(راحةٌ بموتِ أمي)
قصة قصيرة
تاليف/ محمدإسماعيل
منذ أن اشتد المرض بأمي والبيتُ لا روح فيه، الضجر يقتلني مِن تحمل أعباء البيت كما لو كنت بين عشية و ضحاها اتخذت مكانة ربة منزل، لا أشقاء لي بالطبع، ولا أستطيع التنصل من خدمة أمي ووالدي، حينما يعود والدي كل يوم آخر النهار من عمله بإحدى المصانع ضجرا عصبيا، إلا وأكون قد جهزت له طعامه، ولأمي أعددت لها حساءها الساخن، بالإضافة لترتيب البيت وتنظيفه، لا مال لدينا لنستأجر خادمة، فالفقر والمرض يقبعان هنا، في بيتنا، وحين يشتد ألم أمي تمد يدها على الكومودينو لتبتلع حفنة من العقاقير التي على إثرها تنام بالساعات، ويعود والدي ليطل عليها وكأنه يتأكد هل ماتت أم لا؟!
وبدا كأنه مبتئس من نومها دون حركة منذ سنة ويزيد، فلا هي حية ولا هي ميتة بالنسبة له.، يدلف إلى حجرته لينام هو الآخر بالساعات، وأظل أنا وحيدا، تحدثني نفسي لأبتلع بدوري بعض عقاقير لكي أنام بجوارهم، وفي وقت لم يكن الوالد فيه نائما يظل أمام المباريات بالتلفاز يسب ويلعن اللاعبين والحكام والجمهور… حتى يسبني معهم ويسب أمي النائمة لاجل غير مسمى، ثم يقوم ليقضي ساعة بالحمام قبل أن يخرج ليسألني: هل أعددت الطعام؟، يقولها بأمر وغلظة تحزنني، أشعر بالأسى على أمي، أتذكر أيام عافيتها وقد كنت حرا من أعباء البيت، أخرُج وأجيء على راحتي، أطلب الطعام فأجده دون عناء، وأجد ثيابي نظيفة مرتبة بخزانتي، أنام وقت أن يطلب جسدي الراحة، أيامٌ مضَت ورحَلت، ورحلَت راحتي مع رحيل صحة أمي، صوت ارتطام الباب ينبهني لقدوم والدي، فأسأله كالعادة: هل اقوم بتجهيز الطعام الآن؟، فيهز رأسه نعم.، لا يبتسم لي إلا حينما أضع الطعام أمامه، أحيانا آكل معه وغالبا آكل وحدي، وأظل طوال الوقت جالسا بجوار أمي، أتأمل وجهها وهي نائمة، وأكثر وقت أشعر فيه بالفرح هو حين تستيقظ وتنادي عليّ لتطلب مني أي شيء، وهذا يسعدني لمجرد أن هناك اتصال بيني وبينها يدل على كونها موجودة بالبيت.، ذات مرة عاد والدي وكان غاضبا جدا، دخل ليطل عليها وكانت مستيقظة لا تتحرك بالطبع، سألها من على الباب وقال: أخيرا صحيتي!
قالت له بحزن: سأنام الآن ثانية.
نظر نحوي وقال: قم وأعد الغداء بسرعة.
نهضت من مكاني، ونظرتْ لي أمي نظرة لا زلت أذكرها كل حين، دمعاتها الهاربة فسرت ما تقوله لي بداخلها، كأنها تقول لي: آسفة يابني.
حينما احتد عليّ والدي ذات مرة لما شعر بضجري وقال: أنت الآن في العشرين من عمرك ويجب أن تتحمل كل شيء بلا ضجر، لولا مرض أمك لما فرضَت عليك الحياة ذلك، ربما ستفرض عليك وسائل للضجر مختلفة، ربما لو ماتت أمك ستجد راحة من كل هذا، حينها سوف أزوجك لتجلب لنا زوجة تخدمنا..، الآن لا أستطيع تزويجك، البيت ضيق وأمك تحتل غرفة وحدها، سأزوجك فيها على الأقل إن انتقلت أمك على سرير افضل في قبرها.
فكرت في كلامه وقساوته وأنا حزين لشد ما يجعلني أتمنى الموت قبل أمي، وتساءلت:
أي زواج هذا إن كنت سأجلب خادمة لا زوجة؟، وأي راحة تلك التي تكون بموت أمي؟!، وأي معنى هذا الذي أعيشه بعد أمي!!
محمدإسماعيل