قراءة نقدية : اليومية بين القصيدة واللوحة (الزوجة الممسوخة).
اليومية:06 رمضان او ميراث(باتريشيا بيتشنيني)
اليومية:”رفقا بالقوارير”
الشاعر :حمد حاجي(تونس)
الناقدة: جليلة المازني(تونس)
المقدمة:
يستأنف الشاعر حمد حاجي يومياته ليدوّن لنا اليوم يومية السادس من رمضان او ميراث(باتريشا بيتشنيني).
ترى ماذا ستحمل لنا هذه اليومية من جديد في هذا التاريخ؟
القراءة النقدية: اليومية بين القصيدة واللوحة(الزوجة الممسُوخة)
كعادته حدد الشاعر الزمان والمكان فكان السادس من رمضان الموافق ل:17/03/2024 وعلى الطربيزة ..مع آذان المغرب.
والطربيزة كلمة أصلها يوناني ويقابلها طاولة بالفصحى.وبالتالي هي طاولة الافطار عند آذان المغرب.
اختار الشاعر عنوانا ليومية السادس من رمضان “رفقا بالقوارير”
وهذا العنوان يتناص مع حديث الرسول “رفقا بالقوارير”.
لقد شبه الرسول النساء بالقوارير كناية عن ضعف بنيتهن ورقتهن ولطفهن ومن صور الرفق بالزوجة تحقيق رغباتها والترفيه عنها وتلبية طلباتها المباحة وكذلك الاستماع اليها وقد قال الرسول”انما النساء شقائق الرجال ,ما أكرمهن الا كريم وما أهانهن الا لئيم”(رواه الترمذي وابن ماجة).
والكرم يكون في الطباع فالكريم من يكرم أهله وزوجته.
ان الشاعر قد ورث عن أبيه حكمة الرسول في الرفق بالنساء واكرام الزوجة ..هذا الكرم الذي تجسّد في تقديم هدية لزوجته في مثل هذا اليوم
يقول الشاعر:
وعادة أمي اذا ما أتى سادس الشهر
يهدي لها والدي قصة من قماش وما كتب…
وعلى سنة الوالدين…لسعدى سلكت لسوق القرى سببا.
والشاعر كان رومنسيا ومرحا في تقديم الهدية لسعدى فيقول:
وجئت وأغمضت عيني سعاد.
وقلت افتحي…
هاك قارورة العطر والذهب.
والزوجة باعتبارها زوجة عربية تعشق هدية الذهب فرحت بها والزوج يراقب حركاتها وهي تتأمل الهدية مما أنساه زجاجة العطر التي سقطت وانسكب مافيها من عطرمما أثار غضب الزوجة التي لم تهدأ رغم محاولة الزوج تهدئتها.
ان الشاعر ختم بقفلة كسرت أفق انتظار القارئ وانتهكت حرمة هذه المناسبة السعيدة التي ورثها الزوج عن أبيه وأفسدت عليه فرحته حين تحوّل الحديث من قارورة العطر وما ترمز اليه من جمال عطر الحياة الى الحديث عن قارورة الغاز التي قد ترمز الى الاختناق وحتى الموت..
انها مفارقة عجيبة جعلت المناسبة السعيدة تنقلب من الضد الى الضد.
واكثر من ذلك فقد حمّله حمل قارورة الغاز ارضاء لها تعبا في ظهره.
ان الشاعر كما دأب دائما على ايلاء أهمية للقارئ بمنحه فرصة التاويل من خلال تلك الفجوات النصية (الثلاث نقاط) التي تركها له.
ان القارئ قد يستحسن من الزوج اتباع سنة الوالدين في هكذا مناسبة لانها تحرّك مشاعر الحب بين الزوجين وقد تحْيي ما قد فتر من علاقتهما.
كما ان القارئ قد يندّد بنكران هذه الزوجة جميل زوجها التي نسيت هدية الذهب واغتاظت من فقدان قارورة العطر وهاجت وماجت بل وصلت حدّ الانتقام منه بان أتعبته بحمل قارورة الغاز ليأتيها بها .
ان بين قارورة العطر وقارورة الغاز مفارقة عجيبة تعيدُنا الى عنوان اليومية”رفقا بالقوارير”
فاذا كان الرسول كنّى عن النساء بالقوارير لصيانتها والمحافظة عليها ومن ذلك اكرام الزوجة والزوج هنا قد أكرم الزوجة بتقديم هدية لها.
وشاء ان قدّر الله ما قدّر من فقدان الزوجة لقارورة العطر.
ولكن فوز الزوجة بالذهب لم ينفع معها ما كسبته لينسيها فيه مافقدته خاصة وان الزوج قد أغدق عليها من معسول الكلام لتهدئتها لكنها لم تراع كل ذلك بل وانتقمت منه.
وبالتالي:- هل ان عنوان اليومية يخفي تهكّما ؟
– هل ان الشاعر يُضمرُ العلاقة المتضادة بين قوارير العنوان وقارورتي العطر والغاز في آخر اليومية؟
– هل ان فعل الجميل للزوجة يُقابل أحيانا بنكران الجميل من طرفها؟
– هل يمكن الحديث في هذه اليومية عن المثل الشعبي الذي سجّلته لنا الذاكرة الشعبية “جزاء السنمّار”؟ ولكن بين حديث الرسول والمثل الشعبي بون شاسع.
لعل الشاعر قد دعم موقفه من هذه الزوجة بتلك اللوحة التي صاحبت القصيدة(اليومية) والتي جمع فيها بين ملامح بشرية وملامح حيوانية تجسّد ما اجتمع في نفسية الزوجة من اساءة.
كأني بالشاعر قداختار هذا الكائن غير البشري قردة في ملمح امرأة تجسيدا لازدواج شخصية الزوجة البشعة والشرسة.
ولعلني لا أكون أبالغ حين أقول بان الشاعر بادراجه لهذه اللوحة (للرسامة والنحاتة الاسترالية” باتريشيا بيتشينيني”) قد مسخ الزوجة عقابا لها الى قردة بما تتصف به القردة من بشاعة وشراسة ورائحة كريهة
وهي صفات قد جمعت بينها هذه الزوجة الناكرة للجميل.
الخاتمة:
ان الشاعر حمد حاجي قد رسم لنا صورة واقعية لزوجة ناكرة للجميل ودعم هذا الواقع بالمتخيل بتضمين يوميته القصيدة بتلك اللوحة للرسامة والنحاتة المعاصرة الاسترالية “باتريشيا بيتشينيني” هذه اللوحة التي جمعت كائنا بشريا مع كائن حيواني وما شملته من بشاعة الرمزية .
لله درّ الشاعر حمد حاجي على هذا التميّز والتفرد المتمثل في مزاوجة بين الواقع والخيال ومعانقة الشعر للرسم..
بتاريخ 17/03/2024