الأخلاق ..
د.علي أحمد جديد
معروفٌ أن الأخلاق أو ، القِيَم الإنسانية ، هي السلوكيات التي تنظم حياة الأفراد في المجتمع على أسس سليمة من العدل والمساواة بغية التوصل إلى تحقيق سعادة البشرية ، وهو ماحثّت عليه كل الديانات السماوية السمحاء منذ (آدم) أبو البشرية عليه السلام ، وحتى ختام الرسالات السماوية التي أُنزِلَت على سيدنا محمد عليه وآله الصلاة و السلام .
وتعمل الأخلاق الإنسانية على الالتزام بالانضباط والتوازن في حياة الأفراد وتنقية نفوسهم من مشاعر الأنانية الفردية ..
وفي الدراسات الفلسفية القديمة منها منذ (أفلاطون) وحتى الحديثة التي تطالعنا اليوم نجد أنّ الأخلاق تأتي لتعزيز الإيثار والعمل من أجل الجماعة (المجتمع) وأن مفهوم الأخلاق في الفسلفة ينطوي على أكثر من كونها مجرد السلوكيات ، والتصرفات والمعتقدات التي يمارسها الأفراد ، إذ يعتقد الكثيرون من الفلاسفة أنّ الأخلاق هي عامل أساسي في نظام التواصل والتعامل بين الأفراد الذي يُساعد على الحد من النزاعات فيما بينهم ويعمل على تحقيق مصالح متبادلة تُعزز التعاون في المجتمع ككل .
كما أن المعروف عن الأخلاق بأنها إحدى الأسس التي تُنظم الحياة والمعاملات البشرية ، على اعتبار أنها المعيار الذي يُمكن أن نقيس به مدى تطور الدولة وتقدمها ، وبات على الأفراد التزام مكارم الأخلاق التي حثت عليها جميع الديانات السماوية والوضعية من الأمانة والصدق ، والإخلاص في العمل لقاء حفظ الحقوق فيه ، وكذلك كانت صلة الأقرباء (الرحم) ، ونبذ الحسد والأحقاد . لأن الأخلاق هي أساس بناء المجتمعات وتطورها في كافة المجالات السياسية منها ، والاجتماعية ، والعقائدية ، والاقتصادية ، الأخلاق تُهذب أفكار الأفراد وسلوكياتهم، وتُؤسس أركاناََ ثابتةً تقوم عليها حضارة إنسانية قوية، فضلاً عن الألفة وقوة الروابط بين الأفراد، كما أنّها تُجنب الأضرار والتفكك الذي يُمكن أنّ يحدثه سوء الخلق .
والأخلاق مسؤولية اجتماعية يقوم كل فرد في المجتمع الواحد بأداء واجباته المدنية بما يُحقق أهداف المجتمع ككل لأن الفرد هو الأساس الأول في بناء المجتمع الذي يقوم بتحقيق النمو الاقتصادي ، والمستوى المعيشي لأن أداء المسؤوليات الاجتماعية بشكل صحيح إنما يعتمد على المنظومة الأخلاقية التي يمارسها الأفراد في استكمال الصورة المثالية للمجتمع الذي يبدأ بناؤه بالسلوكيات الفردية أخلاقياََ ، تماماً كما يبدأ الفساد بشكل فردي ويتفشى في المجتمع إذا لم تكن هناك أخلاقيات وقوانين إجرائية وفعلية تحدّ من انتشاره وتردع تعميمه ، لأن غياب الأخلاق في تطبيق القوانين ينعكس بشكل سلبي على الأفراد والمجتمعات ، بحيث تنتشر الفوضى ويعمّ الاستهتار بالقوانين ، وهو مايساهم في تراجع التنمية الاجتماعية وفي تطور المجتمع اقتصادياً وثقاقياً و حضارياً ، وتُصبح المصالح الشخصية في تحقيق الرغبات وتجاوز القوانين أولوية تبيح الاعتداء على حقوق الآخرين وأذيتهم والانشغال بحرب البقاء والمصلحة الفردية على حساب الشركاء الأساسيين في بناء المجتمع .
وقد قامت أغلب الرسالات الإنسانية والديانات غير السماوية والموضوعة بالدعوة إلى الالتزام بالتعامل الأخلاقي بين معتنقيها كأساس لمذهبها الرسالي ، فنرى
– مثلاً – أن الرسالة “الكونفوشيوسية” تقوم على (الأخلاق) التي هي محور فلسفتها وكان ذلك أساس الديانة فيها ، لأنها تسعى لتربية الوازع الداخلي عند الفرد ، ذلك الوازع الذي ينظّم الانسجام في حياة الفرد النفسية كي يخضِعها للقوانين الاجتماعية بشكل تلقائي .
وقد لخصت الكونفوشيوسية أساسيات الأخلاق في :
1- طاعة الأب والخضوع له .
2- طاعة الأخ الأكبر .
3- طاعة الحاكم العادل والانقياد إليه .
4- الوفاء الخالص بين الأصدقاء .
5- عدم التلفظ بالكلمات الجارحة أثناء المحادثات .
6- أن تكون أقوال الفرد مترجمة بأفعاله ، وكراهية ظهور الشخص بمظهر لا يتفق مع مركزه وحاله .
7- البعد عن المحسوبية في الوساطة أو المحاباة .
وتحدّد الكونفوشيوسية أخلاقَ الحاكم في :
1- احترام الأفراد والرعايا الذين نصَّبوه حاكماً عليهم .
2- التودُّد إلى من تربطهم به صلة قربى وقيامه بالتزاماته حيالهم .
3- معاملة وزرائه وموظفيه بالحسنى ومراقبة قيامهم بخدمة الرعية مراقبة دقيقة .
4- اهتمامه بالصالح العام دون تمييز بين فئة وأخرى ، مع تشجيعه للفنون النافعة والنهوض بها .
5- العطف على رعايا الدول الأخرى المقيمين في دولته .
6- تحقيق الرفاهية لعامة رعايا الإمبراطورية .
وتحترم الكونفوشيوسية العادات والتقاليد الموروثة ، لأنهُم محافظون إلى أبعد الحدود ، ويقدِّسون العلم والأمانة ، كما يحترمون المعاملة اللينة من غير خضوع ولا استجداء لجبروت .
ويقوم (المجتمع) في الدعوة الكونفوشيوسية على أساس احترام الملكية الفردية ، مع ضرورة رسم برنامج إصلاحي يؤدِّي إلى احترام المحبَّة وتنمية روح المساعدة والتعاون بين الأغنياء وبين الفقراء .
ويعترفون بالفوارق بين الطبقات ، ويظهر ذلك بوضوح في ممارسة الطقوس الدينية ، وفي الأعياد الرسمية ، وعند تقديم القرابين .
أما النظام الطبقي عند الكونفوشيوسية فهو نظام مفتوح ، إذ يمكن لأي فرد أن ينتقل من طبقته إلى أية طبقة اجتماعية أخرى ، إذا كان جديراً بامتلاك الإمكانات التي تؤهله لذلك .
لأن الإنسان في تكوين نشأته نتيجة لتزاوج القوى السماوية مع القوى الأرضية أي ، تقمص الأرواح السماوية في جوهر العناصر الأرضية ، بحيث توجب على الإنسان أن يتمتع بكل شيء ، ولكن ، في حدود الأخلاق الإنسانية القويمة .