قراءةلقصيدةسر الأسرارنموذجابقلم الإعلامية والناقدة التونسية جليلة المازني للكاتبة الهام عيسى

قراءة نقدية:”القصيدة ومذهبُ الحبّ”
القصيدة 😞 “سرّ الاسرار” نموذجا)
الشاعرة: الهام عيسى(سوريا)
الناقدة: جليلة المازني (تونس)
المقدمة:ان للشعراء في الحبّ مذاهبُ.
ترى أيّ مذهب في الحبّ تعتنقه شاعرتنا الهام عيسى في قصيدتها”سرّ الاسرار”؟ وماهي دواعي ذلك؟
القراءة النقدية:مذهب الشاعرة في الحبّ
لقد اختارت الشاعرة الهام عيسى عنوانا لقصيدتها “سرّ الاسرار”وهو مركّب اضافي وقد ورد المضاف اليه (أسرار)اسم جمع للمضاف(سرّ).
من هو سر الاسرار؟(1)
سر الاسرار هو”اسم الله الاعظم الذي اذا دُعي به أجاب واذا سُئل أعطى” وقد رجّح العلماء ان اسم الله الاعظم هو الجلالة.وقد ذكر في حديث نبوي ان الرسول سمع رجلا يقول:”لقد سألت الله بالاسم الاعظم الذي اذا سُئل به أعطى واذا دُعي به أجاب”(رواه أبو داود والترمذي). واذا كان اسم الله الاعظم هو الجلالة فالله بجلاله وعظمته سرّ اسرار الكون.
وبالتالي لماذا جعلت الشاعرة عنوان قصيدتها “سرّ الاسرار”؟
ولماذا منذ عتبة العنوان أضفت على قصيدتها معنى القدسية؟ سنقف على ذلك في غضون تحليلنا.
استهلّت الشاعرة الهام عيسى قصيدتها بمعادلة (كلّما أرتدي معطفي..أعلم أنك معي)
والمعطف هو ما يُلبس فوق الثياب ويُغطّي كامل الجسد ويحميه من البرد وعادة ما يكون جميلا لانه الوجه الظاهر للملابس.ان كل هذه الصفات هي صفات من يلازمها ملازمة ارتداء معطفها .انه لابسها ويتحدُ مع جسدها.
ان الحبيب ستْر لجسدها وهو دفء له وهو جمال يجعلها تفخربه.من يكون هذا الحبيب؟
واكثر من ذلك فهي تتغنّى به (أرتلك خيمة وحي لروحي ومدادا لقلمي).
والترتيل في القراءة حسب ابن قتيبة(276 هجري)(2) هو” التبيين لها كأنه(المرتّل) يفصّل بين الحرف والحرف “فيضفي على القراءة وقعا جميلا.
انها تتغنّى به باعتباره خيمة وحي لروحها.
والخيمة هي مسكن مؤقت يمكن نقله بسهولة من مكان الى مكان .
ان وجه الشبه ان ترتيلها له مستمر استمرارية تنقل الخيمة وهي بين الاستقرار والترحال ثابتة في الزمن.والخيمة الكبيرة هي ايضا كناية عن المجد والصيت.انها تتغنى به باعتباره مجْدا وصيتا حسنا لوحي روحها …
ان وحي الروح هي عبارة تتناصّ مع عناوين لعدّة كتب.
منها كتاب مصطفى صادق الرافعي الذي صدّره بقوله”التراب المتكلم امام التراب الصامت” لو استندنا الى هذا المرجع للوقوف على دلالة وحي الروح لرأينا ان الكاتب يتحدّث عن ثنائية المتكلم والصامت(حديث الرافعي في موت اخيه)ومن ثمّ يتحدث عن عدة ثنائيات الملح والحلو /الفرح والحزن/الحقيقة والصدق /الحسن والقبح / الحياة والموت/الصحة والمرض /النفي والاثبات/وكل ثنائية هي اثنان في واحد او واحد في اثنين.
ان وحي الروح هو بحث عن الحقيقة كما ذكر الرافعي”ومتى يطلب الانسان الحقيقة او جزءا منها لا يقف الاعلى جزء منها..أمّا انّ في الحياة ملحًا وان في الحياة حلوا وكلاهما
نقيض والصحيح ان يُخلق منهما المستحيل وهو الملح الحلو”.
اعتبارا بما ذكره الرافعي فان وحي روح الشاعرة هوهذه الحيرة التي لا نفي فيها ولا اثبات
كما قال الرافعي….انها الحقيقة النسبية التي بها يعيش الانسان .
هل الشاعرة تريد ان تجعل من هذه الثنائيات كذبة؟
فمتي ينتهي الطرف الاول للثنائية ليبدأ الطرف الثاني؟
هل الشاعرة تريد ان تقنعنا بنسبيّة الحقيقة وهي هنا تتناصّ مع نظرية النسبية للعالم آلبارت آيشتاين؟
ان الحبيبة تتغنى أيضا بحبيبها باعتباره مداد قلمها والمداد او الحبر هو سائل يحتوي على مكوّنات صبغية وكيميائة وجزئيات متنوّعة يستخدم في الكتابة والطباعة على مسطّحات مختلفة من الورق اوغيرها لاظهار نصوص الكتابة والرسومات الملونة المختلفة والتصاميم
​​
وهذا المعنى يتناصّ مع النصّ القرآني (سورة الكهف الآية 109″قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربّي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربّي “.
ووجه الشبه بين ماورد بالآية القرآنية وما تغنّت به الشاعرة من ان الحبيب هو مداد قلمها ان هذ ا الحبر الذي هو غذاء قلمها ووسيلة ابداعها لاينضب انه حبر باق ما بقي ابداعها وابداعها باق مابقي هذا الحبر وبالتالي انه بمثابة الدم الذي يسري في شرايينها ليحييها بما ان الابداع هو حياتها .
وبالتالي فان قلمها بدون حبر لا قيمة له والقلم هو رمز ابداعها الذي لا وجود له بدون حبيبها .انها تدينُ له بابداعها.
انها تتغنّى بالحبيب الذي هو وحي روحها ومداد قلمها.
هذا الحبيب جمع بين الروحي والمادّي رغم البعد الذي يكتنف العلاقة بينهما فهما يواجهان
المصاعب التي يقاومانها دون كلل او ملل..انها مكابدة العاشقين.
ان استخدام ضمير المتكلم الجمع يجعلهما مُتحديْن في هذه المكابدة التي هي شبيهة بالحرب(جسورا نخوض غمارها).ويجعل الواحد منهما عاشقا ومعشوقا في نفس الوقت.
هذا العشق الذي يتجلّى في الحب الروحي.
وهل أكثر من أنهما اصبحا مدرسة في الحبّ الروحي(نظلُّ نعلّمُ العاشقين) ومدرسة الحب ستطرح الصراعات التي تنشأ في مختلف جوانب الحياة بسبب هذه العاطفة.
– هل هذه المدرسة ستؤسس لمفهوم جديد للحب الروحي؟
– هل هذه المدرسة ستنطلق من تجربة واقعية للعاشقين؟
– هل ان الشاعرة تريد ان تقنعنا بوجهة نظر في الحبّ الروحي؟
– هل ان الشاعرة تلمّح الى نوع من الحبّ الصوفي؟
ان العاشقيْن يؤسسان لمدرسة في العشق والعشق هو الحب الروحي فأيّ حب روحي سيعلمانه؟
انها مدرسة تعلّم العاشقين “سر الاسرار” وسر الاسرار هو اسم الله الاعظم وقد اتفق العلماء على انه اسم الجلالة .
ان “لفظ الجلالة يدل على كونه سبحانه مألوها معبودا تُؤلّهه الخلائق محبة وتعظيما وقد اختصّ الله سبحانه وتعالى بهذا الاسم وصرف عنه عباده فلم يَتسَمَّ به احد من خلقه.
وصفات الجلال أخصّ باسم الله وأصله الالاه..قال تعالى:” انما الله الاه واحد سبحان ان يكون له ولد “شهد الله انه لا الاه الاهو والملائكة وأولو العلم”[آل عمران:18]
وقال الرسول:ُبني الاسلام على خمس شهادة ان لا الاه الا الله…متفق عليه.(4)
تقول الشاعرة”: نظلّ نعلّم العاشقين
سرّ الاسرار.
تيجانا مكللة وأقباسا وأنوارا…
والتيجان المكللة هي كل ما يحيط بالرأس ويضعها الملك على رأسه فتضيءلانها مرصّعة باللآلئ المضيئة.
ان هذه المدرسة ستعلّم نور الله المتمثل في عظمته وجلاله وهذا المعنى يتناصّ مع الآية القرآنية:(سورة النور الآية 35 “الله نور السماوات والارض”)
قال الشيخ الشعراوي(5)”وسورة النور جاءت لتحمل نور المعنويات ونور القيم ونور التعامل ونور الاخلاق ونور الادارة والتصرّف. وما دام الله تعالى وضع لنا هذا النور فلا يصحّ للبشر ان يضعوا لانفسهم قوانين أخرى كما قال تعالى(ومن لم يجعل الله نورا فما له من نور(النور:40)
هل الشاعرة تريد ان يتعلّم العاشقون في هذه المدرسة كل ما جاء بسورة النور من ان صلاح المجتمع يبتدئ من بيوت العبادة ورأس العبادة هي الصلاة التي هي طهارة القلوب والمجتمع الصالح ما قام الا على طهارة النفوس؟.
ان تلك التيجان المكلّلة والاقباس والانوار كلها ذكريات للروح تغذّيها وتنيرها .
انها نعم الله التي “لا تحصى ولاتعدّ” والمعنى يتناصّ مع قوله تعالى[ في سورة النحل18]
“وان تعدّوا نعمة الله لا تُحصُوها ان الله لغفور رحيم”.
فبالرغم من ان الكون كلّه يُقرّ ويعترفُ بأنّ نعم الله لا تعدّ ولاتحصى فان الانسان وحده
يقابل هذه الحقيقة الثابتة بالجحود والكفران.
واعترافا منها بنعم الله فان الشاعرة تستسمح الله ان هي تاهت او انحرفت عن الطريق المستقيم .انها تطلب الغفران ان هي زلّت فتقول:” أستسمحك عذرا حينما…أتوه للحظة اوتلاشي”…..انها “مخمورة حتى الوجد”في “سرّ الأسرار” وهو اسم الله الاعظم وهويتجلّى في جلاله وعظمته في خلق الخلق.
انها تطلب السماح والغفران وهي مخمورة ومُنْتشية على ثراه والثرى مرتبط دائما بالثريا والمثل القائل:”شتّان بين الثرى والثريا” وهذه العبارة تقال عند المقارنة بين أمرين او شخصين لا تربط بينهما أية صفة مشتركة وتأتي تلك العبارة لتؤكد بعد المسافة في عمل
مقارنة لاستحالته كبعد نجوم السماء والتي يقال لها مجازا في تلك المقارنة(الثريا)
في الاشارة الى العلوّ و السموّ والعظمة.
وهل أكثر من عظمة الله في ثنائية الخالق والمخلوق؟
انها ثنائية الفاعل و المفعول به انها ثنائية القويّ والضعيف…انها ثنائية العابد والمعبود.
وهل أكثر عبادة من أنها مخمورة على ثراه فتقول:”اني على ثراك…مخمورة حتى الوجد”؟
و الوجد في الحب هو ثاني درجات الحب بعد الشغف (عشرة درجات في الحب ) ومعنى الوجد في الحبّ هوالحبّ الشديد الذي ارتقى عند هذه العاشقة (بوصف نفسها مخمورة) الى الحب الصوفي والشاعرة تتناصّ في ذلك مع الشاعر الصوفي ابن الفارض حين يقول: شربْنا على ذكر الحبيب مُدامة///سكرنا بها من قبل ان يُخلق الكرمُ.
ويرى ابن عربي الصوفي في كتابه “فصوص الحكم”(6) ان الحبّ في أصله هو “من باب حنين الكل الى جزئه وحنين الشيء الى نفسه”فالمرأة تحنّ للرجل لأنه أصلها والرجل يحنّ للمرأة لأنها مشتقّة منه”هو الذي خلقكم من نفس واحدة”
وبهذا يكون الفعل الجنسي هو أعلى درجات الكمال والذوبان للعودة الى الأصل الواحد بينهما وهو الاصل الانساني المجرّد من الذكورية والانوثية.
ان المراة هي الجمال الذي يستدلّ به ابن عربي على الجمال المطلق وهو جمال الذات الالاهية…ان محبة النساء جزء من المحبة الالاهية.
وفي هذا الاطار يقول الرافعي:”لا يصحّ الحبّ بين اثنين الاّ اذا أمكن ان يقول أحدهما للآخر: يا أنا” انه اتحاد وتماه .
ا”نها تهفو اليه وتناديه…”والمناداة عادة لطلب الاغاثة…انها عاجزة بدونه
انه غيثها النافع الذي قال فيه الله”وجعلنا من الماء كل شيء حيّ”
والحبيب هو الما ء الذي يحْييها فتقول:”وبعينيك أمطاري “..وأكثر تقول” وبمحرابك وعد قراري”
انها تضفي على حبّه قدسية لتجعل حبّه عبادة ولتجعله قدرها المحْتوم.
دواعي مذهب الشاعرة في الحبّ
ان استخدام الشاعرة لمعجمية روحية(سر الاسرار/وحي لروحي/ أقباسا وأنوارا/الروح/وعى/الوجد/ بمحرابك..) واستنادها الى مرجعية دينية تحيل في كل مرّة
الى آيات قرآنية .
كلّ هذا حدّد مذهبها في الحب…انه مزيج من الحب الروحي والحب الصوفي والحب الالاهي وهذا المذهب في الحب يجمعها بحبيبها.
ترى لما ذهبت هذا المذهب الروحاني في الحب؟
– هل لان الانسان ناكرٌ وجاحدٌ لحقيقة نعم الله عليه فارادت ان تؤسّس مدرسة لتعلّمه سرّ الاسرار؟
– هل لانها ترى في حبّ الحبيبة لحبيبها كمال فتتحدُ معه وتقترب من حبّ الله؟
– هل ان الحبّ الجسدي لا يعني لها شيئا وان الروح هي جوهر الحبّ؟
– هل ان الحبيب هو معبودها وان حبّه عبادة لانه يجسّد عبادة الله”؟
الخاتمة:
ان الشاعرة الهام عيسى باستخدام معجمية روحية ورسم مشهدية روحانية وتَوْقها
لتأسيس مدرسة للعاشقين في سرّ الاسرار كل هذا طبع حبها بمزيج من الحب الروحي والحب الصوفي والحب الالاهي…سلم قاربُها في الحبّ لتعبر عبورا جميلا في شواطئ الحياة..
بتاريخ 23/01/2024
المراجع:
https://www.islamweb.net>fatwa(1)
https://www.aljazeera.net>blogs(2)

​​
https://ar.m.xn--wikipdia-f1a.org/>wiki(3)
​https://www.islamweb.net>fatwa(4)
​ https://www.islamweb.net>article(5)
https://raseef22.net>article>(6)
====القصيدة=====
سر الاسرار ا======== الهام عيسى===
كلما ارتدي معطفي .. اعلم انك معي
أرتلك خيمة وحي لروحي و مدادا لقلمي ..
ونظل نصطبغ معا بلون البعد
محطات عبور..جسورا نخوض غمارها
لا نملّ..لا نكلّ…
نجد او لانجد..
نظل نعلّم العاشقين
سرّ الاسرار.
تيجانا مكللةوأقباسل وأنوارا..
ذكرى الوح لمن وعى..
ذكريات لا تحصى ولا تعدّ..
أستسمحك عذرا حينما
أتوه للحظة او تلاشى…
ليكن ما يكون..
اني على ثراك..
مخمورة حدّ الوجد…
أهفو اليك..منادية.
وبعينيك أمطاري…
وبمحرابك وعد قراري.