فى مثل هذا اليوم 15 فبراير1999م..
قوات كوماندوس تركية تلقي القبض في كينيا على زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان المطالب بالانفصال عن تركيا.
بدا زعيم المتمردين الاكراد عبد الله أوجلان مستسلما وحائرا عندما خطفته قوات كوماندوس تركية من نيروبي وأعادته جوا إلى أنقرة ومثل أمامه شبح حبل المشنقة. لكن بعد عقد من الزمان ومن سجنه في جزيرة إمرالي يبدو أنه يلقى الان أذنا صاغية من الحكومة التركية التي تحرص على انهاء صراع مدمر.
كانت عودة أوجلان الى الاضواء مستبعدة. فهو ملعون في معظم انحاء تركيا لكن القوميين الأكراد يبدون ولاء كبيرا له وهو مسجون في عزلة فعلية بجزيرة إمرالي القاحلة التي تقع على بعد 50 كيلومترا جنوبي اسطنبول منذ إلقاء القبض عليه عام 1999 .
حتى محاموه لم يلتقوا به منذ 15 شهرا.
لكن بعد الصيف الأكثر دموية في صراع تركيا مع المتمردين الأكراد ومع وجود مخاوف من انتشار التمرد الكردي في سوريا المجاورة الى الاراضي التركية يخرج أوجلان من عزلته الفعلية في إمرالي.
وحين أصبح مئات المتمردين الأكراد الذين بدأوا إضرابا عن الطعام في سجون تركيا على شفا الموت هذا الشهر لجأت السلطات التركية إلى أوجلان الرجل الذي وصفته الصحف التركية وقت اعتقاله بأنه “جزار” “وقاتل الأطفال.”
وانصاع المضربون على الفور الى أمر أوجلان بعد ان نقل شقيقه رسالة منه دعا فيها لانهاء الإضراب وهو ما كشف بوضوح نفوذ الزعيم الكردي الذي افترض البعض أنه تلاشى بفعل سنوات نفيه في إمرالي.
وقال محمد علي بيراند وهو صحفي تركي التقى بأوجلان مرتين في لبنان وسوريا في الثمانينيات من القرن الماضي “أثبت أنه ما زال القائد وأن كلمته هي القول الفصل.”
وأضاف “ليس مقاتلا أو خبيرا في ميليشيا الحرب وإنما العقل الذي يحاول صياغة المشكلة الكردية. يريد أن يكون زعيما لكل الأكراد هذه هي الصورة التي يقدمها.”
ستقل مسؤولون في المخابرات التركية العبارة ثلاث مرات خلال الشهرين المنصرمين لإمرالي ومهدت محادثاتهم مع أوجلان الطريق أمام مناشدته إنهاء الإضراب وفقا لما قالته صحيفة راديكال التي لم تذكر مصادرها.
ولا يحظى كثيرون في تركيا بهذا القدر من الكراهية مثل أوجلان الذي أسس حزب العمال الكردستاني وقاد الصراع المسلح من أجل إقامة وطن للأكراد في تركيا لمدة 15 عاما قبل أن يعتقل.
ويحمل كثيرون أوجلان مسؤولية مقتل أكثر من 40 ألف شخص منذ أن حمل حزب العمال الكردستاني السلاح في عام 1984 . ويصف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتركيا الحزب بأنه جماعة “إرهابية.”
وشملت حملة الحزب تفجيرات في مدن رئيسية مثل اسطنبول وأنقرة وازمير وأثارت غضبا بسبب صور توابيت الجنود القتلى. لكن معظم من قتلوا في الصراع المستمر منذ ثلاثة عقود كانوا من مقاتلي الحزب.
وقال محمد شقيق أوجلان للصحفيين بعدما زاره في محبسه “إنه بخير من الناحية النفسية. يمكنه تحليل العالم وتركيا والمنطقة بشكل جيد للغاية. لا يعاني من أي مشكلة صحية.
“إنه في حالة جيدة من الناحيتين الجسدية والنفسية.”
وسعد كثير من الأتراك كثيرا عندما جرت مطاردة أوجلان من مخبأ لآخر في الشرق الأوسط ورفض طلبه اللجوء إلى أوروبا وتم تعقبه في نهاية المطاف إلى كينيا حيث اعتقلته قوات تركية خاصة في عام 1999 . وأظهرت لقطات تلفزيونية أوجلان في ذلك الوقت مقيدا بمقعد الطائرة أثناء نقله إلى أنقرة جوا وحوله جنود ملثمون.
وبدا أوجلان في بعض الأحيان متعبا ومرتبكا أثناء حديثه مع من ألقوا القبض عليه في مطار نيروبي في إطار عملية سرية بينما كان يحاول الهروب من كينيا.
وبعد محاكمته التي نقلها التلفزيون حكم على أوجلان بالإعدام مع وقف تنفيذ الحكم وسط هتاف الحشود خارج المحكمة التي نادت بشنقه.
ولو كان قد أعدم لأصبح أول سجين يعدم في تركيا منذ 25 عاما لكن البلاد ألغت عقوبة الإعدام بعد ذلك بسنوات قليلة في إطار سلسلة من الاصلاحات التي تهدف إلى الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي الذي ما زال يراوغ في هذا الأمر.
وتم تخفيف السجن الانفرادي الذي يقبع فيه أوجلان في عام 2009 عندما نقل خمسة سجناء جدد إلى إمرالي. والتقى عدد قليل من الأشخاص بأوجلان في السنوات القليلة الماضية. ويقول محامون إنه لا يحق له استخدام الهاتف أو التلفاز وتخضع الصحف التي يطلع عليها للرقابة.
وتخلف أوجلان عن الدراسة في كلية العلوم السياسية بجامعة أنقرة وكون آراءه السياسية وسط معارك الشوارع العنيفة بين عصابات اليمين واليسار في السبعينيات من القرن الماضي وانفصل أوجلان عن اليسار ورفع شعار القومية الكردية لتأسيس حزب العمال الكردستاني في عام 1978 . وكان هدفه إقامة دولة مستقلة للأكراد الذين يعيشون في تركيا والعراق وسوريا وإيران.
ويقول من التقوا بأوجلان في الثمانينيات إنه قاد حملته من فيلات فاخرة في سوريا لا من خلال القتال في الجبهات.
وأجبر أوجلان على الفرار من سوريا في عام 1998 عندما احتشدت القوات التركية على الحدود وهددت بالتدخل. وانتقلت قاعدة حزب العمال الكردستاني إلى شمال العراق حيث تشن تركيا غارات جوية على معسكرات الحزب حتى هذا الشهر.
وفر أوجلان إلى روما قبل أن يتنقل عبر أوروبا ويبحث دون جدوى عن مأوى جديد له لينتهي به الحال في كينيا ومع إحكام الشرك حوله لجأ إلى السفارة اليونانية هناك تحت ملاحظة دقيقة من أجهزة المخابرات التركية والغربية.
ونفى رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الذي أعلن رفضه التفاوض مع المضربين الاكراد عن الطعام ووصف احتجاجهم بأنه ابتزاز يدعمه تجار الموت قطع أي وعود لأوجلان في مقابل تدخله.
وأضاف للصحفيين في طريق عودته بعد زيارة لمصر الأسبوع الماضي “لم يحدث مثل هذا الأمر.”
لكن الحكومة التركية اقترحت إمكانية إجراء المزيد من المحادثات بين وكالات المخابرات وحزب العمال الكردستاني.
ولم تكن المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني تخطر على بال أحد حتى قبل سنوات قليلة وأثبتت اتصالات جرت في الاونة الاخيرة أنها غير مجدية من الناحية السياسية. وأظهرت تسجيلات سربت العام الماضي أن مسؤولين كبار في المخابرات عقدوا اجتماعات سرية مع الحزب في أوسلو مما أدى إلى إدانة قطاعات من المعارضة القومية.
ووسعت حكومة اردوغان من حقوق الثقافة واللغة الممنوحة للأكراد الذين يمثلون نحو 20 في المئة من تعداد السكان في تركيا وهو 75 مليون نسمة منذ توليه المنصب قبل عقد وأرسل مشروع قانون للبرلمان يسمح للمتهمين باستخدام اللغة الكردية في ساحات المحاكم وكان هذا من مطالب السجناء المضربين عن الطعام.
ويطالب السياسيون الأكراد الذين دعوا إلى الافراج عن أوجلان بإصلاحات سياسية أكبر من بينها خطوات نحو الحكم الذاتي لمنطقة جنوب شرق تركيا ذات الاغلبية الكردية والتي تقع على الحدود بين سوريا والعراق وإيران.!!