قراءة نقدية وفق مقاربة سيميائية
ل:قصيدة:”وبسمة…”
الشاعر :حمد حاجي
الناقدة: جليلة المازني
المقدمة:
ان الشاعر حمد حاجي الذي قدم لنا سابقا نموذجا لمعلمة غير مبالية بمشاعر المغرم بها ها هو اليوم يقترح علينا نموذجا آخر لمعلمة تتصرّف مع المغرم بها بطريقة مختلفة .
ترى أي نموذج هي هذه المعلمة في علاقة مع المغرم بها؟؟؟
قراءة نقدية وفق مقاربة سيميائية:
استهل الشاعرقصيدته بجملة اسمية مبدوءة بواو الاستئناف أو واو الابتداء وهي جملة استئنافية لا محلّ لها من الاعراب ولعل الشاعر لم يستهلّ بها القصيدة اعتباطا بل قد نقف على دلالتها في آخر القصيدة.
اراد الشاعر ان يخبرنا عن المعلمة بسمة التي تحسبه احد اطفالها وتلاميذها بتعليماتها وطلب الاستقامة الواجبة عليه.وهي في المقابل تريد ان تظهر استقامتها
اختار لهذه المعلمة اسم “بسمة” حاسبا انها ستدخل عليه الفرح والبسمة لكنها حسبته بعض أطفالها وحين قال “وبسمة تحسبني بعض أطفالها”..انها نبرة تهكّم منها لأنها عاملته معاملة بعض أطفالها واستهانت بحبه .
وحين اعتبرته طفلا فقد جرّدته من “رجولته” وأنكرت عليه نضجه واستهانت بجدّيته.
لقد شبّه قلبه وهو كناية عن حبّه بلعبة يقول”وقلبي كأنّه لعبة بين يديها”.
واللعبة عادة يلعب بها الطفل فتكون مصدر سعادته ولمّا يملّها قد يلقيها جانبا ويتخلى
عنها وقد يكسّرها ليتخلص منها ويبحث عن لعبة جديدة.
والطفل يتلاعب بمشاعر ابويه لتوفير لعبة جديدة.
هل انّ هذه المعلمة تتلاعب بمشاعر هذا المغرم بها ؟ هل الحب لعبة بين يديها؟
يقول الشاعر:وقلبي كأنه لعبة في يديها
تبعثره حين ينتهي الزهو والطرب
ان الشاعر يستخدم مقابلة معنوية بين اهتمام المعلمة بهذا المغرم وعدم الاهتمام به .
انها تلاعبه وتتلاعب به ..انها يحلولها ان تنخرط معه في لعبة الحب كما يحلو لها ان تبعثر هذه اللعبة.انها معلمة مزاجية.
انها تلعب معه ويلعب معها واللعب يقتضي الربح والخسارة.
انها تبعثر هذه اللعبة التي هي مشبّه بها لقلبه وفق مزاجها فيتحول اللعب معه الى ضرب وقرص وعقوبة…يقول الشاعر:
فضرب بمسطرة باطن الكفّ…
قرص على وجنة والعقوبة لا لعبُ…
ان الشاعر استخدم اسلوبا بلاغيا بليغا حين قال:”باطن الكفّ” انه مركب اضافي جمع بين الكناية والتورية .انه استعمل الكفّ كناية عن القلب واستعمل” باطن” وهو معنى قريب لا يقصده الشاعر …ان الشاعر يقصد معنى بعيدا وهو “باطن القلب ”
ويطلق (اصطلاحا) باطن القلب على التجْويفيْن السُفلييْن اللذيْن يجتمع بهما الدم ثم يدفع في الشرايين وهذا ما يعبّر عنه بالبُطيْن الأيمن والبطيْن الأيسر بلغة العلوم الفيزيائية.
وبالتالي فان ضرب المعلمة سينال من قلبه ويسبب له وَجَعًا بحجم وجع القلب الذي يُفْرَغ
من دمه لان فقدان الدم بالجسم يعادل الموت .
انه ضرب مادّي لا يقصده الشاعر بل يقصد الضرب المعنويّ في القلب والقلب هو الحياة بالنسبة لجسم الانسان.
انه الموت حين تحرمه من اللعب معها وملاعبتها كمغرم بها فيقول:. “والعقوبة لا لعب..”
انها تحذّره من اللعب بل تنهاه عن اللعب وكأنّ لسان حالها يقول :لا تلْعبْ. والنهْيُ يعني طلب الكفّ عن شيء ويقابله الامر(لا تفعلْ كذا /افْعلْ كذا )
وأكثر من ذلك ان هذه المعلمة لا تنهاه فحسب بل تأمره انها المعلمة الناهية الآمرة بتعليماتها
والشاعر بذلك يرسم لنا ملامح المعلمة القاسية.
لقد استخدم الشاعرصيغة الامر ليجعل المعلمة تعطي تعليماتها بأمره للخروج والنجاة بجلده يقول:”أيا طفل خذ الدرب وانج بجلدك”
انها تأمره باعتباره طفلا وهي لهجة تهكّم وسخرية منه واكثر من ذلك فيها تهديد ووعيد
حين تأمره قائلة:”وانج بجلدك”وكأن لسان حالها يقول :ان لم تنج بجلدك سيصيبك مني
ما تكره لكن الشاعر جعلها تستدرك لينتشلها من عُنفها عليه فجعلها تأمرُه بالنجاة بجلده
لأنّ “الحب داء وأدواؤه الفرّ والهرب.
انها تضعُه بين أمريْن أحلاهما مُرّ.
ان الشاعر استعمل الطباق اللفظي(داء/أدواء) للتعبير عن مقابلة معنوية ترتقي الى معادلة
صعبة ان لم تكن مستحيلة بالنسبة للمغرم .
انه اختيار بين الحبّ أواللاحب وأكثر من ذلك انه اختيار بين الموت أوالحياة.
وهذا المعنى يتناصّ مع بيت لأبي فراس الحمداني وهو في الأسْر حين نصحه اصحابه بالفرار فقال:..”وقال أصيْحابي الفرارُ أم الرّدى// فقلتُ هما أمْران أحلاهُما مُرّ ..
وبالتالي:- هل صاحبنا المغرم الذي هو أسيرٌ في حبّ هذه المعلمة هل سيختار الحبّ او اللاحب؟ هل هو قادر على ذلك؟
– هل ان صاحبنا المغرم سيختار الموت باعتبار الحب داء ام يختار الحياة باستعمال دواء الهرب وقد يستعصي عنه هذا الدواء لانه لا يريد ان يفرّط في حبّه ويهرب؟ .
– هل ان الجملة الاستئنافية التي لا محل لها من الاعراب والتي استهلّ بها الشاعر القصيدة قد عكست معناها السلبي لتجعل تجربته في الحب فاشلة لا محلّ لها من الوجود؟
– هل ان صاحبنا المغرم قد يفكر في حلّ آخر فيكون قفلة مدهشة للقصيدة ومفارقة عجيبة؟ان هذا المغرم قد لا يستسلم بسهولة.
الخاتمة: ان الشاعر حمد حاجي وبأسلوب بليغ بامتياز استطاع ان يصوّر لنا نموذجا لمعلمة مزاجية آمرة وناهية وقاسية في علاقتها بالمغرم بها بيْد ان هذا المغرم أسير حبّها قد لا يستسلم وقد لاينهزم وقد يفكر في حلّ انتصارا لحبّه.
بتاريخ 24/01/2024
وبسمة تَحسَبُني بعضَ أطفالها حيث تطلبني أستقيم كما يجبُ
وقلبي كأنَّه لعبة في يديها تُبَعثره حينما ينتهي الزهوّ والطربُ
فضرب بمسطرة باطن الكف.. قرصٌ على وجنةِ والعقوبة لا لعبُ…!
أيا طفلُ خُذِ الدرب وانجُ بجلدك فالحب داءٌ وأدواؤه الفرّ والهربُ!
Discussion about this post