____رؤيتي في قصيدة (يضرب الحب )
للدكتور الشاعرHamed Hadji
———————-
القصيدة
وأكذبُ آتي لغرفتها والصبابَةُ بَاحَتْ بأسرارها أدمعٌ تَكِفُ
وقد شهدت بالنّحول عليّ خدودٌ وبالوَجنَتَيْن بَدَا كلفُ..
أقول لها: أعْطِنِي حَفنَةً من (إدامٍ) ومِلْحٍ، فتعدو تُلبّي ولا تقفُ
ومنْ شدة الاشتياق، بأحضانها أرتمي، مثلما حوّطَ النَخلَةَ السَعَفُ.!
وأكذبُ .. أمي، تطلب مِغْرَفَةً من فلافل .. تعطي وأنصرفُ
وعينايَ عند الكذابة في حيث تفضحني هي تعترفُ..
كأني أطيرُ وتحتي الرياحُ أحاول أسترُها وهي تَنكشِفُ..
وقد كنتُ منتظرا دعوةً للفطور وتعزمني، ويكون لي الشرَفُ
أخيرا دعتني لأفطر في بيتها.. فاشتريت الزهور… بها هائِمٌ لَهِفُ
أهوى أشاركها صحن مائدة الفطر أو أحتسي ما أحبّ وما أصفُ
گأنّ الهوى، طائرٌ بجناحين، لكنّه في السّمَاوَاتِ يرتجفُ..
كأنْ، خَلْفَه صائدٌ، وإن طال عمره، يُدرِكْهُ في مقتل هَدَفُ
————————
يقول جلال الدين الرومي
( لاتكن بلا حُبّ، كي لا تشعر بأنّك ميت مُت في الحب وابق حياً للأبد)
ويبدو أن الشاعر من أنصار هذه المقولة
حيث يختلق الأسباب والحجج ليرى الحبيبة وينعم برؤيتها ولو على عجل
شاعر يسعى للحب ولا يهرب من ذاته
في المقطع الاول
الشاعر بدأ عليه نحول العاشقين والذبول فهو يعاني وجع الصبابة ونار الشوق
وفي حالة حب يطرق باب الحبيبة يطلب(حفنة إدام) وفعلا تلبي وبلا مقدمات يرتمي في حضنها يدفن الحنين ويتزود بنفحات الغرام
ويبدو ان الحبيبة تبادله نفس المشاعر وإلا لماذا فتحت له حضنها
وضمته؟
المحبوبة في متناول يديه ولا شيء مهم في هذه اللحظة والحب عندهما
هو العطف والسخاء والدفء والأمان والحضن امان
وأكذبُ آتي لغرفتها والصبابَةُ بَاحَتْ بأسرارها أدمعٌ تَكِفُ
وقد شهدت بالنّحول عليّ خدودٌ وبالوَجنَتَيْن بَدَا كلفُ..
أقول لها: أعْطِنِي حَفنَةً من (إدامٍ) ومِلْحٍ، فتعدو تُلبّي ولا تقفُ
ومنْ شدة الاشتياق، بأحضانها أرتمي، مثلما حوّطَ النَخلَةَ السَعَفُ.!
في المقطع الثاني
هو على يقين ان الحبيبة كاشفة ألاعيبه وحججه الواهية ليلقاها
بل ويطمع في المزيد
يطمع في دعوة لتناول طعام الإفطار
على مائدتها ورمضان كريم
توقعات عاشق ولهان لا يفكر في العواقب فهو يشيد للخيال والامنيات
واقعا يلح أن يحياه كلفه ذلك ما كلّفه
ألم يكذب على لسان امه(أمي تطلب مغرفة فلافل…)؟
الشاعر يبرر(كذب العشاق) بل يشرّع له وكانه يقول:ليس على العشاق حرج
فيما كذبوا لانهم صادقون —لما يلاقي من نار الحب واللوعة والعاشق يُبدي حبه وإن أساء له
ولقاء المحبوبة يدفئ العالم وبدون هذا اللقاء وتبادل لواعج الغرام حتى النار تموت برفقة الرماد لذا المجاهرة بالحب حياة في طقوس العاشقين
فرفقا بالعشاق وإذا رايت افعالهم اعذرهم فالعشق داء ليس له دواء
في المقطع الثالث
وقف الشاعر في طابور تحقيق الأمنيات
وتمنى بقوة ومن كل قلبه (دعوة للإفطار من المعشوقة) أمّن النجمة على أمنيته أو لعل دعواته صادفت ليلة القدر فجاءه الشهاب بالخبر وتحققت الأمنية ودعته لطعام الإفطار في بيتها فلبّى وحمل الزهور ككل النبلاء
لبّى وهو لا يصدق أن الحلم تحقق
وأنه في حضرة المعشوقة يجالسها
ويجمع بينهما (الماء والملح)كما يقال
تقارب رومنسي حتى على المائدة والنبض رسول بينهما
الحب رزقٌ من الله ، وهذه المرأة رزقت حب الشاعر، وفي حديث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها (إنّي رزقت حبها)
(أخيرا دعتني لأفطر في بيتها.. فاشتريت الزهور… بها هائِمٌ لَهِفُ
أهوى أشاركها صحن مائدة الفطر أو أحتسي ما أحبّ وما أصفُ
گأنّ الهوى، طائرٌ بجناحين، لكنّه في السّمَاوَاتِ يرتجفُ..
كأنْ، خَلْفَه صائدٌ، وإن طال عمره، يُدرِكْهُ في مقتل هَدَفُ)
عودنا الشاعر على توظيف كلمات قد تبدو للبعض انها ليست عربية او هجينة أو عفا عنها الزمن وأسقطت من معجم كلامنا أو انقرضت نهائيا
مثل كلمة(إدام) في هذه القصيدة
الإدام في لغتنا العربية هو ما يجعل مع الخبز ليطيّبه(قد يكون المرق مثلا)
ولمن لا يعلم الإدام في بعض الجهات التونسية هو (الملح)(الشمال الغربي والجنوب)
ومن آداب المعاملة بين الجيران
أنه إذا احاتجت جارة قليلا من الملح وعليها استعارته من جارتها
لا تقل ملحاوإنما تقول(إدام او ربح )للتلطيف وحتى إذا اردت شراء الملح من (العطار) تطلب الربح او الإدام وهو بقدرة قادر يسلمك (الملح)
والسبب أن في الموروث الشعبي (لفظةالملح )مجلبة للنحس
ومانعة للرزق ،وعادة (الملح) مقرون بسوء الطالع وجاذب للهم وتوجد عدة أمثال لتسمية الأشياء بغير أسمائها للتبرك وللفأل الحسن
كما بالنسبة للفحم الذي في الموروث يسميه البعض (بياض )
ما ألمسه أن الشاعر أخرج كلمات وألفاظا كانت لوقت قريب جدا متداولة وغيّبت لعدة أسباب ،أخرجها من التحنيط ونفخ فيها من روح الحداثة ما أعطاها حياة وأبعادًا جمالية -لأن الوعاء الذي حواها كان قصيدة الشاعر التي صيغت بشاعرية عالية وطرافة لغوية
لأن اللغة عنده أهم عنصر تواصل واتصال على الإطلاق في النفاذ إلى الوجدان…
فائزه بنمسعود