قراءة نقدية: اليومية بين الامتاع والاقناع.
القصيدة: (” دقاقة المهراس” نموذجا )
الشاعر: حمد حاجي (تونس)
الناقدة : جليلة المازني (تونس)
المقدمة:
يستأنف الشاعر حمد حاجي تدوين يومياته يوما بيوم وهو حريص كما يقتضيه أدب اليوميات على تحديد التاريخ والزمان والمكان.
انها يومية الثالث من رمضان الموافق ل:13 /مارس/2024 عند الخامسة مساء قبل احضار مائدة الافطار.
تدور احداثه هذه اليومية بالقراج و بالبيت.
القراءة النقدية: اليومية بين الامتاع والاقناع.
اختار الشاعرعنوانا ليوميته “دقّاقة المهراس”وهو مركب اضافي وقد جعل الشاعر المضاف اليه( المهراس) فاعلا في يوميته.
والمهراس تستعمله ربة البيت دائما بمطبخها لدقّ ما تحتاجه لاعداد الطعام ولعل القارئ هنا يستحضر قصيدة الشاعر الفكاهي حسين الجزيري (رمضان) والتي يذكر فيها المهراس فيقول:
فرحت بمقدمه بطون الناس///شهر تحنّ لذكره أضراسي
يا للبُريْك ويا للحم حشوه///قد جوّدوه بقوّة المهراس
ويزداد ضجيج دقّ المهراس في رمضان خاصة وقت اعداد ربة البيت لمأكولات الافطار والشاعرقد أحسن تحديد الزمان وهو الخامسة قبل احضار مائدة الافطار وتقريبا قبل موعد الافطار بساعة ونصف .
في هذا التوقيت لم تتحمل سعدى ازعاج جارتها دقاقة المهراس لها فخرجت لتخاصمها.
وتطوّر الخصام الى صياح وصراخ مما جعل زوج سعدى يفيق من نومه ليستطلع الامر فيقول الشاعر:
أفقت…
صياح, صراخ على الباب…
سعدى تخاصم جارتها …بالقراج؟
ويشتدّ الخصام ليتحوّل الى عُنف بين سعدى وجارتها بسبب دقّ المهاريس فيتدخل زوج سعدى لفك الخصام بينهما واستنكاره لما حصل بينهما فيقول: أيا جارتي كيف تختصمان؟
لدق المهاريس.
أوكسر آنية من زجاج؟؟
ان هذه اليومية “دقّ المهاريس” تندرج ضمن أدب الفكاهة والهزل.
والهزل يراد به اللهو بغرض السخرية والجد نقيض ذلك.
ان الشاعر يعتمد الهزل الذي يراد به الجدّ.
لقد جمع الشاعر في يوميته بين قضايا اجتماعية باسلوب هزلي ساخر
تارة ومضحك تارة أخرى ..انه اسلوب يجمع بين الامتاع والاقناع.
لقد كانت القصيدة محكومة بثنائية الظاهر والباطن:
1- الظاهر(جانب الهزل)
ان ظاهر اليومية هزل ليرفّه عن القارئ خاصة في شهر رمضان حيث يعيش الصائم بعض التوتر لحرمانه من كل شهواته أثناء الصوم .
عمد الشاعر الى رسم مشهد كاريكاتوري للخصام الذي حدث بين الجارتين لاضحاك القارئ فيقول:
لقيتهما تحت وفوق.
فهذي تنوء بثقل..
وتلك لأردافها هزّة وارتجاج..
كأنهما قلّاتان على كتف…
جارتي فوق سعدى..
وتضرب بالكرباج
ان الخصام بين الجارتين لا يهضمه الا هذا المشهد الكريكاتوري المضحك.
2- الباطن (جانب الجدّ):
ان مشهد الخصام في ظاهره هزل وضحك ولكن في باطنه جدّ .
ان الشاعر من خلال هذا المشهد يطرح عدة قضايا اجتماعية.
والشاعر أراد تشريك القارئ في التأويل بترك الفراغات النصية (الثلاث نقاط) فجعله قد يثير عدّة قضايا منها :
– ممارسة العنف ضدّ المراة من طرف المراة.(لقيتهما تحت وفوق/ جارتي فوق سعدى/ وتضرب بالكرباج).
وقد يدعم القارئ تأويله بتلك اللوحة التي ضمّنها الشاعر لقصيدته وهي
لوحة الرسام الفرنسي جاك لويس ديفد بين 1796 و1799 وهو يصور ممارسة عنف ضد نساء سايين في عملية اختطاف لهنّ .
– الخصام بين الجيران والحال ان الجار للجار رحمة كما ينصحنا الرسول وخاصة ونحن في شهر رمضان المبارك .
يقول: أيا جارتي كيف تختصمان ؟
لدق المهاريس
او كسر آنية من زجاج؟
– امكانية التعاون بين الزوج والزوجة في اعداد وجبة الافطار.
فحين كانت الزوجة تتعب من أجل اعداد مأكولات الافطار كان الزوج ينعم بالنوم والراحة…يقول الشاعر: أفقت…
صياح وصراخ على الباب…
– علاقة الرجل بالمرأة التي تطغى عليها الشهوة حين شبّه الزوج نفسه بالذئب بين الدجاج والحال ان الصائم ملتزم بالصوم على كل الشهوات. وعلاقة الذئب بالدجاج هي علاقة شهوة الاستمتاع بلحمها فوجه الشبه هو هذه الشهوة المحظورة وقت الصيام خاصة.
فيقول الشاعر: وكنت ولجت كما الذئب بين الدجاج…
ان القارئ كما ندّد ببعض القضايا الاجتماعية المتفشية والتي أوحى بها الشاعر اليه فهو يُشيد بقيمة التسامح بين الجيران والتي جسّدها الزوج.
يقول الشاعر: أيا جارتي كيف تختصمان؟
لدق المهاريس
أو كسر آنية من زجاج.
الخاتمة:
لقد رسم الشاعر حمد حاجي في هذه اليومية مشهد خصام كاريكاتوري بين جارتين فكان ظاهره هزل وباطنه جدّ معتمدا أسلوب السخرية الهادفة والشاعر يعانق في ذلك العديد من الأدباء العرب والادباء الغربيين الذين
جمعوا في أدبهم بين الهزل والجدّ.
أحيّي الشاعر الدكتور حمد حاجي الذي التقط لنا هذا المشهد وقبض عليه ليدونه في يومية الثالث من رمضان.
بتاريخ 14/03/2024






