التداخل الاجناسي في “أحبها بلا ذاكرة” للروائي الأمين السعيدي
هل تعمد الكاتب ارباك المتلقي منذ العتبات الاولى للأثر ؟
” أحبها بلا ذاكرة” العنوان الذي صاحبه على الغلاف الخارجي عبارة “رواية” وهي محاولة من الروائي الأمين السعيدي الى ايهام القارئ أو اقناعه منذ البدأ بأن هذا النص ينتمي الى جنس الرواية.
حين تقرأ “التصدير” تجد نفسك امام مسرحية فلسفية ذهنية بإمتياز.
هذا نص التصدير:
” كل منافذ المدينة مغلقة والناس في القرى تزدحم.انت تطارد الجنون،تطلبه رفيقا وهو سعيد لأول مرة يعشق.
عد الى قلبك وأنت تطلق عقلا مثقلا بالحياة.ان الناس يشبهون هذا الموت وأنت وحدك تواجه الريح.
اصعد العلم،اين يستقر الماء ويتجمع.حدثني عن تجاربك مع هذا النص.رافق الماء؛أنت تفتح المدينة وهو يحتضن القرى وأنا أنظر من أعلى الجبل.”
ويبدا المتن بحوار بين شخصيتين مع تواتر شخصيات حيوانية دون ان يفصح الكاتب عن اسماء هذه الشخصية ليجد القارئ نفسه أمام مشاهد مبهمة، ولكنها طريفة،محبكة البناء الجمالي والفلسفي…
يرفع الستار عن هذه الشخصيات بالتدريج: “عفاف” ثم ” عدنان”
يظن المتلقى ان هذه الشخصيات هي التي تسيطر على الأحداث وتأتي شخصية “سارة المعلمة”متأخرة نسبيا ولكنها تستحوذ على مفاصل العمل وتقود كل احداث باستخدام محكم لتقنية السرد الاسترجاعي وتتواتر الشخصيات وتتعدد ادوارها في تصوير مشهدي دقيق في الامكنة الواقعية(باب سويقة،قمرت،باب بنات،تربة الباهي،شارع الحبيب بورقيبة،الحجامين،منفلوري،باب منارة،نهج السبخة،سيدي الظريف،شارع باريس،صفاقس،بنزرت،قصر الرئيس،سيدي بوسعيد،المرسى…)مما يجعل النص مسرحيا على درجة عالية من الحرافية وحسن التصوير وجودة توزيع الادوار واداءها…
واذا ما عدنا الى حياة الروائي الأمين السعيدي ورحلته في الزمان والمكان،من القرية “الشهب”التي نشأ بها وهي قرية جميلة على اطراف المدينة الى المدينة جلمة في تنقل شبه يومي لعائلة السعيدي التي توزعت للسكن بين القرية والمدينة ثم رافقت الأمين الى تونس العاصمة منذ كان عمره 14سنة ليكمل دراسته وينتقل في ما بعد الى كلية الاداب بالقيروان اين درس المرحلة الجامعية،ثم نأخذ شخصية “عدنان” فنجدها قد جابت كل هذه الاماكن وهي شخصية مثقفة،تحمل من الفكر والادب والفلسفة والعلم والجمال والتصور والمواقف… ما يجعلها تشبه حد التماهي شخصية الروائي التونسي الأمين السعيدي مما يجعلنا نجزم ان هذا النص هو سيرة ذاتية وأن تغافلت أو قصد صاحب النص
ترك عدة احداث ومراحل من حياته مبثوثة في نصوصه الاخرى التي أتت والقادمة ايضا
فالأمين السعيدي يقول :”يدل الكاتب يكتب سيرة حياته ولا ينتهي منها،يجمع شظاياه التي تبعثرة هنا وهناك”
وهو مايؤكد ان :”أحبها بلا ذاكرة هو القسم الأهم والاكثر تشويقا واثارة من حياة الأمين السعيدي لما فيه من جرأة وحماسة طفولة وشباب،جمعت بين؛المغامرات الجنسة والمشاريع السياسية والثقافية والاخلاقية والفكرية التي يؤمن بها الكاتب.
وهذه رواية محبكة البناء تتعدد اوجه الجمال فيها من حداثة اللغة،الى جمال الاسلوب،الى التشويق وتداخل الأحداث واستخدام جميع انماط القص والتداخل بين النصوص،والطرح الفكري القائم على التكثيف وتراوح العمل بين تأجج الأحداث والهدوء في تطلع لمستقل يحمل الفكر النير والمشروع الثوري للروائي الأمين السعيدي في انسجام مع الرواية وتقنياتها الحديثة في العالم ولهذا نجح الشاب التونسي الأمين السعيدي و صنف ضمن أفضل الروائيين المعاصرين في العالم.
الدكتورة:ابتسام بوزقرو