقة الأقمار الصناعية الروسية هي مفاعل الانشطار النووي الذي ينتج بدوره مولدات حرارية تعرف بـ”بي إي إس-5″ (BES-5)، وتستخدم نحو 50 كيلوغراما من اليورانيوم المخصب بنسبة 90%.
تقدم هذه التكنولوجيا الطاقة الكافية لتشغيل المركبات الفضائية، ويمكنها توليد الوقود لمدة 500 سنة، لكن النقطة الأهم في هذه التكنولوجيا هي كيفية تنفيذ آلية طرد هذه المولدات النووية عند نهاية مهمة القمر الصناعي أو عند تعرضه للعطل واحتمال سقوطه، إذ لا بد من تفكيك وإخراج ميكانيكي نحو مدار أعلى لا يقل عن ألف كيلومتر خارج الغلاف الجوي للأرض، ويسمى مدار التخلص.
حادثة كوزموس 1402
حاول العلماء الروس تعديل آليات طرد المولدات النووية -تسمى أيضا اللبّ المشع- لتتفكك في مدار أعلى، خصوصا بعد حادثة “كوزموس 954″، لكن الأمر تكرر في “كوزموس 1402” يوم 28 ديسمبر/كانون الأول 1982، عندما فشل نظام تفكيك القمر في التخلص من المفاعل إلى مدار أعلى، فانقسم إلى 3 أجزاء، ثم خرج عن السيطرة، والأجزاء الثلاثة هي:
المفاعل أو اللب المشع.
أجهزة القمر الصناعي.
هوائي الرادار.
كان هوائي الرادار أول جزء من أجزاء القمر الصناعي يصل إلى الأرض بتاريخ 30 ديسمبر/كانون الأول 1982، حيث احترق في الغلاف الجوي، لتعود بعد ذلك أجهزة القمر الصناعي الرئيسة وتظهر في جنوب دييغو غارسيا في المحيط الهندي عند إحداثيات 25 درجة جنوبا و84 درجة شرقا يوم 23 يناير/كانون الثاني 1983.
يعتقد أن القمر الصناعي تفكك أولا، ثم تحطم وسقط في المحيط الهادي، في حين تأخر الجزء الأهم وهو المفاعل أو اللب المشع حتى السابع من فبراير/شباط 1983، حيث سقط فوق جنوب المحيط الأطلسي عند إحداثيات 19 درجة جنوبا و22 درجة غربا.
النفايات النووية في الفضاء
توضح التقارير السوفياتية أن المفاعل احترق بصورة كاملة في الغلاف الجوي، وتشتت إلى مستويات آمنة من النشاط الإشعاعي، لكن حالة عدم اليقين التي أحاطت بموقع ووقت إعادة دخول أجزاء القمر الصناعي “كوزموس 1402″، لا سيما جزء المفاعل النووي، جعل بلدانا عديدة في حالة تأهب قصوى، شملت وضع فرق خاصة بالطوارئ مع حشد طائرات عسكرية وسفن بحرية.
تتصدر قائمة البلدان التي رفعت حالة التأهب القصوى الولايات المتحدة الأميركية وكندا وبلجيكا وأستراليا وألمانيا الغربية آنذاك وفرنسا والسويد إلى جانب عدد من البلدان العربية منها سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة.
كما توقفت عملية إطلاق الأقمار الصناعية السوفياتية بعد هذه الحادثة سنة ونصف السنة، ووصلت بعض التحقيقات إلى تأكيد تشتت 44 كيلوغراما من اليورانيوم في الغلاف الجوي للأرض، واكتشفت مادة السترونتيوم المشعة في عينات المطر في أركنساس بالولايات المتحدة الأميركية بعد أشهر فقط من الحادثة.
لم تتوقف الحوادث الخاصة بمخلفات الأقمار الصناعية عند هذا الحد، وإنما استمرت باستمرار الإقبال الدولي على هذه التكنولوجيا، حيث قدر عددها المسجل رسميا منذ عام 1961 بـ250 حالة سقوط وخروج عن المدار، كان أخطرها الحادث المتعلق بدخول مخلفات المحطة الأميركية “سكايلاب” (Skylab) سنة 1979 وسقوط أجزاء منها على مناطق متفرقة من أستراليا قدر وزنها بنحو 78 طنا.
أمام هذه التطورات، قدمت لجنة استخدام الفضاء الخارجي في الأغراض السلمية التابعة للأمم المتحدة مجموعة من التوصيات عام 2008، شملت:
الحد من التدمير العمدي للمركبات الفضائية.
التقليل من حالات التشظي، وهي العمليات التي تصاحب مرحلة تشغيل المركبة الفضائية في أثناء انطلاقها.
تنفيذ آليات تسمح بالحد من احتمال الاصطدام والخروج عن المدار.
التقليل من الوجود الطويل الأمد للمركبات التي توقف تشغيلها.
كما قامت وكالة الفضاء الأوروبية بمجموعة دراسات خاصة بطرق تقليل التصادمات بين الأقمار وطرق إحراق المخلفات عن طريق الاحتكاك الشديد قبل دخولها إلى المجال الجوي للأرض، وتوجد عمليات حديثة تساعد في التخلص من المخلفات باستعمال أشعة الليزر، وكذلك تثبيت مصدات تعمل على تغيير مسار هذه الأجسام غير المرغوبة.!!
Discussion about this post