في مثل هذا اليوم 31 يناير1867م..
الزعيم الماروني يوسف بك كرم يغادر لبنان على متن بارجة فرنسية إلى الجزائر إثر رفضه بروتوكول 1861 الذي أسس لمتصرفية جبل لبنان وكان أول شاغلي المنصب رغم اعتراض المملكة المتحدة.
في يوم 31 يناير1867م..
الزعيم الماروني يوسف بك كرم يغادر لبنان على متن بارجة فرنسية إلى الجزائر إثر رفضه بروتوكول 1861 الذي أسس لمتصرفية جبل لبنان وكان أول شاغلي المنصب رغم اعتراض المملكة المتحدة…
بروتوكول 1861 هو اتفاقية بين سكان لبنان وقعه المسيحيون والدروز بإشراف العثمانيين ليؤسس لمتصرفية جبل لبنان التي قامت على أنقاض القائمقاميتين. ويعتبر بعض المؤرخين أن هذا البروتوكول أعطى الدول الأوروبية دور مباشر في التدخل في الوضع اللبناني، ففرنسا أصبحت ترعى الطائفة المارونية، وروسيا القيصرية رعت الطائفة الأرثوذكسية، والنمسا اهتمت بالطائفة الكاثوليكية، وإنجلترا بالدروز بينما العثمانيون رعوا مصالح الطائفتين السنية والشيعية.
بعد المَجازر التي حلت بالموارنة في قائمقامية الدروز في العام 1860، تدخـل الفرنسيون عسكريًا لوضع حد للنزاع. وعقد في بيروت مؤتمر لممثلي القوى الأوروبية لإعادة تنظيم جبل لبنان كـكيان سياسي ذو وضع خاص داخل النظام العثماني. وفي 9 يونيو 1861 أقر أعضاء اللجنة النظام الجديد للبنان وجرى التوقيع على الاتفاق في الأستانة فيما عرف بالنظام الأساسي. وبناء عليه أصبح لبنان سنجقًا عثمانيًا ذو استقلال داخلي بضمانة الدول الموقعة على هذا النظام.
هو يوسف بن بطرس بن يوسف بن فرنسيس كرم الاهدني ولد في إهدن بأواسط شهر أيار سنة 1823. والده الشيخ بطرس كرم، شيخ اقطاعة إهدن. والدته مريم ابنة الشيخ انطانيوس ابي خطار العينطوريني. شب وترعرع في بيت كريم وبين هضاب اهدن الجميلة وجبالها الرائعة. كان والده من أعظم اللبنانيين جاهاً وأجلهم مقاماً وأصدقهم وطنية وأكرمهم يداً.
تعلم مبادئ اللغتين السريانية والعربية، كما درس مبادئ الصرف والنحو، وتعلم الإيطالية والفرنسية. ولم يكتف بذلك بل عمل على تطوير ثقافته حتى أصبح ملمًا بأمور متنوعة منها الدينية والأدبية والعلمية والتاريخية وحتى الإدارية، كما تعلم الفروسية على يد الشيخ عماد الهاشم العاقوري. واللافت أن كرم عاش حياة التقوى منذ صغره فلم ينقطع يومًا عن ممارسة فروضه الدينية وكان يصلي الصلوات في أوقاتها في كل الظروف والأحوال ويحضر القداس في الصباح الباكر وهو ساجد يصلي المسبحة. وقد حرص على أن يحمل في عنقه ذخيرة عود الصليب المقدس. هكذا ومنذ نشأته، استند كرم إلى فروسية مميزة وثقافة رفيعة وإيمانًا راسخ، فكان أن شب كرجل دين وإيمان واستقامة وفكر وقلم بدرجة فاقت في كثير من الأحيان كونه رجل سيف وسياسة بمعناها التقليدي.
عام 1845، وهو في سن 23، حصلت معه حادثة تدل على شهامته وشجاعته وإيمانه. فقد تصدى كرم لعسكر الدولة العثمانية الذي أراد نزع سلاح الأهالي في الشمال بالقوة وألحق به شر هزيمة، وغنم منه كمية كبيرة من السلاح والذخائر، فوضعت الدولة مكافأة قيمة لمن يأتي بكرم حيًا أو ميتاً. فلما علم كرم بذلك، قام ونزل بنفسه إلى طرابلس ودخل مقر القائد العثماني. ووسط ذهول القائد، وقف كرم يعرف عن نفسه قائلا : “بلغني أن دولتك وضعت جائزة لمن يأتيك برأسي أو يأتي بي إليك حيًا، فها أنا بين يديك فافعل ما تشاء على أن تأمر بتوزيع الجائزة على الفقراء. فسأله القائد: “ما الذي دفعك إلى العصيان؟” رد كرم: “علمت أن العسكر قادم إلينا لجمع السلاح بالقوة القاهرة، وإنه سيفعل ببلدي ما قام به بغير أماكن من البلد حيث اعتدى على الأهالي وعاملهم بوحشية وأهان الكهنة والكنائس. فحملني حب بلدي وشعبي والنفور من الجور والظلم على أن أفعل ما فعلت. “عندها أعجب القائد بجرأة كرم وحرية ضميره وقرر العفو عنه وصرفه مكرمًا.
في 8 كانون الأول عام 1845، بادر كرم إلى تأسيس أخوية الحبل بلا دنس التي حظيت بمباركة البطريرك ودعم الأهالي. واختار كرم شعار الأخوية القائل: “فليكن مباركا الحبل بسيدتنا مريم العذراء البريئة من دنس الخطيئة الأصلية.” وقد حرص كرم على إعداد الرياضات الروحية واهتم بإبطال العادات المستهجنة ومنع الملابس غير المحتشمة وخاصة لدى دخول الكنيسة.
في 15 مارس 1857، وكله أهالي إهدن وقسم من أهالي الجبة ليصبح حاكما على المنطقة بصلاحيات إدارية وقضائية وعسكرية واسعة.
شهرته:
في العام 1860، عين وكيل قائم قامية النصارى في جبل لبنان.
خاض معارك عديدة ضد العسكر العثماني من أبرزها معركة بنشعي الكبيرة التي هزم بها كرم ورجاله جحافل الجيش العثماني، ومعركة سبعل وغيرها من المعارك التي انتصر فيها كلها كرم ورجاله.
في شباط 1866، وافق كرم مرغما على نفيه الثاني من لبنان وذلك ليجنب رجاله وأهله المزيد من المعارك والدماء والدمار. حينها قال للجماهير التي أبت أن يرحل عبارته الشهيرة: “فلأضح أنا وليعش لبنان”.
قام العثمانيين بترحيل يوسف كرم ونفيه خارج البلاد فقام الفرنسيون بترحيله الى الجزائر على بارجة فرنسية ومنها سافر الى اوروبا
وفاته:
في أواخر أيامه، أنشأ كرم جمعية دينية على اسم القديس يوسف هدفت إلى نشر تعاليم الله والكنيسة وإلى مساعدة الفقراء والمحتاجين وتعليم الأحداث والعناية بالمرضى. وكان مركزها في دير مار يوسف عبرا، بين زغرتا وإهدن.
توفي كرم في نابولي، في إيطاليا، في 7 نيسان 1889.!!!