في مثل هذا اليوم17مارس1901
نشوب معركة الصريف بين الشيخ عبد العزيز الرشيد وأهالي حائل وقبيلة شمر من جهة، وبين الشيخ مبارك الصباح والأمير عبد العزيز بن سعود وغالبية قبائل الجزيرة العربية من جهة أخرى.
معركة الصريف هي معركة حدثت في 17 مارس 1901 بين إمارة الكويت و إمارة جبل شمر في الصريف شمال شرق بريدة، انتهت المعركة بانتصار جبل شمر بقيادة عبد العزيز المتعب الرشيد.
الأسباب
بعد معركة المليداء في 1891 وانهزام أهل القصيم من محمد العبد الله الرشيد، وانهزام عبد الرحمن بن فيصل بن تركي آل سعود في معركة حريملاء، انتقل عبد الرحمن بن فيصل آل سعود إلى الكويت، وبقيت أسرة آل سعود في الكويت، وأجرى الشيخ مبارك الصباح مرتبًا لعبد الرحمن بن فيصل آل سعود مقداره 30 ريال.
وتعد إجارة الشيخ محمد الصباح أمير الكويت في ذلك الوقت من الأسباب التي أدت إلى نشوب الحرب بين الكويت وإمارة آل رشيد، وكان عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود يرغب في استعادة إمارة نجد من آل رشيد، وكان يطلب معاونة الشيخ مبارك الصباح، حيث كان يطلعه على الرسائل التي كانت تصله من أكابر نجد ووجهاؤها وعلى الأخص آل الشيخ من ذرية محمد بن عبد الوهاب الذين كانوا يحثونه على استرجاع مجد آباءه ويخبرونه بأن أهالي نجد معه، فتعاهد الشيخ مبارك الصباح وعبد الرحمن بن فيصل آل سعود على أن يكونا يدا واحد على ابن رشيد.
ومن الأسباب التي أدت إلى نشوب المعركة أيضًا هي استضافة عبد العزيز بن متعب الرشيد لأعداء الشيخ مبارك الصباح مثل يوسف الإبراهيم، وكان عبد العزيز بن متعب الرشيد يتلقى التحريضات من الدولة العثمانية بعد توقيع الكويت لاتفاقية الحماية مع بريطانيا في 1899.
وكانت العلاقة بين الكويت وإمارة آل رشيد في عهد محمد العبد الله الرشيد تشهد توترًا، وبخاصة بعد تولي الشيخ مبارك الصباح السلطة، حيث طمع محمد العبد الله الرشيد إلى السيطرة على الكويت لتكون منفذه البحري والاستفادة من موقعها الإستراتيجي، وظهرت أهمية الكويت بالنسبة لنجد عندما أغلق الشيخ مبارك ميناء الكويت في وجه ابن رشيد مما جعل إمداده بالسلاح والعتاد والذخائر من الدولة العثمانية التي أبدى لها الطاعة والإخلاص حتى توثقت بينه وبين السلطان عبد الحميد أواصر المودة، حيث كان ابن رشيد يقدم للسلطان الخيول العربية الأصيلة، والسلطان يغدق عليه بالذهب والسلاح الذي يحتاج لوقت طويل حتى يصل نجد، وعندما استلم عبد العزيز بن متعب الرشيد الحكم، أخذ يتطلع إلى توسيع نفوذه لتشمل الكويت وكسر عزلة حائل الجغرافية وبسط سيطرته على ميناء الكويت.
كانت هناك غارات تحدث ما بين عبد العزيز بن رشيد وسعدون باشا شيخ المنتفق حليف الشيخ مبارك، وبعد معركة تل اللحم تراجع سعدون باشا داخل الأراضي التركية لكن مالبث أن كسر ابن رشيد في معركة تليل الجبارة، مما منع قبائل شمر من دخول المنطقة الممتدة من أعالي النجف وحتى الكويت. ومن ثم قرر ابن رشيد إرسال قبائل شمر للإغارة على بادية الكويت، فأعد الشيخ مبارك جيشا ليقطع الطريق على ابن رشيد، فقام بتقسيم الجيش إلى قسمين، القسم الأول برئاسته وسار إلى الزبير في تاريخ 29 أكتوبر 1900، والقسم الثاني الذي ضم العديد من الخيالة فقد قاده أخيه حمود الصباح وابنه سالم المبارك الصباح لمهاجمة سلطان الدويش حليف ابن رشيد[بحاجة لدقة أكثر]، وساروا على طريق جريشان يبحثون عن ابن رشيد في السماوة، وقد التقى الجيش الثاني بابن رشيد، لكن حمود وسالم عندما شاهدا نيران جيش ابن رشيد ليلا قررا أن لا قدرة لهم على كسره فغيرا مسيرهم إلى قبائل شمر التي هي ثلث قوات ابن رشيد المحاربة وركن قوي من أركانه وكانوا على آبار الرخيمة، وهناك فتك الجيش الكويتي بشمر وأخذ الكثير من أموالهم وأبلهم وأغنامهم، وعندما عادت فلول الجيش إلى ابن رشيد وعلم بأن جيش الكويت قد اجتمع ثانية، وهجم ابن رشيد على سعدون باشا وقواته فغلبهم وقتل الكثير منهم ثأرا من معركة تليل جبارة.
وكان مبارك الصباح قد علم بأنه إذا عادت إمارة نجد إلى حلفاءه آل سعود فستحتمي الكويت وأطرافها وتنقطع عنها الغارات، حيث تأثرت الكويت اقتصاديا وانقطعت التجارة البرية وتوقف دورها كمحطة لحجاج فارس والعراق لعدم وجود من يحفظ السبيل لهم عبر نجد إلى مكة في الوقت الذي بدأت الكويت فيه تعاني من ضائقة التدهور الاقتصادي الذي طرأ عليها نتيجة غارات شمر المستمرة.
موقف بريطانيا من تحرك مبارك الصباح
عندما تحرك مبارك الصباح لحشد قوات كبيرة لمهاجمة ابن رشيد في عقر داره في حائل بدأت بريطانيا بالتحرك لمنع وقوع اضطرابات في الجزيرة العربية يمكن أن تدفع بريطانيا للمواجهة مع الأتراك، حيث قام الكولونيل كمبول بإرسال تقرير في 3 ديسمبر 1900 حول الوضع في الكويت تنبأ فيه بأن كلا من ابن رشيد ومبارك الصباح لن يظلا ساكنين وأنهما سيستأنفان القتال في وقت قريب، وكان من المشكوك فيه كما بين التقرير ما إذا كان ابن رشيد سيتقبل ما لحق به من إهانة وتجريح، وفي 10 ديسمبر من نفس العام أرسل كمبول رسالة إلى الشيخ مبارك قال فيها: يبدو لي أنك تنتهج سياسية خطرة بمواصلة استفزاز أمير نجد، ومرة أخرى أنصحك بالتزام الهدوء، وقد تم إعلام الشيخ مبارك بأن الحكومة البريطانية لن تعطيه مساعدة على شكل بنادق لتمكينه من تنفيذ خططه شبه الحربية ضد ابن رشيد، ولكن تلك التحذيرات لم تجد أذانا صاغية من قبل مبارك الصباح حيث كان يعرف بأن بريطانيا لا يمكن بأن تمنعه فيما يقدم عليه لمواجهة ابن رشيد في عقر داره، وحتى وإن كان بينه وبينهم معاهدة، وبعث بعد ذلك وزير خارجية بريطانيا رسالة إلى نائب الملك في الهند يقول فيها بأنه من المرغوب تجنب تجدد القتال بين مبارك الصباح وأمير نجد، وينبغي على كمبول أن يزور الكويت لينصح الشيخ بتجنب الحرب، ويرد نائب الملك بأن الرسالة أبلغت ولكن مبارك الصباح لم يلتزم بها، حيث كان رد الشيخ مبارك الصباح حازمًا وواضحًا حين قال: طالما استمر يوسف بن إبراهيم من ابن الرشيد في نجد فهو (أي يوسف) لن يلتزم بالهدوء بل سيحرض ابن الرشيد لمهاجمة الكويت ولذلك ليس من الحكمة بأن يقبع في الكويت بل عليه أن يتقدم لحماية قبائله.
حشد القبائل والأسلحة:
مارس مبارك الصباح التصعيد العسكري ضد ابن رشيد، حيث استخدم وسائل الحرب بصورة تضخم وقعها على العدو، حتى بلوغه الهدف، والغاية تكون إستراتيجية يتم إلى جانب السلاح استخدام وسائل سياسية واقتصادية ومعنوية، ومن ذلك أنه كان يصرح بالتهديد ويعلن الحرب كما فعل عندما أبلغ جميع القبائل التي تتبعه أنه يساعد عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ضد ابن رشيد، وأنه أرسل سرية بقيادة حمود الصباح وأغارت على شمر في الرخيمة، وقد رأى مبارك الصباح بأن الوقت مناسب لمعالجة ابن رشيد بمعركة قوية خاصة أن ابن رشيد قد خرج لتوه من المناوشات التي حدثت بينه وبين سعدون باشا في الخميسية وتل اللحم وغيرها من المعارك وبعد أن هزمه سعدون باشا في الخميسية وتليل الجبارة.
وقد كان مبارك الصباح يعلم بأنه إذا ترك ابن رشيد ولم يحاربه فإنه سيقوم وبتحريض من يوسف الإبراهيم بمهاجمة الكويت عاجلًا أم آجلًا، وأن خروج مبارك الصباح لملاقاته سيسقط هيبته أمام أهل نجد وغيرهم، وكان مبارك الصباح منهمك في إعداد العدة للحرب، فكتب يستدعي حليفه سعدون المنصور من العراق، فلما علم ابن رشيد، أرسل رسولا هو سالم بن حمود الرشيد يطلب من سعدون البقاء على الحياد، فلم يرض سعدون باشا بذلك بل رفض الحياد وصمم على الحرب بجانب آل صباح، لأنه كان قد عقد اتفاقا بالصداقة والوداد مع آل صباح وآل سعود، فما أمكنه نقض الاتفاق ، بينما رفض جعيلان بن سويط شيخ الظفير الإنضمام إلى التحالف ضد ابن رشيد.
ولما سمع الشيخ خزعل الكعبي صديق مبارك الصباح بما عزم عليه من دخول الحرب مع ابن رشيد، أرسل إليه مدفعين رشاشين وكتب إليه كتابًا يحذره فيه من خصمه وينصحه بأخذ الاحتياطات اللازمة، وأن يتوثق من إخلاص عشائره ويحمل معه الأسلحة الكافية والمدافع الخفيفة، وقام مبارك الصباح بشراء كميات كبيرة من بنادق مارتيني الإنجليزية من البحرين، وأما الكويت، فقد كانت الاستعدادت تجري على قدم وساق عندما أمر مبارك الصباح عبد الله الهاجري بجمع المقاتلين للمعركة القادمة، وتم تجميع المقاتلين من أهل الكويت الذين استجابوا للنداء، وليبقى في الكويت أصحاب الأعذار أو من يعول عليه أهله ومن يدافع عن المدينة.
حشد مبارك الصباح حوالي عشرة آلاف مقاتل تقريبا، منهم 1200 من أهل الكويت، وانضمت عدد من القبائل إلى صفوف الجيش الكويتي، وكان لوجود الكثير من القبائل بأمرائها وفرسانها المشهورين في ذلك دافعًا للقبائل الأخرى للانضمام للقبائل الأخرى عسى أن تظفر بغنيمة كبيرة هي شبه مضمونة في نظرهم، نظرا لكبر حجم هذا الجيش. وكان انضمام هذا الحشد الكبير تحت إمرة مبارك الصباح له معاني كبيرة من أهمها محبة الناس لعبد الرحمن بن فيصل آل سعود وابنه عبد العزيز الذين كانا ضمن هذا الحشد، واصطحب مبارك الصباح أخوانه وأولاده حمود الصباح وخليفة الصباح وصباح بن حمود الصباح وجابر بن فاضل الصباح ومحمد بن سالم الجراح وسلمان بن حمود السلمان وترك ابنه جابر المبارك الصباح في الكويت ليحل محله فيها.
كان الأمير عبد العزيز المتعب آل رشيد عازماً على غزو الكويت، فقد طلب من العثمانيين تزويده بالسلاح، وتم الاتفاق معهم على أن يتم تزويده بالأسلحة من خلال موانئ قطر، وكانت قطر تحت سلطة آل ثاني الذين كانوا على وفاق مع الأمير عبد العزيز المتعب، فأرسل لهم الأخير رسالة بخصوص وصول شحنات الأسلحة من العثمانين، إلا أن المندوبين حاملي الرسالة قد قبض عليهم مبارك الصباح قبل وصولهم فقطع الإمداد العثماني عن ابن رشيد.
خط سير الحملة
سار جيش مبارك الصباح من الكويت إلى روضة التنهات في وسط نجد ومنها افترق قسم من الجيش وتوجه جنوبا إلى الرياض في حين توجهت القوات الرئيسية إلى القصيم وفي تلك الفترة قام مبارك الصباح بإرسال رسائل إلى حلفاؤه، واستغرقت مسيرة الرسائل عشرة أيام، واستلم سعدون باشا رسالة مبارك الصباح، وتحركت بعدها قوات المنتفق.
الاستيلاء على الرياض
انفصل عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود عن القوات الرئيسية وتوجه إلى جنوبا إلى الرياض حيث تمكن من الاستيلاء عليها دون قتال بسبب ميل أهل الرياض إليه إلا أنه لم يستطيع الاستيلاء على قصر المصمك الذي اعتصم به حاكم الرياض فحاصره.
امتناع المجمعة
سار الجيش الرئيسي إلى المجمعة والتي رفض أميرها تسليمها لمبارك الصباح حتى تتضح الأمور بين مبارك الصباح وابن رشيد فتركه مبارك الصباح وشأنه وتحرك الجيش.
الاستيلاء على الزلفي
تمكن الجيش الرئيسي من الاستيلاء على الزلفي صلحًا.
الاستيلاء على مدن القصيم
تمكنت القوات الرئيسية بقيادة الشيخ مبارك الصباح من الاستيلاء على مدن القصيم بريدة عنيزة دون قتال وأسند الحكم في عنيزة إلى عبد الله بن زامل من آل سليم وفي بريدة وأسند الحكم فيها إلى ناصر بن الشيخ حسن أبا الخيل، وجاء أكابر أهل القصيم، فأكرمهم مبارك الصباح.
المعركة
بعد الانتصارات التي حققتها الحملة أرسل الشيخ مبارك إلى ولده جابر الذي كان قد استخلفه لإدارة شؤون الكويت يبشره بنصره الذي أحرزه ويطلب منه إمداده بالمعدات والأسلحة، وقال مبارك الصباح: «فتحنا نجد دون قتال ورتبنا فيها من قبلنا على بلدة عنيزة عينا ابن زامل وعلى بلدة بريدة ناصر بن شيخ حسن أبا الخيل وبعد ذلك قصدنا التوجه على بلدة حائل وجبل آل رشيد ولا فيها سوى حمود العبيد وهو رجل عاجز وقد أخذه الكبر وليس عنده قوة لمقاومتنا وبقوة الباري أن الله ينصرنا ونرميه في بير عميه، وهذا ما جرى وقد بينا لكم وأرسلوا لنا أربعين بعير أسلحة مع جيخانه ولا تكونوا بأدنا فكر، حيث أننا إن شاء الله المستقبل خير من الماضي».
وكتب مبارك الصباح في رسالته أيضا «إن أولاد حمود الذين هو أولاد عم عبد العزيز الرشيد أتوا إلينا يلتمسون الصلح ويعتذرون إلينا من أفعال عبد العزيز بن رشيد وأنهم مختلفون معه وأنهم غير راضين عن عمله، ويقولون إن الإمارة لهم بعد محمد بن رشيد لكنهم سامحوه، وأنهم لا يودون إثارة الفتن بين بين مبارك الصباح وبينهم» وأنهم طلبوا الصلح فاشترط الشيخ مبارك عذرهم وأكرمهم وأنه مخيم في القصيم بانتظار وصول الشيخ سعدون، وأنه لولا الوعد فيما بينه وبين الشيخ سعدون للقاءه في القصيم لتحرك بجيشه نحو حائل للاستيلاء عليها.
وقام مبارك الصباح بإرسال هذه الكتاب مع أحد خدمه وأمره بإيصاله إلى ولده جابر في الكويت وأوصاه بالتحفظ والتكتم لكي لا ينكشف أمره لأحد، وبعد مسير ذلك الرجل بيومين صادفه الشيخ سالم الجتياب بن طوالة شيخ عشيرة الأسلم من شمر في الطريق، فاشتبه في أمره فأمر بتفتيشه فعثر على كتاب مبارك الصباح فاندهش بذلك وأمر بإرساله مع الكتاب حالا إلى عبد العزيز بن رشيد، فعندما وصله الكتاب وكتاب محمد بن عبد الله البسام حتى عاد إلى بلاده وجهز جيشًا كبيرًا يبلغ تعداده ما يقارب العشرة آلاف مقاتل، وأمر بجمع الجيوش في عين بن فهيد، وانضم إلى جيش ابن رشيد مجموعات كبيرة من قبيلة قحطان وبعض أهالي نجد، وكان فهد الشعلان ومن معه من قبائل الرولة والذين نزلوا ضيوفًا لدى ابن رشيد قبل المعركة ومعه أيضًا جماعات من القصيم ويقدر عدد الفرسان في جيش ابن رشيد بثلاثة آلاف فارس عدا الهجانة والمشاة، وقد قام يوسف الإبراهيم بتزويد الجيش بألف بعير وعشرة آلاف ليرة عثمانية.
تجمعت جميع القبائل المتحالفة مع مبارك الصباح في يوم 6 مارس 1901 في بريدة ، وتحرك جيش ابن رشيد ونزل في محل يدعى فيلة الأسياح بحد الصريف، ونصب خيامه هناك، وتعمد عبد العزيز الرشيد التأخر في مواجهة خصمه إما لأنه أراد أن ينهكه ويجره إلى ميدان معركة مناسب أو لأنه شعر بضعف قوته أمام ذلك الحشد الكبير فرأى ألا يندفع في رد الفعل قبل أن يضمن لقواته مددا في العدد والعدة سواء من الدولة العثمانية أو من شيخ قطر، إلا أن لم يتلق مساعدة من كلا الطرفين، وقد اتصل ابن رشيد بالدولة العثمانية لمساعدته ضد أعداءه ولكنها تأخرت في نجدته، وتم القبض على ثلاثة أشخاص يحملون رسالة من ابن رشيد إلى شيخ قطر يطلب منه المجيء للمساعدة حيث سلموا للشيخ مبارك الذي قرأ الرسالة المذكورة وأمر بإرسالها للكويت، وفي ليلة 25 ذي القعدة 1318 هـ الموافق 16 مارس 1901 عقد مبارك الصباح اجتماعا مع شيوخ القبائل المتحالفة فأشار إلى بعضهم قائلا: «أرسلوا بيرق أو اثنين يقضي عليه» فقال أحد الجالسين: «أنتم لا تعرفون ابن رشيد، والله سيصبحكم غدًا صباحًا» فقال مبارك الصباح: «يخسأ».
وفي يوم 17 مارس 1901 تحرك جيش مبارك الصباح عندما علم بوجود جيش ابن رشيد في الصريف، ووصلوا إلى مكان يقال له قصير الطرفية، وقد قام حمود الصباح أخ مبارك الصباح بأمر الجيش بالاستعداد للحرب.
المكان
وتقع الصريف في مكان بالقرب من بلدة الطرفية إحدى ضواحي مدينة بريدة في منطقة القصيم، وقد حدد الباحثون وصف مكان المعركة كالتالي:
مخيم ابن رشيد كان في وادي أبو مساجد في الجهة الشمالية من الصريف.
مخيم ابن صباح في قويرة الحاكم في الجهة الشرقية من الصريف.
ابتدأت المعركة من مخيم ابن صباح وبدأ جيشه بالتراجع حتى وصل الصريف، وفيه انهزم جيش ابن صباح وتشتت.
الزمان
من المقارنة بين كتابات المؤرخين وشهادات الشهود توصل الباحث خالد بن سليمان الخويطر في كتاب (كون الصريف: دراسة تاريخية شاملة لوقائع معركة الصريف) إلى أن المعركة “وقعت يوم الأحد 26 ذي القعدة 1318هـ الموافق 17 مارس 1901م. وذكر أن المصادر تجمع على أن القتال توقف مع غروب الشمس، “أي أن القتال قد استمر أكثر من خمس ساعات متواصلة، حيث بدأ قبل الساعة الواحدة ظهراً تقريباً، وامتد إلى الساعة السادسة مساءً تقريباً.
الأسلحة والأساليب القتالية
استخدمت في معركة الصريف العديد من الأسلحة والأساليب الحربية التقليدية، ومن الأسلحة البنادق: المارتيني والموزر، وبنادق الموزار الأمريكية التي تُسمى شعبياً (وراور)، والصمعاء وهي نوع من بنادق المارتيني، والمسدس ويسمى (الفرد) ويجمع على (فرود). كما استعملت أسلحة تقليدية منها السيوف، والدروع، و(الكلينك) وهو سلاح أبيض يشبه المطرقة ولكنه كبير الحجم.
واستعلمت في الصريف أيضاً المدافع النارية الرشاشة، وفي تلك الفترة ظهر المدفع الرشاش (المترليوز) المعروف شعبياً بـ (مطر اللوز)، وكان الشيخ مبارك الصباح يدرك أهمية هذا المدفع، فسعى للحصول عليه قبل حملة الصريف.
المسيوق:
المسيوق من الأساليب الحربية التقليدية التي استخدمت في معركة الصريف، وهي إبل مدربة على الهجوم، بلا ركاب على ظهورها، وتُطلق بأعداد ضخمة على العدو أمام الجنود والخيالة المهاجمين لتكون لهم جنة عن الرصاص. ولم يكن عبد العزيز المتعب الرشيد ليدخر أي وسيلة لهزيمة خصومه، فأخذ بكثير من الأسباب من بينها المسيوق، وكانت هذه العادة الحربية قد استقرت تقاليدها في جيشه، وأصبح جيش ابن رشيد يستخدمها بمثابة سلاح المدرعات الكاسح.
المعركة
في صباح يوم 17 مارس 1901، قام ابن رشيد بأداء رقصة العرضة الحربية، وقام كل واحد منهم بتوديع صاحبه وأخيه حيث لا يعلم أحد إن كان سيرجع أم لا، وكان ابن رشيد يود أن يؤخر الحرب ليوم آخر، وقام بإرسال مجموعة من الخيالة عدتهم الرماح من أبناء حمود العبيد الرشيد والطلال، وهجموا على جيش مبارك الصباح، فقابلهم جيش ابن صباح بإطلاق الأعيرة النارية من البنادق وانكسروا، فلما رجعوا إلى ابن رشيد قال لهم: وأنا أخو صلفة اكسروكم. فردوا عليه: يا طويل العمر لم نجد خيالة رماح لقينا أهل بنادق بواردية. فقال ابن رشيد: يا الله زملوا وحطوا ردايف وسوقوا المسيوق.
وفي ذلك الوقت وصل مئة وخمسون فارس من قبيلة شمر والتحقوا بجيش ابن رشيد وطلبوا الإذن بالقتال فقال لهم بعض رؤساء جيوشه اصبروا علينا حتى نشرب القهوة ونهجم جميعا فإما لنا وإما علينا. فلما سمع ابن رشيد هذا القول وعلم المسبب لتأخير القوم عن الهجوم هو شرب القهوة أمر أن تقلب أواني القهوة ويراق ما فيها على الأرض وقال لهم: من يريد أن يشرب القهوة فهذه قهوة عدوه قريبة منه. عندئذ هبّت القبائل وعزمت على القتال فمنعهم ابن عبد العزيز الرشيد من ذلك وأمرهم ألا يكون ذلك إلا بعد تقديم المسيوق، فأحضرت المسيوق هناك طلب عبد العزيز الرشيد أن يتقدمها بعض الفرسان فتطوع سالم ومنها ولدا حمود العبد الرشيد وعبد الله السبهان العلي ورئيس عشيرة قحطان. وأبى عبد العزيز الرشيد أن يتقدم عليه أحد وقال: لا يتقدم إلا أنا فإما أن أقتل أو انتصر فإن قتلت فإني فداء لكم (يعني شمر ومن معها). فاستل سيفه ووضعه على كتفه ثم لبس رداءً أحمرًا واعتم بعمامة حمراء حتى يتميز في القتال ونشر ذوابتيه على كتفه ثم اتجه إلى فهد الشعلان ومن معه من مشايخ الرولة وقال لهم: أرجوكم عدم خوض المعركة لأنكم ضيوف لدينا ونحن نكفيكم ذلك فإن دارت الدائرة علينا فإنكم أولى بمالنا وحلالنا. فعندما سمعوا هذا الكلام أخذتهم النخوة فقام الشيخ فهد الشعلان وحث جماعته على الاشتراك في القتال ومساعدة عبد العزيز الرشيد.
وفي تلك الأثناء وفي جيش مبارك الصباح، وعندما أصدر مبارك الصباح أمره بالهجوم، قام حمود الصباح أخ مبارك وأخذ يتكلم وقال: يا عيال يا عيال يا عيال حمروا العيون ساعة منقضية أنتم في ديرة ابن رشيد والله لن يترك أحدا منكم حيا إذا انكسرتم، يا عيال يالطيبين تكفون. فقام البلاجي وقال: إياكم أن تركضوا وتسرعوا في المشي وتندفعوا بغير هدى تمهلوا وامشوا على هونكم. أي أثناء الهجوم، ولكن القوم لم يسمعوا الوصية، ولما بدت طلائع خيل ابن رشيد استبشروا بها لأنهم يعتقدون أن النصر لا محالة لهم لكثرتهم فأخذوا يركضون لملاقاة العدو بلا نظام ولا تدبير.
عندما ظهرت مسيوق ابن رشيد أمام جيش ابن صباح، بادرهم الجيش بإطلاق النار على المسيوق، حيث كان مبارك الصباح قد أوصاهم ببدء الحرب من ظهور المسيوق، حتى تلاحم الجيشين وتدانا بعضهم ببعض، وبرز فعل تركي بن محيا وجماعته الذي لم ينساه ابن رشيد بعد الصريف وكانت بوادر الهجوم تشير إلى انتصار جيش مبارك الصباح ، وكان جيش مبارك الصباح قد وصل إلى معسكر ابن رشيد وتمت هزيمة خيالة جيش ابن رشيد عدة مرات وكانت بوادر النصر لجيش مبارك الصباح واضحة، وحول ابن رشيد هجومه من الوسط إلى الأطراف والتي سرعان ما انهزمت وتركت مواقعها ، وقد كانت الرياح ضد جيش ابن صباح وأثارت الرياح الزوابع والعواصف الرملية، وأخذت القبائل المشتركة في جيش مبارك الصباح بالانسحاب ، وقد قتل حامل بيرق جيش مبارك الصباح عبد الله المزين، وحمله بعده ابنه إبراهيم المزين الذي جرح، فقام بغرز البيرق في الأرض، وفي تلك الأثناء سمع صراخ رجل يقول: الكسيرة الكسيرة، وقد صمد أهل الكويت الحضر في المعركة لخمس ساعات متواصلة بعد أن سرت الهزيمة في صفوف جيش مبارك الصباح، ، أما مبارك الصباح فقد اضطر إلى ترك مخيمه معه سلطان الدويش ولحق به سعدون باشا وبنوه عقاب وهزاع بن عقاب، وفي تلك الأثناء ثبت حمود الصباح في أرض المعركة، وصاح قائلا: رد يا سالم النشامى النشامى، ولا أحد يجيبه فقد انكسر الجميع.
حال جيش مبارك الصباح بعد المعركة:
بعد أن انتهت المعركة، هطلت الأمطار بشكل غزير، وكان جيش ابن رشيد يلاحق فلول جيش مبارك الصباح ، ومنهم من وصل إلى بريدة وتم تحذيرهم من أن جيش ابن رشيد يأخذ الكويتيون كأسرى، وقام بعد الناس بإرسالهم إلى عنيزة ، وقد كانت الأمطار في ليلة المعركة وسيلة لنجاة بعض الكويتيين ، وقام بعض أهالي عنيزة بإيوائهم ودلهم على الطريق ، وقد كان ابن رشيد قد أمر بقتل كل من يؤوي كويتيين معه.
وكان عدد المشاركين في المعركة من أهل الكويت 1200 مقاتل، لم يرجع منهم إلا 150 مقاتل، وعدد الذين قتلوا من جيش مبارك الصباح يتراوح ما بين 2000 إلى 3000 مقاتل، ومن بين القتلى حمود الصباح أخ مبارك وابنه صباح بن حمود الصباح وخليفة بن عبد الله الصباح وعبد الله السعدون شقيق سعدون باشا، والقتلى من جانب ابن رشيد كانوا حوالي 400 مقاتل ، منهم طلال أخ ابن رشيد واثنان من أبناء عمومته سالم ومهنا ابني حمود وبعض أخواله.
وكان مبارك الصباح عندما شعر بالهزيمة واقعة لا محالة غادر أرض المعركة برفقته سلطان بن فيصل الدويش، وقد ذهب إلى الصمان عند قبيلة مطير، ولما وصل مبارك الصباح إلى الكويت لم يكن معه إلا اثنين من خدامه وكان ذلك في يوم 31 مارس 1901 وكان يصادف أول يوم لعيد الأضحى، وكانت الأخبار قد سبقته بهزيمة جيشه وسقوط أعداد كبيرة من القتلى من أبناء الكويت، وقد سبقه أحد أتباعه وهو قرينيس بن كعمي، وروى لأهل الكويت ما جرى لجيش الكويت.
اوضحت نتائج المعركة لسعدون باشا بن منصور مدى قوة إمارة حائل وضعف التكتلات المناهضة لها، لذلك سعى الطرفان إلى المهادنة بينهما وبما لا يؤثر على حقائق القوة التي يمتلكها كليهما كل في اقليمه ومنطقة نفوذه.!!