قراءة نقدية: القصيدة ومتعة المغامرة
القصيدة: تمُرّ(نموذجا)
الشاعر حمد حاجي (تونس)
الناقدة: جليلة المازني(تونس).
المقدمة:
لقد عوّدنا الشاعر حمد حاجي التقاط مشاهد من اليومي يتتبّع فيها الحبيب حبيبته بحثا عن النشوة والمتعة ..بيد انه يطالعنا اليوم بانقلاب الادوار فتصبح الحبيبة هي التي تتّبعُ الحبيب وتزوره في عقر داره .
انها مبادرة جريئة بل تعدّ مغامرة مقلوبة في شعر الشعراء.
ترى كيف التقط لنا الشاعر هذا المشهد؟
القراءة النقدية:القصيدة ومتعة المغامرة:
استهل الشاعر باستخدام الطباق(من كثب/في البعد)بمقابلة معنوية تتحدُ في جمال الحبيبة سواء في القرب او البعد وهذا دليل على جمالها اللامحدود والمطلق .هل هذا يعني ان الحبيب كان ينتظر قدومها وهو يراقبها من شرفة بيته؟
منذ البداية يكشف لنا الشاعر انقلاب الادوار فلم تعُد الحبيبة التقليدية المنتظرة للحبيب والمفعول بها بل اصبح الحبيب ينتظر قدوم الحبيبة اليه ولعل هذا فرضته البيئة الحضرية التي حرّرت المراة في تنقلها واصبحت العين اقل وطأة عليها من الرجل الذي هو عادة ما يتنقل ويُراقب اين يدخل ومن أين يخرج.
وبما انها مغامرة فهي تشمل مقوّمات السرد واذا الحبيب يتقمّص دور الراوي ليروي لنا ما حدث .
تقترب الحبيبة من شرفة بيت الحبيب وتنقر نافذته ثم تسدل كشكولها اسفل العنق.
يبدو ان الحبيب كان على علم بقدومها وانها رغم جرأتها كانت تغطي وجهها بكشكولها خوفا من عين الرقيب.
ان الحبيب المنتظر لها استبشر بقدومها وهام باسمها حين قال:
شممت ندى يدها في
المقابض …يا ربّ توشك تنفتحُ
الدور من خفق
يردّد بلور أفنيتي اسمها
والعصافير تقرؤه في الغصون
وفي الورق.
اننا مع هذه القصيدة يتجاوز الشاعر حمد حاجي ثنائية التمنع والرغبة عند الحبيبة ويعتبر ثنائية الكتمان والبوح اكذوبة واذا البوح بالمشاعر من المحصول الحاصل والرغبة تتحول الى حق في الشهوة والاشتهاء
وها هي الحبيبة الجريئة وفق مقاربة حقوقية من الشاعر تُقدمُ اقدام الحبيب وأكثر.
هنا يقلّب القارئ جعبة الشعراء القدامى والمحدثين لعله يستحضر حبيبة جريئة ومغامرة كالحبيبة في هذه القصيدة للشاعر حمد حاجي .
عبثا يبحث فحتى مغامرات ابن ابي ربيعة فهو الفاعل والمغامر .
ان اقصى ما وصلت اليه الحبيبة في قصيدة “مغامرة” لابن ابي ربيعة حين فاجأها ليلا في مخبئها قالت بلسانه:
فعضّت بالبنان فضحتني ///فأنت امرُؤ ميسورُ أمرك أعسرُ
رغم ان الحبيبة استحسنت زيارة ابن ابي ربيعة لها في مخبئها الا انها لم تتجرأ على زيارته له في عقر داره.
وحتى المتتبعات لابن ابي ربيعة تكتفين باقتفاء أثره فقط حين يقول:
قالت الكبرى :أتعرفن الفتى؟//قالت الوسطى :نعم هذا عمر.
قالت الصغرى وقد تيّمتها//قد عرفناه وهل يخفى القمر.
لعل القارئ حين لا يجد ما يستحضره من شعر في هكذا مغامرة
يستحضر النص القرآني وما كان من امرأة عزيز مصر من جرأة ومغامرة مع النبي يوسف.الآيتان 23/24 من سورة يوسف:
” وراودته التي هو ببيتها عن نفسه وغلّقت الابواب وقالت هيت لك
قال معاذ الله انه ربي أحسن مثواي انه لا يفلح الظالمون(23) ولقد همّت به وهمّ بها لولا ان رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين (24)”.
بيد ان مغامرة امراة عزيز مصر الجريئة فيها نقاط تقاطع ونقاط اختلاف مع حبيبة الشاعر باعتبار ان النبي يوسف رغم انه همّ بها حين همّت به الا ان الله انتشله من السوء .
ولذلك تبقى اللقطة التي التقطتها كاميرا شاعرية الشاعر حمد حاجي وقبض عليها ونقلها لنا تبقى اللقطة اليتيمة التي ولدت في شاعرية الشاعر وتفرّد بها واكسبت قصيدته طرافة وتميزا وتفرّدا.
الخاتمة:
ان هذه القصيدة هي ثورة من ثورات الذات الشاعرة للشاعر حمد حاجي.
بتاريخ 29/02/2024