قراءة نقدية:” القصيدة وشدّ الأزر”
القصيدة:” لمحتها بالفراش نموذجا ”
الشاعر:الدكتور حمد حاجي(تونس).
الناقدة:جليلة المازني(تونس)
المقدمة:
مازالت عدسة كاميرا شاعرية الشاعر حمد حاجي تتنقل داخل البيت لتلتقط ما يثير اهتمامها في الشأن اليومي.ترى أي لقطة أثارت اهتمامه لينقلها الينا بكل أمانة؟
القراءة النقدية: القصيدة وشدّ الأزر.
رسم الشاعر صورة لحبيبته حين لمحها طريحة الفرااش والشاعر باستخدامه لفعل “لمحت” الدال على النظر بخفة أو باختلاس النظر يبرز مدى يقظة الحبيب لكل حركات وسكنات حبيبته فانتبه الى لزومها الفراش الذي ليس من عادتها في غيروقت النوم.
ان هذا الانتباه من الحبيب يجسّد حسّا وجدانيا وانسانيا من الحبيب تجاه الحبيبة.
ان هذا الانتباه الناتج عن حاسة البصر دعمه الشاعر بالحاسة السادسة وهي الحدس حين أحسّ بفتورها وبحاسة السمع وهو يسمع تأوّهاتها .
لمحتها بالفراش,فتورا اذا
كسرت حاجبيها واوّاهة , يا
حلالي حبيبي عليل.
ان الشاعر استخدم صيغة المبالغة ( فَتور/ أوّاهة) لكثرة فتورها و آهاتها وتأوّهها توجعا وشكوى مما تعانيه من مرض والتأوّهات هي متنفس للمريض ينفثها فيشعر براحة نفسية.
ولعل الشاعر اراد ان يثير شفقة القارئ على الحبيبة المريضة لكي يُثنيَ على تصرّف الحبيب الذي واجه مرض حبيبته بموقفين:.
الموقف الأول معنوي:ان الحبيب تألم لألم الحبيبة وتوجّع لوجعها فهو تموقع مكانها من المرض ليشعر فعلا بما تشعر وقد عزّ عليه ان يراها نحيلة وما يتبع ذلك من ذبول قد يفقدها جمالها لكن الشاعر انتشل الحبيب من هكذا شعور يجعله يرى الحبيبة تفقد جمالها وكأني بالشاعر يحث الحبيب على التغزل بنحولها الذي هو زينتها.فيقول:
وأوجعني ما رأيت بها من
نحول ولكن زينة حبّي الهوى
والنحول.
والنحول المقصود هنا هو رشاقة الجسم .
الموقف الثاني عمليّ: ان الحبيب لم يقف مكتوف الأيدي بل حاول التطبب والتطبب هو القيام بدور الطبيب في وصف الدواء وبما ان الحبيب لم يكن طبيبا فهو سيعدّ دواء رعوانيا من مخزونه العائلي و الشعبي فوضع لها “لبيخة عود” على راسها وعصب عليها ولعل هذا من مخزون أدوية أمّه. اضافة الى تطبّبه فهو لم يخف عنها حزنه واحساسه بوجعه بسبب وجعها وطببتها بلبيخة عود…عصبت
لها رأسها…وبعيني الدموع تسيلُ.
ان الشاعر ترك فراغات نصية قد يملؤها المتلقي الذي قد يستغرب من اختيار الحبيب لهذا الدواء الرعواني دون غيره وقد يتساءل المتلقي أيضا لماذا لم يحملها الى الطبيب وهو المتيّم بها ويتالم لألمها بل يبكي لوجعها؟
وهنا قد يجيب المتلقي عن تساؤله بان هذا الحبيب قد يكون نتيجة ثقافة معينة مقتنعا بالدواء الرعواني وقد يكون ممن لا يسارعون الى الطبيب الا اذا اشتد الوجع وقد يكون ممن لا يرغبون في استعمال أدوية الطبيب بكثرة لمنح الجسم فرصة المقاومة.
ولعل الشاعر قد احترم عقلية الحبيب حين جعله لا يفكّر حتى في شراء دواء من الصيدلية دون الذهاب للطبيب
ان شراء الدواء دون وصفة الطبيب رائج جدا لدى المرضى وأوليائهم
وكأني بالشاعر لايريد ترسيخ هذه العادة المتفشية والتي تنجرّ عنها أضرار عديدة. لذلك جعل الحبيب يلتجئ الى الدواء الرعواني الذي لا تتبعه أضرار على صحة مستعمله.
واكثر من ذلك فان الشاعر كان متّسقا مع عقلية الحبيب في بساطتها وحسن نيتها واستشرافها دائما للخير بان جعله يدعم تطبّبه بالدعاء بالشفاء لحبيبته :بجاه النبي وزينب…يا رب
اشف حلا..بنورك كل الهموم تزول.
ولعل الفراغ النصي الذي تركه الشاعر بعد بجاه النبي وزينب… قد تركه للمتلقي ليتفاعل ويواصل الدعاء مستجيرا بكل ممن يعرف من أولياء صالحين وقد يستجير المتلقي بالله مباشرة ويطلب منه الشفاء للمريضة
والمتلقي في استجارته بالله يتناصّ في ذلك مع الآية الكريمة 60 سورة غافر (وقال ربكم ادعوني أستجبْ لكم).
ان المتلقي بتأويله لفراغات النص قد يرسّخ الاستجارة بالله في حالة الضعف كالمرض بدون وساطة.وهنا لابد من الاشارة الى ان الانسان في حالات ضعفه نراه يلتجئ كثيرا الى الله ويتقرّب منه.
الخاتمة:
ان الشاعر حمد حاجي قد سلّط الضوء في لقطة اليوم على مؤازرة الحبيب لحبيبته معنويا وعمليّا فتشدّ به الحبيبة أزرها كما شدّ النبيّ هارون أزر أخيه النبيّ موسى(الآية31 سورة طه:أشدد به أزري) ووجه الشبه يكمن في الصدق والقدرة على المؤازة وهما صفتان تحلّى بهما الحبيب.
شكرا للشاعر حمد حاجي على ثورة قلمه لاعادة النظر في العلاقة الزوجية والتي يريدها علاقة شدّ الأزر.
بتاريخ06/03/2024






