قراءة نقدية:” اليومية بين زمنيْن ”
(يومية يضرب الحب نموذجا)
الشاعر:حمد حاجي(تونس)
الناقدة: جليلة المازني (تونس)
المقدمة:
يواصل الشاعر حمد حاجي تدوين يومياته.انها يومية07 رمضان او ميراث(ادوار مانيه).
لقد حدّد الزمان والمكان لهذه اليومية وقد توزّع الزمان بين زمنين(قبل وبعد آذان المغرب) والمكان “في بيت حبيبتي”.
ترى ما محتوى اليومية في هذا الاطار الزمكاني؟
القراءة النقدية:” اليومية بين زمنين”
لقد وضع الشاعر عنوانا ليوميته”يضرب الحب” وهذا العنوان يتناص مع مقطع من صدر بيت لقصيدة الفنان العراقي كاظم الساهر والتي مطلعها :
يضرب الحب شو بذلْ//لا بنشبع منه ولا بنملّْ.
ان الشاعر حمد حاجي اكتفى بمقطع “يضرب الحب” من صدر البيت دون ذكر بقية الصدر (شو بيذلّ) ولعله تعمّد ذلك من باب التشويق.
باعتبار الشاعر حريصا على تحديد الزمان في يومية السابع من رمضان
فانه قسّم قصيدة يوميته الى ثلاثة مقاطع :مقطعان قبل آذان المغرب ومقطع بعد آذان المغرب.
باعتباره مُغرما صبابة فان الحبيب اضطُرّ للكذب من أجل رؤية حبيبته قبل آذان المغرب في المقطعين الاول والثاني من قصيدة يومية السابع من رمضان.يقول الشاعر:
وأكذب آتي لمطبخها والصبابة…باحت بأسرارها أدمع تكف
وقد شهدت بالنحول علي خدود…وبالوجنتين بدا كلف…
وأكذب…(أمي تطلب مغرفة من فلافل)…تعطي وأنصرف
وعيناي عند الكذابة في حيث تفضحني,هي تعترف…
والحبيب لم يتعللْ بطلب حاجة لأمه في الطبخ لرؤية الحبيبة فحسب بل كان ينتظر منها دعوة له حول مائدة الافطار وهو يُضمر اللقاء بها.
لقد قضى الحبيب من كذبه وطرا وحُظي بدعوة من الحبيبة على مائدة الافطار وقد دعم الشاعر ذلك بتلك اللوحة لادوار مانيه وهو من الفنانين التشكيليين الفرنسيين الانطباعيين والذي عاش في القرن التاسع عشر ولعل تلك اللوحة هي لوحته الشهيرة الموسومة ب “الغداء على العشب”.يقول الشاعرفي المقطع الثالث من القصيدة:
أخيرا دعتني لأفطر في بيتها…فاشتريت الزهور..بها هائم كلف
أهوى أشاركها صحن مائدة الفطر أو أحتسي ما أحبّ وما أصف
ان الحبيب استمتع بلقاء الحبيبة الذي جعله يحلق في سماء السعادة
حتى انه لم يشعر بمرور الوقت الذي يخشى نهايته .
لقد رسم الشاعر صورة جميلة لسعادة الحبيب حين قال:
كأن الهوى,طائر بجناحين,لكنه في السماوات يرتجف..
كأن خلفه صائد , وان طال عمره يدركه في مقتل هدف.
ان الشاعر كعادته يُولي أهمية لتأويل القارئ بترك تلك الفجوات النصية(الثلاث نقاط).
يمكن للمتلقي ان يسلط الضوء على تلك الفجوة التي تركها الشاعر بعد الفعل “وأكذب…” لان الشاعر حمد حاجي قد غلّب “الكذب” في مقطعين من ثلاثة مقاطع بالقصيدة.
ان المتلقي قد يتساءل عن ضرورة التجاء الحبيب الى الكذب من أجل رؤيتها ثم الفوز بلقاء معها على مائدة الافطار.
قد يرى المتلقي ان في الكذب ذلّا مهما كان الغرض منه .ان الحبيب تذلل مرتين وهو يكذب.
ولئن أخفى عنا الشاعر معنى الذل الذي حذفه من العنوان( يضرب الحب شوب بيذل) فان ما تضمّنته القصيدة من الطريقة التي توخاها الحبيب (الكذب) من أجل نيل مبتغاه من الحبيبة يكشف لنا معنى الذل الذي عاشه الحبيب لتحقيق ما يريد.
وبالتالي هل الحب مقترن بالذلّ؟
يقول البحتري وهو بدوي النزعة في شعره: ولولا الهوى ما ذلّ في
الأرض عاشقٌ…
ولكن عزيز العاشقين ذليل…
يقول أيضا العباس بن الاحنف: أباح حمى قلبي الهوى فأذلّه
ألا ليت لم أخلق ولم يُخلق الحبُّ
ويقول ابن الفارض الصوفي:
ولو عزَّ فيها الذلّ ما لذّ لي الهوى//ولم تك لولا الحبّ في الذلّ
ويقول حافظ ابراهيم:
أرى الحب ذُلاّ والشكاية ذلّة///واني بستر الذلتين جديرُ
ولي في الهوى شعران شعر أذيعه///وآخر في طيّ الفؤاد ستير
ويقول الشابي ملحّا في حبه رغم انه لم ينل مبتغاه:
اراك فتحلو لدي الحياة//ويملا نفسي صباح الامل
بصدري ورود عذاب//وتحنو على قلبي المشتعل
اما نزار قباني شاعر الحب لم ير في الحب ذلا بل عبادة وما تشمله العبادة من معاني التذلل فيقول في قصيدة مدرسة الحبّ:
حبّك يا عميقة العينين تطرّف تصوّف عبادة
حبك مثل الموت والولادة
صعب بان يعاد مرّتين
والحب عند هؤلاء الشعراء لا يخلو من متعة في الشعور بالذل من أجل الحبيب.
بيد ان هناك من يرى الذلّ في الحب مسّ للكرامة والكرامة فوق كل اعتبار.
لقد ورد بمجلة درويش :
الودّ بالودّ والصدّ بالصدّ وقلوبنا //عزيزة لا تسير في طريق الذل
ويقول احمد شوقي:
نعم أشتاق لكن وضعت //كرامتي فوق اشتياقي
أرغب في وصلهم دوما //ولكن طريق الذل لا تهواه ساقي
الخاتمة:
ان الشاعر حمد حاجي قد نقل لنا يومية السابع من رمضان في مشهدين وفق زمنين مختلفين قبل آذان المغرب وبعده
فالزمن الأول كان تمهيدا للزمن الثاني(بعد آذان المغرب) والذي يتعلق بلقاء الحبيبة على مائدة الافطار.
بيد ان الزمن الاول (قبل آذان المغرب) كان مشحونا بظاهرة الكذب مما قد يجعل المتلقي يسلط الضوء على الكذب ويكشف ما أخفاه العنوان ولم يبح به الشاعر من امكانية اقتران الحب بالذل وقد اختلف في ذلك الشعراء القدامى والمحدثون.
أشدّ على ابداع الشاعر حمد حاجي والذي لا يشبه الا نفسه.
بتاريخ 18/03/2024