قراءة نقدية:” ادهاش الشعر”
القصيدة: (“بفستان الحرير” نموذجا)
الشاعر:حمد حاجي(تونس)
الناقدة: جليلة المازني (تونس)
المقدمة:
كعادته يحرصُ الشاعر حمد حاجي على تحديد الزمان والمكان ليومياته .
انها يومية 04/ رمضان الموافق ل14/03/ 2024عند القيلولة بصحن الدار.
لقد صدّر الشاعر ليومية الرابع من رمضان بقولة لجورج باتاي
“أرغب موتا منك
أريد تدميري
في نزواتك المريضة”
لهذا التصدير دلالته النفسية على الشاعرودلالته المعنوية من حيث مغزى القصيدة.
القراءة النقدية:” ادهاش الشعر”.
اختار الشاعر عنوانا لقصيدته “بفستان الحرير” وهذا النوع من اللباس فيه اغراء واغواء وقد يكون لباسا يغري بمفاتن الحبيبة( ولا حسن منها قد احتجبا).
وقد يكون كناية عن الحبيبة الزوجة فقد كنّى عن الجسد بالفستان وكنّى عن نعومة الجسد بالحرير.
لعل هذاما أغرى الشاعر وأغواه وجعله يبوح بنزوة الاشتهاء لحلا واسم حلا له رمزيته الدالة على حلاوة نزوة الاشتهاء.
يقول : وكنت اشتهيت (حلا)
اذ تمرّأمامي
ولا حسن منها قد احتجبا…
ان هذا الفراغ النصي الذي تركه الشاعر قد يجعل المتلقي يعذر الحبيب في هذا الاشتهاء المحْظوروهو في يوم صيام .
يعترف الحبيب بان الهوى غلبه حين ودّ ان يُراودها عن نفسها رغم انه “عند رابع يوم الصيام”.
والشاعر يولي أهمية للقارئ ليثير فضوله فقد يستغرب القارئ من هذا الزوج فقدان عقله ونسيانه دينه عند تغليب هواه وهو في يوم الصيام وقد يذكّره بان الصيام ليس عن الاكل والشرب فقط بل صيام عن كل الشهوات.
وأكثر من ذلك فالمتلقي قد يستحضر مُراودة معاكسة تماما لمراودة الحبيب لحبيبته عن نفسها في يوم الصيام.
انها محاولة امرأة عزيز مصر مراودة النبيّ يوسف عن نفسه (الآية 23/سورة يوسف “وراودته التي هو في بيتها عن نفسه).
والمُراودة هي طلب الفعل وبالتالي دعته الى نفسها ليُواقعها حتى أنها غلّقت الأبواب السبعة و”همّت به وهمّ بها “لولا ان الله انتشله من شهْوانيتها وتعفف ولاذ بالفرار.
والزوجة الحبيبة هنا ترددّ “اللهم اني صائمة
وتهرول هاربة ويح حبي..كفا لعبا…
ان المتلقي بهذا التناصّ المعكوس يرتقي بالحبيبة الى مرتبة النبيّ يوسف ويعتبر المراة كاملة عقل ودين وليست كما تتّهم به في المثل الشعبي السائد بانها” ناقصة عقل ودين” ..انها حافظت على دينها محكّمة عقلها في ذلك .
في المقابل قد يُدين المتلقي الحبيب ويعتبره ناقص عقل ودين بسبب اشتهاء محظور أفقده عقله وأنساه دينه .
ولعل الشاعر قد مهّد لكمال الحبيبة عقلا ودينا حين شبّهها بالآلهة (تسير كآلهة في المدار /وتمشي على الماء تخرق الستر والحجبا…).
وهنا يتدخل الشاعر ليجعل الحبيب يستسلم لامر الحبيبة ويلوذ بالنوم وفي استسلامه اعتراف بموقفين : اما غشّ واما غضب…غشّ لانه لم يكن صادقا في دينه وغضب لانه لم يُحكّمْ عقله فغضب لان الحبيبة لم تستجب لهواه.
وفي الحالتين هواعتراف من الحبيب ان الحبيبة أقوى ايمانا منه وأرجح عقلا منه وفي ذلك ادهاش للمتلقي .والشاعر دعم قوة هذه الحبيبة بتلك اللوحة التي ضمّنها مع القصيدة حيث تبدو المرأة حائرة ومستغربة استغراب الحبيبة من الطلب
المحظورلحبيبها.وبالتالي يسعى الشاعر ان يقنعنا بأنّ المراة فاعلة في الرجل وجدانا وعقلا وعقيدة….ان هكذا مرأة هي امرأة معجزة …انه ادهاش أيضا للمتلقي .
والشاعر يريد “امرأة بيقين النبي الرسول”(النبي يوسف) رجاحة عقل وذوْدا عن دينها ويقينا برسالتها.انه ادهاش أيضا للمتلقي.
وأكثر من ذلك فهي لا تفرّط في حبّ زوجها حين تأتي لتصالحه وتقنعه بحلال موقفها وحرام موقفه واعدة اياه بتلبية رغبته بعد آذان المغرب وهو الوقت الحلال.
واكثر من ذلك وكأني بالحبيب كان ينتظر منها ان تصالحه وان ينعم بحبها كما أرادت في الوقت الحلال(كما الطفل
تبقى تقبلني…
فأفيق وأنسى الكآبة والتعبا..
ان الشاعر في هذه القصيدة يدهش المتلقي بتقاطع ثلاث أجناس أدبية فيعانق الشعرُ السردَ وأدبَ اليوميات.
عادة تكتب اليوميات سردا لما تقتضيه من تحديد الزمان والمكان والشخصيات والاحداث..
ولعل هذا ما جعل يومية الرابع من رمضان تخضع لمقوّمات وأركان السرد من اطار زمكاني وشخصيات وأحداث وحوار ووصف .انه ما يسمّى بتسريد الشعر .
ولعل هذه السردية في القصيدة قد أظفت واقعية على يومية الرابع من رمضان هذه الواقعية التي دعمها الشاعر حين جعل الحبيب الجانح يعود الى واقعيته وعقلانيته ويقتنع بموقف حبيبته ويرضى بالحلال دون الحرام .
الخاتمة:
ان الشاعر حمد حاجي استطاع ان يرسم لنا مشهدا واقعيا بين زوجين حبيبين أثار من خلاله ثنائية الحلال والحرام أثناء يوم الصيام منتصرا فيه الى الزوجة التي استطاعت ان تعيد زوجها حبيبها الى واقعيته وعقلانيته بما في ذلك من ادهاش كما أدهشنا الشاعر أيضا بتقاطع ثلاثة أجناس أدبية وهي الشعر والسرد وأدب اليوميات .
انه أبهرنا بهذا الابداع ثلاثي الأبعاد خدمة ليومية الرابع من يوم صيام
شكرا لثورة قلمه.
بتاريخ 15/03/2024