” اِتْجَاه مُعَاكِس ..!! ” .. ” قِصَّةّ قَصِيرَةٌ ” .. د.مُهَنْدِسْ/ إِيَادُ الصَّاوِي .
************************
اِنْتَفَضَتْ مِن نَّوْمِهَا فَجأةً ، تَسلُخُ كَابُوسًا أطْبَقَ عَلى أنفَاسِهَا .. !
تفتحُ عَيْنَيْهَا عَلَى صَبَاحٍ مُبلَّلٍ يَنسَكِبُ مِن نَوَافِذِ الشُّرفَةِ ..
صَوْتُ الألمِ فِي جِسمِهَا المَنْحُولِ لَا يَنقَطِعُ ..!
هَلْ الْمَوتُ يَطْفُو فيِ دَمِهَا الضَّحْلِ ، وَيقبِضُ عَلى نَاصِيَةِ الْقَلْبِ ..؟!
وَصَرخَةُ خَصْرِهَا الْمَكتُومَةِ تَضغَطُ عَلى أحشَائِهَا ، مُجَرَّدُ الظَّنِ كَانَ غَضَاضَةً تُشَوِّهُ وَجْهَ الْحَيَاةِ ؛..!!
يَجِبُ أَن أتَحدَّى خَوِفِي ، مُرَاجَعَةُ الطبيبِ سَتُرِيحُنِي مِن اتِّسَاعِ وَحْشَةِ الظُّنُون وَالآلامِ التِي تَعصِفُ بِجَسدِي .. هَكَذا قَالَتْ ” حَبِيبَةُ ” لِنَفْسِهَا ؛ ..!!
جَلَستْ تَنتَظِرُ دَوْرَهَا وَهَوَاجِسُ الْخَوْفِ تتَكَالَبُ عَليهَا بِلا رَادِعٍ ..!
الأَمرُ مُحرِجٌ حقًا ، بِمَاذا سَأُخبِرُ الطَّبِيب ..؟!
وَتَحتَ صَدمَةِ سَمَاعِ اسمِهَا لِلدّخُولِ لِلْفَحصِ ، يَرتَعِشُ صَوتُهَا وَتَتثاقَلُ حَرَكتُهَا ؛
وَبِصَوْتٍ خَاضِعٍ تُجِيبُ : نَعَمْ نَعَمْ ، قَادِمَة ..
كَانتْ وَدِيعَةً ، رَقِيقَةَ الصَّوْتِ ..!!
تَنامُ فِي عَينَيْهَا أحلَامُ الزَّمنِ الزَّرقَاء ، تُجَلِّلَهَا عُذوبَةُ البَرَاءَةِ ، رَغْمَ مَا يَعْتَلِجُ فِيهَا مِن الرَّهْبَةِ وَالتَّوَجُّسِ ..!
يُقَاطِعُ الطَّبِيبُ حِوَارَ نَفْسِهَا :
مَا اسمُكِ بُنَيَّتِي ، وَكَمْ عُمُرُكِ ، وَمِمَّ تَشْكِين ..؟!
بِخُضُوعٍ تُجِيبُ : حَبِيبَة اسْمِي حَبِيبَة ، وَعُمْرِي ثَلَاثٌ وَعِشرُونَ سَنةً ؛
أَشْكُو مِن آلَامٍ مُبرحَةٍ فِي الخَاصِرَة ، تَنهَشُ أحْشَائِي والشُّعورُ الدَّائِم بِالْغَثَيَان .
الطبيبُ : حَسَنًا مُنذُ مَتَى كَانَ ذَلِك ..؟!
مُنذُ شَهْريْنِ ، لَكنَّهُ كَانَ أَخَفّ ، وَتعَايشْتُ مَعهُ لِطِيلَةِ الشهرَيْنِ ، لِأنَّهُ لَمْ يَكُن يُهَدِدُنِي كَمَا هُوَ الآن ؛
هَلْ تَشتَكِينَ مِن خَللٍ فِي الدَّورَةِ الشَّهرِيَّةِ ..؟!
نَعَمْ ، فَهِيَ مُؤَخَّرًا لَم تَكُن مُنتَظِمَةً ، وَقدْ تَأخَرتْ مُنذُ هَذيْنِ الشَّهْرَيْنِ .
نَعَمْ ، تَحتَاجِينَ لإِجرَاءِ هذهِ التَّحَاليلِ إذًا ، قَبلَ أَن أصِفَ لكِ الدَّوَاءَ
حَسنًا دُكتُور ؛ ..
يُطْلُبُ مِن مُمرِّضَتِهِ مُرَافَقةَ ” حَبِيبَة ” إِلى الْمَخْبَرِ لِإجرَاءِ التَّحَالِيلِ الْمُشَارِ إِليْهَا فِي الْوَرَقةِ التِي تَتَسَلَّمهَا مِنهُ عَلى عَجَلٍ ؛ ..!!
– تغتال ” حَبِيبَةَ ” شَهْوَةُ البُكاءِ وَالإحبَاطِ ، وَتُسفِرُ عَن اضطِرَابِهَا وَهِيَ تُرَافِقُ المُمرِّضةَ فِي صَمتٍ إِلى وِجْهَتِهَا ، كَأنَّمَا تُسَاقُ إِلى المَوْتِ ، وَبِصَبرٍ طَوِيلٍ وَوَقتٍ ثَقِيلٍ جِدًّا تَتَحَرَّرُ – أَخِيرًا – وَتُنهِي الْأَمرَ ، وَقَبلَ أَن تُغَادِرَ الْمَكَانَ تَسْتَعْلِمُ عَن مَوْعِدِ عَوْدَتِهَا لِتَسَلُّمِ النَّتَائِجِ ..فَتُخْبِرُهَا بَعدَ يَوْمَيْنِ ، فَتَمْضِي مُوَدِّعَةً .
تَخْرُجُ وَالْحُزْنُ فِي عَيْنَيْهٕا طَائِرٌ الْتَوَىٰ جَنَاحَاهُ بَيْنَ أَهْدَابِهَ ، فَلَا تَكَادُ تَرَى طَرِيقَهَا ، وَهِيَ تَشُقُّ الشَّوَارِعَ التِي تَزْدَادُ ازدِحَامًا وَطُولًا ، يَرْتَطِمُ طَنِينُ الْمَرْكَبَاتِ بِوَهَنِ أَقْدَامِهَا ، فَيَتَسَارَعُ نَبْضُهَا وَيَتَعَثَّرُ سَيْرُهَا ..!
كَانَ حَدِيثُ نَفْسِهَا يَتَسَكَّعُ فِي مَتَاهَاتِهَا الشَّاسِعَة الأَطْرَاف أَشْبَهَ بِمَوجٍ تَلْهُو بِهِ عَاصِفَةٌ ، وَتَتَكَشَّفُ أَقدَامُهَا أَخِيرًا عَلى زَاوِيَةِ الشَّارِعِ الأَخِيرِ ؛
فَوْرَ وُصُولِهَا الزُّقَاقَ تَتَسَلَّلُ إِلى غُرْفَتِهَا تَنزِعُ نَحوَ طَيِّ الْوَقْتِ بِالصَّمْتِ وَالنَّوْمِ إِلى حِينٍ ، لِتَفْتَحَ عَيْنَيّهَا عَلى غَدٍ تَتبَيَّنُ فِيهِ مَصِيرَ حَالَتِهَا ..!
تَسْتَيقِظُ عَلى إِثْرِ طَرْقَةٍ خَفِيفَةٍ عَلَى بَابِ غُرْفَتِهٕا ، حَيثُ وَالِدَتُهَا تُبَادِرُهَا بِالسُّؤَالِ :
هَلْ أَنتِ بِخَيرٍ ..؟!
أَيْنَ غِبْتِ ..؟! وَمَتٕى عُدْتِ ..؟!
أَسْئِلَةٌ تَدَفَّقَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً ؛
هَلْ كُنتُ فَتَاةً صَالِحَةً أُمَّاهُ ..؟! وَكَيْفَ رِضَاكِ عَنِّي ..؟!
بِسُؤَالٍ تُقَاطِعُهَا ” حَبِيبَةُ ” فِي فُضُولٍ قَلِقٍ ؛
تَحتَ غَمْرَةِ شُعُورٍ يَثرّ لِينًا وَيَسِيلُ حَنَانًا – لَمْ تَأبَه الْأُمُّ لِغَرَابَةِ السُّؤَالِ أَوْ مُنَاسَبَتُهُ لِلّمَقَامِ – تُجِيبُهَا وَسَيْلُ الْحَدِيثِ بَيْنَ شِفَاهِهَا مُفْعَم :
أَنتِ مَحَاسِنُ الدُّنْيٕا جَمِيعًا ، اكْتَمَلَ فِيكِ الْعِلْمُ بِالْأَدَبِ ،
وَالْجَمَالُ بِالْأَخْلَاقِ ، أَنتِ غَيْمَةُ الرَّبِيعِ التِي هَطَلَتْ فَوْقَ صَحَرَاءِ عُمْرِي ، فَأَزْهَرَتْ بِكِ رِيَاضُ أَيَّامِي ، وَأَزَحْتِ غِطَاءَ الظَّلَامِ الذِي أَثْقَلَ رُوحِي ، وَوَحْشَةَ الفَضَاءِ الَّذِي سَكَبَ الْمَلَلَ فِي مُقْلَتَيَّ ، أَيُّ اتْسَاعٍ ذَلِكَ الذِي اِحْتَضَنَ وُجُودَكِ حِينَ وُجُودكِ .. ؟!
لمْ تَكُونِي إِلَّا هَمْسَةً أَندَتْ مَسَامِعِي فِي دُجُونِ وَحدَتِي ، – تَحْتَضِنُهَا وَهِيَ تَرى زَخَّاتِ الخَوفِ تَتَحَدَّرُ فَوْقَ وَجْنَتَيْهَا –
أَنتِ لَا تَعْلَمِينَ أَنَّكِ جِئْتِ عَلى شَغَفِ حُبِّي لِأُنثَى تَسنِدُ ظَهْرِي إذَا مَا انْحَنَى ، وَزَهَا أَمَلِي الْوَرِيفُ بِأُنسِكِ ،
أَنَا مَحْظُوظَةٌ بِكِ ، رَاضِيَةُ عَنكِ تَمَامَ الرِّضَى يَا قُرَّة عَينِي ، لَوْ أَنَّ بَنَاتَ الدُّنيَا فِي صَلَاحِكِ وَبِرّكِ لَطَابَتْ حَيَاةُ الْأُسَرِ ، أَلَا تَرَيْنَ حُبُّ النَّاسِ لَكِ ..؟!
– ثُمَّ تَنسَلُّ بِهِدُوءٍ دُونَ أَن تَسْأَلَهَا إِن كَانتْ فِي حَاجَةٍ إِلى الطَّعَامِ ..!
يَجِيئُ الْغَدُ الْآخَر وَهِيَ تَعدُو فِي وَعْثَاءِ ظُنُونِهَا جِيئَةّ وَذِهَابًا لَا تَضَعُ حَدًا لِهَوَاجِسِهَا وَاِنقِبَاضِ صَدْرِهَا ، وَمَعَ وُضُوحِ النَّهَارِ تَحْزِمُ قَلَقَهَا ، وَتُبَادِرُ الذَّهَابَ إِلى الطَّبِيبِ .
يَأْتِي دَوْرُهَا ..!
تَدْخُلُ وَقَدْ كَسَاهَا التَّوَتُّرُ وِشَاحَ الشُّحُوبِ ؛
وَبِابتِسَامَةٍ عَرِيضَةٍ يُهَنِّئُهَا الطَّبِيبُ : مُبَارَك ؛ أَنتِ حَامِل .
يَنْزَلِقُ جَسَدُهَا مِن رُوحِهَا مُرْتَخِيًا عَلى حَافَةِ المَكْتَبِ ، تَلَقَّفَتْهَا يَدُ الْمُمَرِّضَةُ ، جَمُدَ انسِيابُ الدَّمِ فِي جِسْمِهَا ، لَوْ أَنَّ سُقُوطَهَا كَانَ عَلى تُرَابِ الْقَبرِ لَكَانَ أَنْعَم ..!
لَمْ تَجِدْ مَا تَقُولُ مِن بَيْنِ أَمْوَاجِ الْكَلَامِ الَّذِي تَهْضِبُ بِهِ نَفْسَهَا ،
صَرَخَاتُهَا الْمَكْتُومَة ،
فَجِيعَتُهَا الْمُتَدَفِّقَةُ ،
ظُنُونُهَا الْوَاهِمَةُ أَنَّ الطَّبِيبٕ لَا يَعْنِيهَا ..!
عُبَابُ شَهِيقِهَا الذِي يَمُورُ بَينَ الْغُصَصِ وَالصُّرَاخِ الذِي تَفْقِدُه ؛- تُخْرُجُ مِنْهَا كَلِمةً تَرْعَدُ لِارتِعَادِ شِفَاهِهَا ، يَابِسَة كَرِيقِهَا : ” مَعْقُول ” ..؟؟!
وَتَشْرَأَبُّ عُنُقُ الظُّنُونِ قَابِضَةً عَلى نَاصِيَتِهَا ،
هَلْ كَانَتْ تِلْكَ الزِّيَارَة التِي أَجْبَرَتْنِي عَلَيْهَا أُمِّي لِلاعتِنَاءِ بِخَالَتِي لِمُدَّةِ يَوْمَيْنِ هِيَ السَّبَبُ ..؟!
غَرِيب !!
فَكُلُّ مَا حَدَثَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شُعُورٌ مِن الْأَمْنِ الْمَوْقُوتِ ،
نَعَمْ .. سَدَّدَ لِي نَظَرَاتَهُ السَّاهِمَة ، وَشَعَرتُ بِغَشْوَةٍ بَهَرَتْنِي بِرَائِحَةِ الرَّجُلِ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ ،
ذَلِكَ الرُّوَاقُ الضّيِّقُ شَاهِدٌ حِينَ حَاوَلَ الِاقْتِرَابَ مِنِّي لِيَسْأَلَنِي عَن سِرِّ قَرَابَتِنَا التِي جَعَلَتْنَا أَغْرَابًا ، لَحْظَتَهَا شَعَرْتُ أَنَّهُ غَرغَرَنِي قَطَرَاتِ الْحَيَاةِ التِي انْحَدَرَتْ سَيْلًا ، جَرَفَ خَوْفِي مِنْ أُنُوثَتِي ، هَلْ يُعْقَلُ ..؟؟!
لَقَدِ انفَلَتَ جَلَالُ صَرَامَتِي ، وَأَسَرَتْنِي بَرَاءَةُ اللَّحْظَةِ ، وَلَا أَعلَمُ كَيفَ اِنعَقَدَ لِسَانِي وَلَمْ أَتَمَكَّنَ مِن نَّهْرِ اِبتِسَامَتهِ الْحَالِمَة بِسَعَادَةٍ قَادِمَةٍ ..؟!
لَمْ تَكُن مَنَاعَتِي كَافِيَة أَمَامَ سِحْرِهِ ، فَقَط نَظَرْتُ !! نَعَمْ نَظَرْتُ ، وَكَانَ ذَلِكَ كَافِيًا لِأَغْرَقَ فِي مَتَاهَةِ التَّفْكِيرِ طُولَ الْوَقْتِ ،
لَيْلَتَانِ ، لَيْلَتَانِ وَحَسِب ، لَمْ نَلْتَقِ فِيهِمَا إِلَّا مَرَّتَيْنِ ، عِندَ الْمَدْخَلِ وَفِي الرُّوَاقِ ،..!
” حَبِيبَة ” مَاذَا فَعَلْتِ بِنَفْسِكِ ؟!
هَلْ تَسَلَّلَ إِلَيْكِ فِي نَوْمِكِ أَمْ فِي حُلْمكِ دُونَ وَعْيٍ مِنكِ ..؟!
رَبَّاااااهُ أَكَادُ أُجَنُّ ، هَلْ هُوَ كَابُوس ..؟!
هُوَ كَابُوس ، لَا شَكَّ كَابُوس ؛
تَنْهَارُ غَارِقَةً فِي بُحَيْرَةِ دُمُوعِهَا ،..!
الطَّبِيبُ مُتَعَجِبًا : مَا بِكِ يَا بُنَيَّتِي ..؟!
يَجِبُ أَن تَتَمَاسَكِي فَهَذَا مُهِمٌّ خَاصَّةً فِي الْأَشْهُرِ الْأُولَى مِنَ الْحَمْلِ ..!!
لَا تَجِدُ مِن رِيقِهَا مَا تَبْتَلِعُهُ ..
هَلْ صَحِيحٌ أَنِّي حَامِل ؟! هَلْ صَحِيحٌ يَا دُكتُور ؟؟!
التَّحَالِيلُ تؤَكِّدُ هَذَا يَا بُنَيَّتِي ، الْفَرْحَةُ أفْقَدَتْكِ تَوَازُنَكِ ، لَعَلَّهُ طَالَ اِنتِظَارُكِ سَمَاعَ هَذَا الْخَبَرِ …!!!
تَنْسَلُّ بِخُطَىً بَطِيئَةٍ ، وَنَظَرَاتٍ مُعْتِمَةٍ ، لَا تَجدُ جَوَبًا لِلسُّؤَالِ الْمُحْتَرِقِ بِصَدْرِهَا ..
بِمَاذَا أَعُودُ لِأَهْلِي ..؟!
أَهَذَا مَا يَنْتَظِرُونَهُ مِنِّي ..؟!
مَا أَوْحَشَ نَفْسِي بِلَوْعَتِهَا .!!
وَكَيفَ أُمْسِي وَأُصْبِحُ عَلَى بَلْوَاهَا ..؟!
وَمِلءُ السَّمْعِ صَوتُ أُمِّي وَإِخْوَتِي ،دُونَ أَنْ أَنْهَارَ وَأَعتَرِفَ أَنَّ قَلبِي خَانَهُمْ حِينَ اِرتَجَفَ لِرَجُلٍ آخَرَ ..!
هَلْ فِي الْأَرضِ شُقّةٌ تَبْلَعُنِي ، أَوْ نَهر يُخْمِدُ سَعِيرَ الْفَاجِعَةِ ..؟! رَبَّاهُ ! لَيْتَهَا الْقِيَامَة !!
تَحمِلُهَا أَقدَامُهَا إِلَى ذَلكَ الْمَزْلَقَانِ – مَمَرّ الْقطِار السَّرِيع – وَالذِي تَجُوزُهُ ذَاهِبَةً وَآيِبَةً .. تَتَسَمَّرُ بَيْنَ الْقُضْبَانِ يُحَاصِرُهَا طُوفَانُ ظُنُونِهَا .. كَيْفَ لَهٕا أَن تُقْنِعَ هَذَا الِاحتِرَاقَ بِبَرَاءَتِهَا ..؟!
مَزَّقَتْ نَفْسَهَا تِلْكَ الْكَلِمَاتُ ، حِينَ اِنسَكَبَتْ فِي جَوْفِهَا الْهَزِيلِ ، وَأَسْكَرَ وَعْيَهَا عُيُونُ الْعَابِرِينَ التِي تَصْرُخُهَا ، تَتَوَسَّلُهَا الِانتِبَاه لِلخَطَرِ الْقَادِمِ نَحْوَهَا ؛
مَشْدُوهَةٌ فَقَدَتْ صَوَابَهَا فَتَهْوِي إِلى سَحِيقِ شُرُودِهَا بَاحِثَةً عَن مَخْرَجٍ ، لَا تُصغِي إِلَّا لِفَوْضَاهَا ،
لَا أَحَدَ يَمِلِكُ جُرأَةَ الِاقْتِرَابِ مِنْهَا ، وَالْقِطَارُ يَرُجُّ الْأَرْضَ رَجًّا مِن تَحْتِ الْأَقْدَامِ ..!
تَرْفَعُ رَأسَهَا وَهِيَ تَمَلَأُ عَيْنَيْهَا بِسعَةِ السَّمَاءِ ، قَدْ أَلْقَتْ مِن رُوحِهَا الْبَارِدَةِ الْحَيَاةَ ..!!
جَسَدُهَا الْمُتَنَاثِرِ غَدَا حُرًّا ، يَنْتَشِرُ فِي فَضَاءٍ لَم يَتَّسِع يَومًا لِأَحْلَامِهَا ، وَلَا لِبَدَنِهَا الْمُخْتَنِقِ بِالضوْءِ وَالطَّهَارَةِ ..
صُرَاخٌ يَنفُخُ فِي الْمَدَى خَبَرَ فَتَاةٍ عِشْرِينِيَّةٍ اِنتَشَلَهَا الْقِطَارُ مِن شَلَلِ وَقْتِهَا إِلَى أَبَدِيَّةِ الصَّمْتِ دُونَ أَن تُوَدِّعَ أَحَدًا ..!
تَخْشَعُ الْأَصْوَاتُ إِلَّا مِن حَسَرَاتٍ تَعضُّ عَلى خَبَرِ الْفِراقِ ، وَهِيَ تَمْضُغُ لَحْمَ النَّدَامَةِ الْمُرِّ عَلى رَيْعَانِ الشَّبَابِ الْمَهدُورِ، وَطَاقَةِ الْحَيَاةِ الْمُستَنفَذَة بِالْعَجَلَةِ ..!
يَمُرُّ الْوَقْتُ مُتَّكِئًا عَلى نَبَأِ الْوَفَاةِ ، مُستَجْمِعًا فُضُولَ الْحُشُودِ عَلَى مَنَاقِيرِ الْمَمَرَاتِ ، وَهِيَ تَلْتَقِطُ أَخْبَارًا عَن مَاهِيَّةِ الضَحِيَّةِ ..!
تَقَعُ عَيْنَا سَيِّدَةٍ مُسِنَّةٍ ، وَهِيَ تَمْسَحُ دُمُوعَهَا ، عَلَى هَاتِفٍ نَقَّالٍ قَرِيبٍ تَطَايَرَ مَعَ مَا تَطَايَرَ مِنَ الضَّحِيَّةِ مُلَطَّخًا بِالدَّمِ ، يَدُلُّهَا عَلَيْهِ رَنِينُهُ ، تَتَنَاوَلُهُ فَزِعَةً ، تُجَاهِدُ اِنْهِيَارِهَا ، تَتَمَاسَكُ وَجِلَةً أَن تَفْجَعَ مَن يَتَفَقَّد الْفَتَاةَ ، وَتَتَهَيَّأُ لِلرَّدِ
تُصْغِي لِلْمُتَصِلْ :
آنِسَة ، آنِسَة ” حَبيبَة ”
نَأسَفْ وَبِشِدّة ، نَتَائِجُ التَّحَالِيلِ التِي أَخْبَرْنَاكِ بِهَاكَانتْ تَخُصُّ اِمرَأَةً أُخْرَى ،تَشَابَهَ عَلَينَا الاِسمُ ، نَأَسَفْ لِذَلكَ مَرَّةَ أُخْرَى ..!
تَصطَفُّ حَشْرَجَاتُ الدَّمْعِ فِي حَلْقِ الْعَجُوزِ ..!!
وَيَسْقُطُ الْهَاتِفُ مِن يَدِهَا ، ..
هَلْ كَانَ اِسمُهَا ” حَبِيبَة ” ..؟!
لَقَد اِنطَفَأَ عُمْرُهَا قَبْلَ قَلِيلٍ وَهِيَ تُمْسِكُ بِحُطَامِ شُرُودِهَا
دُونَ أَن تَعِي أَسْبَابَ صُرَاخِنَا عَلَيْهَا ،
فَقَط لَوَّحَتْ أَطْرَافُ فُسْتَانِهَا بِالْوَدَاعِ ، حِينَ حَمَلَتْهَا مَوْجَةُ الْهَوَاءِ ، لِيَزُفُّهَا الْمَوتُ إِلَيْهِ ..!!!
*********************