في قراءة خفيفة كخفة القصيدة و رشاقة حرفها نبقى مع سمراء الدكتور الحاجي الذي اعترف بالتحرش و لا يدري عقوبته
#سمراء ، عنوان به اشارة إلى كل سمراء ستمر بالقصيدة
و يا سعدها …
يقولون في السمراء:
و إني أعشق السمر العوالي / و غيري يعشق البيض الرشاقا
عنتره
و قالوا عنك سوداء حبشية/ ولولا سواد المسك ما انباع غاليا
وفي السمر معنى لو علمت بيانه/لما نظرت عيناك بيضاً ولا حمرا
قيس بن الملوح
و البيضاء إذا تكحلت جاورت القمر / و السمراء إذا تكحلت أخفت القمر بجمالها
منقول
يقول الدكتور حمد :
تحرّشتُ سمراء.. سمراء
رجراجة في الأزقة
تمشي حمامه
لنأتي إلى فعل تحرش : مُضايقة، وتحرش هو فعل غير مرحب به من النوع النفسي أو الجنسي أو اللفظي أو الجسدي.
و تحرش الشاعر لفظي ، فهو نداء كرره مرتين ، نتيجة مشيتها كالحمامة ، و وصفها بِ ” رجراجة ” ، و الرجراجة في معناها المهتزة ككتيبة لكثرتها .
نلاحظ في هذا الوصف الذي جعلني ابتسم ، رجراجة تمشي حمامة ،خفة خطوتها مع شبه ضخامة جسمها يجعل القاريء يبتسم فعلا .
بعد تحرشه بها يقول :
سبتني، كأنّ لها
في الجفون سيوفا
وبين العيون سهاما
هذا المقطع ياتي نتيجة للتحرش و ردة فعل السمراء ، السب كان بالإماء دون بوح ، كان بالعين ، أبدع الشاعر في وصفهما ، و جعلهما يتكلمان و هن في حالة حرب ، تسلحن بالسيوف و السهام ، القوة تكمن هنا في المرأة في نظرة ناعمة أو قوية ، و تكون الإجابة و القبول او الرفض القطعي .
مشهد من الواقع و صورة من صور الحياة بين العشاق من زمن جميل قد ولى معه الحياء ، زمن اغتصبته التوكنولوجيا فبردت هذه الحرارة في المناداة و الحديث بالأعين .
يقول جميل بثينة :
لها مقلةٌ كحلاء نجلاء خلقةً
كأن أباها الظبي أو أمها مها
اما جرير فقال :
إن العيونَ التي في طرفها حورٌ
قتلننا ثمّ لم يحيين قتلانا
و اختم بقول صفي الدين:
كفّي القتالَ وفكي قيد أسراكِ
يكفيكِ ما فعلتْ بالناسِ عيناكِ
كلّت لحاظك مما قد فتكتِ بنا
فمن ترى في دمِ العشاقِ أفتاكِ
و حديث العيون كان استجابة و الومى انعرجا بهما إلى مقهى
وعجنا لمقهى صغير
وناولتُها قهوة
وسقتني غراما
في وصفه للمكان ، ” مقهى صغير ” ، يريد منا الدكتور الحاجي ان نتخيل المكان ، مقهى صغير ، و أتساءل : متى كانت المقاهي صغيرة يا سيدي !؟ ام عينك ارادت تضييق المكان و لا تكونا إللاكما فيه ، و أصبح المقهى رُكنا قصيا للغرام و القهوة .
ولمَ قهوة ، لو كان عصيرا أو أي شيء آخر ، لكن القهوة لها رمزية عند بعض الشعراء ، فدرويش هي عنده طقس يومي به يُبسمل نهاره ، حيث قال : والقهوة، لمن أدمنها مثلي، هي مفتاح النهار .
و هي ذات رمزية ضاربة في التاريخ في أداب الإستقبال و الضيافة
القهوة لا تُشرَب على عجل. القهوة أُختُ الوقت. تُحتَسى على مهل.. على مهل.
و شاعرنا امنيته لو السمراء التي تُشبه القهوة لو تبقى معه أكثر وقت في الركن الصغير من المقهى
يقولون عن المرأة و القهوة :
المرأة كالقهوة لا يشعر بنكهتها إلا رجل مجنون يرتشفها بحب .
شاعرنا هام حبا بسمراءه حتى أنه نسي وصفها لنا كيف كانت ردة فعلها عدا ما ذكره أعلاه عن عينيها و سيوفها و الرماح .
لكن وصف شفتاها في ترشفها للقهوة و قال :
كما تمرةٌ
في الدجى شفتاها
كأني رشفتُ المداما
التمر في الدجى يلمع اما عن جماله و حلاوته لا يمكننا ان نصفه إلا إذا تذوقناه . في هذه اللحظة كان الشاعر في حلم يقظ ” كأني رشفت المداما ” و المدام هو الخمر ، أبهرنا الشاعر في نقل الصورة بين القهوة و شفاه السمراء و حالته ، رشف المدام أي أوشك عن الخروج من عقله ، هياما بجمال سمراءه .
ففي المقطع الأخير و قد عاد إلى التحرش فهذه المرة ليس لفظا بل فعلا
تحرّشتُ جدا…. ومازال بالثغر ريقتها ..
فآهاً لها… لو تعود
وآهاً… لحظِّيَ لو كان دام ….
” تحرشتُ جدا ” بالثغر ريقتها ” ، هذه اول القبل التي أخذها منها في ركن منزوي و كانت على عجل ، بل في تحرشه ” جدا ” اخذها في غفلة ، هنا تحرك القلم و وصف المشهد : التأوه و الحسرة على مغادرتها المقهى ، و الأمنية ” لو تعود ” و حسرته على حاله عندما غادرت و ” ندب حظه ” إما على ما اقترفه من تحرش لكانت بقيت أكثر ، او لو طال زمن القبلة قليلا ، او لو دام زمن اللقاء أكثر ، لفاز منها بالأكثر …
يشد انتباه القاريء: اللون الذي اكتسته القصيدة : سمراء / لون القهوة / لون التمر : ألوان أشتقت من اللون البني
و هو لون التراب كما يصفه الكثيرون، لوناً حقيقياً ومستقراً تماماً كاستقرار باطن الأرض .فلا عجب ان يكون محبوبا من طرف الآخرين خاصة محبي هذا اللون الذين يمتازون بالإخلاص لمحبينهم
………….
القصيدة رشيقة في ايقاعها كمشية ” الحمامة ”
رائعة جداً في معانيها ، بليغة جدا في الوصف ، نقلتنا إلى أيام التحرش ” البريء أين كان المتحرش يطير فرحا لو استجابت له محبوبته و ” اختلى ” بها في ركن بعيد عن عيون ” العذال ” ، و قلمي المتواضع يعترف دائما أنه لم يُعطي القصيدة حقها .
في جلسة على شاطيء البحر سأل صديق محمود درويش عن حبه للقهوة فقال له :
ربما لأن في القهوة الكثير من المرأة والحب .
بقلمي سعيدة بركاتي ✍️/تونس






