العمل الطوعي ثقافة ..
لا تسذيج ولصوصية أخرى !
حسين الذكر
قبل مدة زرت وشاهدت حملة من الشباب يشمرون عن سواعدهم منهمكين بتنظيف ملعب رياضي بمشهد تكرر في مؤسسات ، بسواعد رياضية او بعنوان نشاط مدني … يحاولون فيه خدمة العراق وساحاته وشوارعه وملاعبه الرياضية بصدق ونوايا وطنية خالصة باسم ( العمل الطوعي ) ، ومع عدم استيعاب وهضم العملية برمتها .. سالت المشرف عن الملعب الذي راح يثني على جهود المتطوعين وما يقدموه ويبذلوه لاجل العراق العظيم ..!
فتسائلت هل فعلا ( ان المؤسسة التي يرؤسها او يدريها صاحب نظرية العمل الطوعي المتانق جدا بسيارته ورباطه وامتيازاته المتعددة ) .. بلا حصص مالية حكومية ودون اي موارد اخرى .. وهل هي فعلا تستحق تقديم جهود طوعية او استغلال جهود هؤلاء المخلصين من الرواد والابطال والبيت الرياضي ؟ الذين ما ان ينهوا عملهم حتى لا يتذكرهم احد الا عند الانتخابات والمظاهرات لدرجة لا يمنحوهم تذكرة دخول الملاعب مجانا او بميزة تختلف عن غيرهم وتشعرهم بالاحساس والانتماء .
قبل سنوات اتصل احد الزملاء ، طالبا مني الكتابة في جريدة يعمل بادارتها ، وقد فعلت بجهد متميز ( تقريرا وعمودا وتحقيقا ولقاءا ) ، مر شهر واثنان وثلاثة واربعة لم استلم دينار واحد عن جهودي ، فضلا عن كون الصحفي العراقي لم يعد له راتب ولا مخصصات وهذا يشمل الغالب من الصحفيين ويستثنى منهم باجور ضئيلة بعض من يعملون بصحف ورقية صامدة حتى الان .. ولا تتجاوز نسبتهم خمسة بالمائة من عدد الصحفيين . مرت أيام وايام وانا اكتب بجد وإخلاص .. كلما اسال زميلي ، يعتذر بحسرة وخجل ووجل .. ! وقد اتصل ذات يوم قائلا : ( ان المسؤول عن الجريدة يريد يلتقي بكم ) ، ففرحت ومعي زملاء اخرين ، فقررنا الذهاب للاجتماع المزمع ، الذي انتهى بوجبة غداء بسيطة ، حث خلالها المسؤول الجميع بخطاب رنان يشم منه روح التدين والوطنية والإنسانية مشيدا بجهودنا ومشددا على ضرورة المضي قدما وتكثيف الجهود الطوعية خدمة للعراق العظيم .. بشكل اخرسنا وافهمنا ان عملنا طوعي والى الابد .. فعندها سالت زميلي عن سر تحمس و شعارات وعضلات المسؤول للعمل الطوعي فقال : ( طبعا لان راتبه خمسة مليون دينار شهريا ..عدا المميزات الاخرى ) .
اسمع واقرا دائما عن خطاب رسمي في بعض المؤسسات التي يصرف لها ميزانيات ضخمة من خزينة الدولة واموال الشعب باسم الرياضة عن ضرورة تفعيل وتنشيط ودعم ما يسمى بالعمل الطوعي واصدار التشريعات الازمة لذلك .. ربما اتفهم .. جزء من النوايا الخيرة لبعض الداعين لذلك باسم ( قوم الي تعاونت ما ذلت ) فضلا عن يد الجماعة وما لها من موروث عربي واسلامي ولا ننسى اشاعة ثقافة العمل المشترك والجهود التعاونية .. الا اننا نرى ان العمل الطوعي ، ليس هو المعرقل الأول والأخير لاصلاح بعض المؤسسات الرياضية . فالعراق بلد خير وميزانياتنا عملاقة وما زلنا نبيع ملايين براميل النفط .. فيما وطننا وثرواته المدخرة يفترض ان تصب لصالح ابناؤه من الفقراء خاصة ، مما يجعلنا ويمكننا الاعتماد على شركات احترافية ، لتنظيف وبناء مؤسساتنا وملاعبنا وادامتها ، بعيدا عن الجهد الطوعي وان كان مبذول لوجه الله والوطن بنوايا خيرة ..