أستاذة إبليس
بقلم :ماهر اللطيف
لم تعد لجين قادرة على تحمل عنف زوجها وبطشه المتواصل واهانته لها وسبها وشتمها والتنكيل بها وانتهاج سياسة هجر الفراش وعدم الاكتراث بها والسهر خارج المنزل إلى ساعة متأخرة جدا كلما تخاصما لأي سبب من الأسباب….
ولم تعد قادرة أيضا على تقبل لوم أهلها ومعاتبتهم واجبارها على الالتحاق فورا بمنزل الزوجية وقطع فترة الغضب هذه والفرار إلى العائلة للاحتماء بها ضد الزوج، وخاصة والدها الذي لم ينصفها مرة ولم يسمعها ويحس بها وبالامها وجراحها التي لن تندمل أبدا مادامت على هذه الأرض…
كما انها كرهت هذه الحياة ومنسوب الفشل هذا الذي يلاحقها حيثما حلت من كل شخص تتقاطع وتتعامل معه منذ الولادة إلى أن استعمرها الاحباط ونال منها الهلع والخوف والخنوع والاستسلام، وبات الدمع رفيقها الازلي وصديقها الوفي الذي لا يغدر ولا يخون ولا يهرب، واستعمرها الوهن وسكن في عدة أجزاء من جسدها حتى باتت مخبر تجارب لعدة أطباء وصيادلة وممرضين وغيرهم من الأسلاك الطبية…
لذلك، قررت وضع حد لهذه المأساة والتمرد على العادات والتقاليد والأعراف الجارية وغيرها بعد الاستنجاد بعديد الصديقات والجمعيات والمنظمات النسائية وبعض المحامين والمحاميات وكل من يستطيع عونها مباشرة أو عبر منصات التواصل الاجتماعي التي بات مرجعا رئيسيا من مراجع الوجود والاستمرارية على وجه البسيطة.
فاستغلت أول شجار وقع بينها وبين بعلها لتؤجج الأوضاع وتوصلها إلى الشتم والضرب واللكم والركل والتفوه ببذيء الكلام من طرف شريك حياتها وهي تصيح وتبكي وتطلب النجدة عسى الجيران ينقذونها ويشهدون على هذا المشهد المذل غدا أمام القضاء وتتمكن بالتالي من ادانته وكسر شوكته وشوكة أهلها الذين باتت تحسهم متواطئين مع منير زوجها.
لكن لا أحد قدم أو تجرأ على الاقتراب من المنزل بعد أن سمع المتعاطفين معها قبلا ما يكرهون من طرفهما في عدة مناسبات وصلت إلى السب والشتم والطرد وحتى رفع الأمر إلى السلط الأمنية مرة…
فانتقلت إلى المرحلة الثانية وغادرت محل الزوجية بعد أن حملت أدباشنا – كالعادة- وعبأت حقائبها بمتاعها واتجهت صوب منزل والديها لتقضي بعض الوقت هناك وتنفذ خطتها الجهنمية على أكمل وجه هذه المرة لتثأر لنفسها من الجميع.
فصدها الأهل في البداية ولم يرحبوا بها وقال لها الأب حرفيا “اشكري الله َاحمديه أن الرجل بارك الله فيه وجازاه خيرا لم يطلقك وحافظ عليك رغم انك عاقر ومتعددة العاهات والأمراض…” وقالت أمها “لا بيت للمرأة غير بيت زوجها مهما حصل، فالرجل رجل والمرأة مرأة بنيتي…” ،في حين قال عبد العزيز أخوها “منير رجل تقي وصادق وأمين، لا تسمع منه غير شدي الكلام وحلوه، العيب فيك أختاه “، لكنها كانت تبادلهم البسمات وهي تحاول التكلم لكنهم لا يتركون لها المجال حتى استطاعت في النهاية اخبارهم كذبا َافتراء أن منيرا سافر إلى الخارج في رحلة عمل لأيام معدودة وأنها خيرت البقاء معهم في هذه الفترة عوض البقاء وحدها في منزلها، وهو ما جعلهم يتقبلون الأمر ويتفهمونه – وكانت متأكدة ان منيرا لن يتصل بهم كالعادة كلما غضبت لتاكده من رجوعها بسرعة دون قيد أو شرط-.
وبعد سويعات قليلة، قررت تنفيذ ما خلد بذهنها واستقر رأيها عليه لحسم الأمر نهائيا وتحقيق مأربها أو والخنوع والاستسلام والرضوخ إلى الواقع متطلباته المريرة التي لن تتركها إلا حين تقضي عليها مرة واحدة، فولجت بيت أختها “توأم روحها” و “صندوق أسرارها” بيلسان وجلست بجوارها لتشهدها على كل شيء و تتقوى بها حين ترجعها إلى الجادة كلما حادت عن الطريق.
في الأثناء وهي تبوّب خطتها وترتب أفكارها وتجهز نفسها للتحرك والقيام بهجوم معاكس على منير “قاهرها” بمساعدة بيلسان التي قالت لها حين علمت بخفايا “المصيدة” والمكيدة “ادعوي الشيطان ليتعلم منك الخبث والمكر والخداع، ناديه ليفقه ما غاب عنه” وهي تقهقه، تذكرت كيف تعرفت عليه ذات يوم حين التقيا صدفة في الحافلة وهما في طريقهما إلى عملهما – حين كانت تعمل قبل الزواج- المتقاربان جغرافيا، متى دهسها بنعله على أصابع رجلها الناعمة دون قصد فصاحت في وجهه وسخطت ووصفته ب “الحيوان” وغيرها من الصفات البشعة، وكاد الأمر يتطور حينها لمّا همّ على ضربها والنيل منها ومن لسانها القذر لولا تدخل الحضور وفك الإشكال.
ومن يومها باتا يتبادلان النظرات وقسمات الوجه الحاقدة المليئة الكراهية والحقد الدفين وكل منهما يريد القصاص والفتك بالطرف الآخر لولا حرمة المكان وكبرياء الشخصية والتظاهر بالانفة وغيرها من المظاهر الخادعة.
ومع مرور الأيام تغير الحقد والكراهية وحب الانتقام إلى تبادل للبسمات، فالتحايا و تقاسم بعض الكلمات، إلى إعجاب وتقرب وحب وخطبة َزواج واتفاق بين الطرفين ينص بأن يعمل منير خارج المنزل فيما تعمل لجين داخله عملا كاملا ومتقنا يسهم في بناء أسرة متماسكة ومتكاملة على أسس سميكة وصحيحة، وبذلك صدق القول المعروف “ما محبة الا بعد عداوة”.
ثم استفاقت فجأة وابتسمت بسمة عابرة مليئة بالحسرة والندم والألم، وشرعت في تنفيذ الخطة، ففتحت هاتفها الجوال وبحثت عن “ميسنجر” زوجها لتخط له ما يلي”:
– هل أنت هنا حبيبي؟ اشتقت إليك صدقا ولم أعد احتمل فراقك رغم كل شيء
– (بعد فترة من الزمن) هل تمزحين؟ ما هذا الهراء؟
– (بعد أن ضحكت من أعماق قلبها وهي تتوعد وتسب وتشتم واختها تضحك) لا أمزح حبيبي، بل إني اصدقك القول،ويمكنك التأكد من ذلك حين تأتيني بعد حين لنعود سويا إلى عش زوجيتنا ليخبرك والدي والبقية اني قلت لهم انك سافرت في رحلة عمل ولم اخبرهم انك اشبعتني ركلا ولكما وضربا وسبا وشتما واهانة ككل مرة،لم أبلغهم أنك شتمتهم ووصفتهم بصفات بشعة وقلت عنهم ما لايقال حتى بين الأصدقاء
– (ولاتزال تكتب مما جعلها تفسخ ما شرعت في كتابته) شكرا حبيبتي من كل قلبي، لكني فعلت هذا ككل مرة بعد أن استحال الحوار معك وبات التواصل بيننا غير مجد، فلم يبق لي غير الضرب والشتم والسب.
-(بعد أن سارعت بنسخ الحوار وتصويره وحفظه وهي تقهقه وتصافح أختها وهي تقول بصوت عال “وقع الأبله في الفخ واعطاني دليل ادانته”) نلتقي في المحكمة أيها الغبي، شكرا لأنك اهديني ما بحثت عنه من مدة. آه قبل أن تتسرع وتغلط مجددا، لا تحاول فسخ المحادثة ومحوها، فقد صورتها ونسختها وستجدها إن شاء الله في المحكمة.
وبالفعل، فقد نالت لجين مبتغاها وثأرت لنفسها وقلبت موازين القوى لصفها وباتت محبوبة العائلة وكل من يعرفها، قبل أن تعود من جديد إلى عملها وتصنع لنفسها حياة أخرى وجدت من خلالها توازنها واستقرارها وصحتها التي استقرت حيث هي ولم تتعقد أكثر، وصدق بالتالي قوله تعالى ” إن كيدهن عظيم”.