( ثنائية الحب والحرب في رواية أسرى غرف الضباب )
بقلم : الكاتب والصحافي حامد الزيادي
لا زالت الأزمات في بلداننا العربية تُلهم الأدباء لتُترجم إلى روايات توثق تأريخ الظلم الإنساني والقهر الاجتماعي والتسلط الأيديولوجي الأعمى .
جاء على غلاف الكتاب:
(( سمعنا دوي طلقات الرصاص بشكل عشوائي كثيف من الجانب التركي، جحيمٌ بَدا في الفراغ مع وقع أقدام السوريين وهم يفرون باتجاهنا، دَب الرعب في قلوبنا وعلت أصوات الأطفال بالبكاء وعمَّت الفوضى، انبطح الكل على بطنه تفاديا للرصاص، ومنا من احتمى بصخرة، ومنا من احتمى بجثة سقطت للتو، الكل يَسحقُ بطريقهِ مَن يعترضُه فرارا من القتل، تلك العشوائية جعلت الناس يفقدون ذويهم في الظلام، فطفل يبكي فقْدَ أمِّهِ، وأمٌّ تبكي لضياع طفلها، وزوج نذل فرّ بعيدا عن زوجته وأطفالِه كي ينجو بنفسه، وكأنه مشهد مصغر من مشاهد القيامة والكل يقول حينها: نفسي، نفسي. أقبل نحوي طفل يبلغ من العمر نحو سبع سنوات يبكي ويتمسك ببنطالي ويقول: عمو كرمال الله خِدني معك. كان قد فقَد أمه هو الآخر، لا يعرف هل قُتلت أم تاهت وسط الظلام؟ أخذتُه على صدري وجريتُ به حيث دلّنا المهرب))
اليوم وبعد طول أنتظار وترقب وشغف صدرت ” رواية أسرى غرف الضباب ” التي نقلت لنا أحداث وتجارب ومأساة إنسانية مريرة وغريبة كانت بلاد الشام قطبها والبلدان المحيطة ممراتها ومحطاتها لتكون شاهدة على الازمة التي لازالت تُلقي بظلالها على المنطقة والعالم، ودوامة الصراع فيها تلتهم من حولها البعيد والقريب، وهذه الأزمة التي خاض غمارها بطل الرواية المفكر العراقي ” فرقد الأغا ” والتي وثقت أهم المحطات من حياته وقد شهد بدايات الأزمة وعاصر فصولها الأولى وأصبح شاهد إثبات على عدد من صفحاتها المؤلمة والمحزنة التي دونت على جدار الزمن، وكيف صارع الموت وصور من الواقع المؤلم التي حدثت معه في البلدان التي جال فيها وكيف نقل لنا وحشية السجون وعنصرية الجندرمة التركي وكيف صور لنا الضباب الفكري والتعصب الأعمى والتطرف الذي أجج الصراع الطائفي، فقد سعى بطل الرواية لغرس بذور الوسطية والاعتدال ونبذ الطائفية والاقتتال من خلال مسيرته الفكرية والإنسانية و توثيقها ضمن مقالات وبحوث ومواقف تاريخية . وقد أراد أن يُنهي فصول السجون السرية التي رافقت حياته من زنازين النظام البائد إلى معتقلات الاحتلال ومن ثم مقارعة حقبة الطائفية والظلامية المشوهة، هاجر ينشد الحبيبة مُغامراً بحياته في مناطق خارجة عن السيطرة تعشعش بها جماعات التشدد الفكري والعقائدي حتى يصل للمحبوبة، لتبدأ رحلة العودة عبر محطات الموت التي وثقتها الرواية وقرر أن يكون بطلها، لم يكتفِ بحفظ ما حصل معه في سجل ذكرياته بل قص فصولها لرفيق دربه الروائي المصري “محمد إسماعيل” الكاتب الإنساني الذي دمج الفكر بالرواية العربية بأسلوبه المميز و التجريب الواضح والذي نجح في سردها وصياغتها بشكل أحترافي مُثير ولافت و أستطاع بأسلوبه المميز أتاحة الفرصة للترحال والتفاعل مع الرواية ومعرفة أسرارها والمحطات المؤلمة والجميلة لتكون في متناول من يهتم بالأزمة ويسعى أن تكون مادة درامية و تراجيديا تصلح أن تكون فلماً أو مسلسلاً أو عملاً مسرحياً كبيراً. تأثرنا بالمشاهد والشواهد التي وردت في الرواية من علاجات ناجعة لآفة التعصب والتطرف وناقشت أمور ماسة وحساسة تعيشها المنطقة في القرن الحادي والعشرين لكي تبقى عالقة في الاذهان ممتعة للوجدان لتصبح وثيقة تاريخية وتحفة أدبية تُخلد أزمة إنسانية أفرزت معها فصول من المعاناة والآثار عن صفحات البؤس والقهر والاستبداد والإهمال لتُثير هواجسنا، فنتوقف مع من تحمل الألم وعاش فصول القصة ونستوقف من يتحمل المسؤولية حتى نُعيد ضبط الوقت من جديد ونجدول سيرة الأحداث عبر فصول الرواية التي تتنقل بنا على طريق الهجرة والقتل والسبي والمعتقلات والتغييب القسري والتعصب الفكري، هكذا نقرأ رواية ( أسرى غرف الضباب ) التي صدرت حديثاً عن دار الملاك في دهوك /العراق، وقد صدر العديد من الأعمال الروائية للكاتب الروائي المصري محمد إسماعيل منها:
رواية عزبة الخواجة
رواية ذوات مهملة
رواية طاحونة النمل
رواية أسرى غرف الضباب
كما نشر العديد من الروايات الأخرى والقصص بمصر والجزائر و العراق، وكتب عنه العديد من الصحفيين والنقاد بمصر وغيرها، والذي سبق لنا وقد أجرينا معه لقاءً صحافياً في جريدة الأضواء .