مختارات ..
=-=-=-=-=
الجريمة Crime ..
د.علي أحمد جديد
الجريمة هي الانحراف عن مسار المقاييس الاجتماعيّة في أي مجتمع ، والتي تتميّز بدرجةٍ عاليةٍ من النوعيّة والجبريّة والكليّة ، بمعنى أنه لا يُمكن للجريمة أنْ تكون إلّا في حالة وجود قِيَمٍ يحترمها المجتمع ، كما أنّها – الجريمة – تَوجّهٌ عدواني من قِبَلِ الأشخاص الذين لايحترمون القِيَم الاجتماعيّة ، تجاه الأشخاص الذين يحترمونها .
والجريمة كما عرّفها القانون بأنّها عمل أو امتناع عن عمل شيء تنصُّ عليه القوانين الموضوعة للمجتمع ، ويُجازى فاعله بعقوبةٍ محددة بنصوص القانون المعمول به أصولاً . ويختلِفُ مفهوم الجريمة بحسب المنظور الذي يُنظر له من خلاله ، ومنها :
– الجريمة القانونيّة :
وهي العمل غير المشروع والناتج عن إرادة جنائيّة مقصودة ، ويُقرّر لها القانون عقوبةً أو تصرّفاً احتياطيّاً .
– الجريمة الاجتماعية والنّفسية :
وهي كل ما يخترقُ الأسس الأخلاقية التي وُضعت من قبل المُشرِّع ، وجعل لاختراقها جزاءً رسمياً باسم القانون .
ويجب أن يكون المُجرم ذا مواصفات حددتها القوانين بأنه الإنسان البالغ الراشد والعاقل الواعي الذي يرتكب فعلاً مؤذياً نصّ على منع ارتكابه أو حظره قانون مُعيّن مما تترتّب عليه عقوبات جنائية مُحدّدة في القانون ذاته .
ويُعزى ارتكاب الأفراد للجريمة إلى كثيرٍ من الأسباب ، منها على سبيل المثال لا الحصر :
* انعدام أو ضعف الوازع الأخلاقي ، إذ يُعدّ الوازع الأخلاقي ركناً مهمّاً من أركان الإصلاح الاجتماعي ، ولذلك يجبُ أن تُمارِسَ الأسرة أولاً وبالتوازي مع جميع المؤسسات التربوية دورها في غرس القيم والأخلاق لدى الأبناء من أجل منع انتشار السلوكات الإجرامية .
* البيئة الفاسدة :
لأن الفرد يتأثّر الإنسان بمن حوله سواءً أكانوا صالحين أم فاسدين .
* البطالة والظّروف الاقتصادية الصّعبة :
حيثُ يقوم الكثيرُ من الشّباب بارتكاب الجرائم لتحصيل الأموال بأسلوب غير مشروع نظراً لحاجتهم الماسة لتأمين مسيرة الحياة لهم أو لمن يهتمون بهم .
* تعاطي المُسكِرات والمُخدّرات وتداول صور الإجرام :
حيثُ أنّ 70% من جرائم القتل تعودُ لتعاطي الفرد للمخدرات بحسب دراسات علوم أسباب الجنوح و الإجرام ، وأشارت كذلك دراسةٌ أميركية نُشرت في دوريّة
“السلوك والعدالة الإجرامية”
إلى أنّ 93% من المُجرمين قد مرّوا بسوابق إدمان على المخدرات والكحول .
وتناولُ علماء الاجتماع تفسيرَ السّلوك الإجرامي للإنسان ، كونه نتاج تأثير المجتمع المحيط الذي يعيش فيه ومجموعة من العوامل التي تتعلق به ثقافياً واجتماعياً ، ونتيجةً لذلك برزت الكثير من النّظريات التي تُناقش السّلوك الإجرامي من عدّة جوانب ، ومنها :
= نظريّة الوصم Labeling Theory:
ويُعتبر (إدوين لِمرت Edwin Lemert) المُتخصّص في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا – علم الإنسان – أبرز مَن تبنّى هذه النظريّة ، وهي تفترضُ أنّ الأفراد يقومون بفعل السلوكيات الإجراميّة كنتيجةٍ لردود أفعال المُجتمع المحيط نحوهم ، ويُقسِّم (إدوين لِمرت) مراحل تشكُّل حالة الجنوح المنحرف كمايلي :
1 – الانحراف الأولي : وهو السّلوك الأولي الذي يقوم به الشخص لاختبار رد فعل المجتمع تجاهه . وتشكّل ردة فعل المجتمع والتي تكون على شكل عقوبات مُعيّنة .
2 – تكرار الانحراف الأولي : مع زيادة كمية الانحراف أو نسبته عن الانحراف الأولي .
يقوم المجتمع بردة فعل رسميّة تأتي غالباً على شكل وصم الشّخص المنحرف بوصمة سوابق الإجرام .
3 – زيادة مقدار الانحراف المباشر : وتأتي كرَدٍّ على موقف المجتمع نحوه بوصمه مجرماً .
4 – قبول المنحرف بالوصم الذي وُصِفَ به : ويُحاول فيه المنحرف التأقلم مع وضعه الجديد كشخصٍ منبوذ في مجتمعه .
= نظريّة الاختلاط التفاضلي (Differentia Association Theory) : وهي نظريةٌ جاء بها العالم الأميركي (إدوين سذرلاند E-Sutherland) وتقول بأنّ السّلوك الإجرامي لا يُعدُّ سلوكاً يتناقل بالوراثة ، وليس سلوكاً خُلُقيّاً و لانفسياً كذلك ، بل هو سلوكٌ مُكتَسب يتعلّمه الفرد كأيّ سلوكٍ آخر من خلال البيئة المحيطة و والظروف المؤثرة فيه ، حيثُ يدور محور هذه النّظرية حول أنّ الفارق بين ممارسات الفرد يرتكز بشكلٍ أساسي على نوعية بيئته ومجتمعه ، والأفراد الذين يُحيطون به ويختلط بهم .
= (نظريّة الأنومي Theory of Anomy) : يُعتبر عالم الاجتماع الفرنسي (إميل دوركايم Emile Durkheim) أوّل من جاء بمصطلح (الأنومي) ، وهو مصطلحٌ يُشيرُ إلى الوضع الذي تختفي فيه المعايير الإجتماعيّة ، وتنعدم فيه القواعد والأساسات الموجِّهة للسلوك البشري . وينسِبُ (دوركايم) الإجرام إلى مفهوم اللامعياريّة الإجتماعية وعدم توازن السّلوك ، واختلال المبادئ التي تنظِّم حياة الفرد وذهاب مفهوم التّكافل الاجتماعي .
وقد قُسّمت الجرائم إلى عدّة أقسام اعتماداً على أسسٍ فارقة فيما بينها ، ومنها :
* نوع الباعث (الدافع) :
حيث تُقسَّم الجرائم بحسبِ نوع الباعث (الدافع) الذي أدّى لوقوعها إلى أربعة أقسام هي :
1) جرائم سياسيّة :
وهي الجرائم المُتعلّقة بنظام الحكم أو بالحُكّام ، وتكون اعتداءً على نظام الحكم أو شخوصه ، بوصفهم حُكاماً .
2) جرائم تأديبية وفيها المخالفات الإدارية المُخلّة بالوظائف الإدارية والمسيئة لسير العمل في المؤسسات والدوائر .
3) جرائم مدنية وهي التي تقع بالخطأ وبالفعل غير المتعمَّد على الأفراد أو المجتمع وتكون نتيجته بخسائرَ ماديةٍ أو معنوية .
4) جرائم جنائية وهي التي تقع مع وجود النيّة المسبَقة للإضرار بالأفراد أو الممتلكات ، كالقتل والسرقة الموصوفة والاعتداء الذي ينتج عنه التسبب بعاهة أو بالعجز الدائم .
وهكذا تكون الجريمة من الناحية الإجتماعية هي كل فعل خاطئ مخالف للآداب و الأخلاق أو العدالة في المجتمع ، ويشمل ذلك الإخلال بنظام الجماعة أو الإضرار بمصالح أو حقوق الأفراد أو المساس بالقِيَم . وهي كل سلوك يستوجب العقوبة عليه اجتماعياً .
أما حسْبَ المفهوم القانوني ، فإن الجريمة هي كل مخالَفة لقواعد القانون الوضعي المعمول به سواء كانت هذه القواعد متعلقة بالقانون الجنائي أو بغيره من القوانين السارية المقررة والمعتمدة .
وفي العموم لم تُعرِّف القوانين المختلفة ماهية الجريمة ، وذلك لعدم أهمية التعريف من جهة ، ولوجود قاعدة اجتهاد مع وجود النص القانوني الرادع للفعل الجرمي من جهة ثانية .
ويمكن اعتبار الجريمة بأنها كل فعلٍ غيرِ مشروع صادرٍ عن إرادة الضرر أو السوء في نتيجته ، أو هي الفعل الذي يقرر له القانون عقوبة أو تدابير رادعة تقيّد القيام به وتنفيذه . كما يمكن اعتبارها بأنها فعل الامتناع الذي يمكن إسناده لمرتكبه ويستوجب عقوبةً رادعة لحفظ السلامة العامة في المجتمع .
ومهما اختلفت التعريفات فإنها جميعها تُعتبَر محاولة لوضع قيود تشمل كل الجوانب المتعلقة بما يوقِعُ الضرر على المجتمع ككل أو على الأفراد ، وعليه تُعرَّف الجريمة بمفهومها “الجنائي” بأنها كل سلوك إيجابي أو سلبي يجرِّمُه القانون ويقرّر له عقوبةً أو تدابيرَ مُقيِّدِة باعتباره سلوكاً يشكّل اعتداءً على المصالح الفردية أو الاجتماعية والتي تستدعي حمايتها بوجود القانون .
وهناك عدة تقسيمات للجرائم من أهمها ما يلي :
1- الجريمة المدنية : وهي كل فعل خاطئ يقوم به الفرد فيسبب خطأه ضرراً ، مما يلتزم بتعويضه .
فالجريمة المدنية إذاً قِوامُها عنصر الخطأ الذي يتسبب بالضرر فلا تقوم إلا بعنصر الضرر الذي يأتيه الإنسان .
ويعتمد هذا التقسيم على القانون الذي يحكم ويُطَبَّق على هذه الجريمة أي (القانون المدني) ، في حين أن الجريمة الجنائية يطبَّق عليها القانون الجزائي طِبقاً لنص المادة المحدَّدَة بقانون العقوبات والتي تؤكد بأن القانون هو الذي يحدِّد الفعل الممنوع وغير المشروع ويحدِّد له العقاب المتناسب مع ضرره وآثاره .
2 – الجريمة التأديبية :
وهي الأخطاء الإدارية أو الإخلال بالوظائف الإدارية . أي قيام الموظف بمخالفة بَندٍ أو بنود من قانون يخضع له ، كالموظف العام والقاضي والخبير … أي أن المعتدى عليه هي الهيئة التي يعمل فيها و ينتمي إليها (الحَقُّ العام) . وتكون عقوبة هذا النوع من الجرائم ذات طابع معنوي خاص كالتوبيخ و الإنذار أوالتوقيف المؤقَت والعزل أو الطرد . وتملك السلطات التأديبية صلاحيات اختيار العقوبة بالنسبة لكل فعلٍ جرمي مع الإشارة إلى أنه قد يرتكب المجرم جريمة ذات أبعادٍ جنائية يعاقَب على إثرها وفقاً لقواعد قانون العقوبات ، ثم يُتبَع ذلك بعقوباتٍ إدارية .
3 – الجريمة الجنائية :
وهي حسب المفهوم الإصلاحي كل فعل أو امتناع عن فعل يُجَرِّمه القانون ويقرّر له عقوبةً أو تدبيراً آمِناً ، كالقتل والسرقة والنصب وخيانة الأمانة والضرب والجرح أو التسبب بعاهة مؤقتة او مستدامة ، وهذا يعني أن الجريمة الجنائية تقوم بمجرد إتيان الفعل الممنوع أو محاولة إتيانه ، وتكون عقوبته محدَّدة بنص قانوني ( القانون الجزائي) ، وقد تقوم الجريمة دون وقوع الضرر ، مثل الشروع بالعمل الجرمي دون إتمامه ، والتشرد والتسول وحمل السلاح بدون ترخيص .
وللجريمة عموماً ثلاثة أنواع حصرية تختلف في وصفها القانوني وفي عقوباتها التي قررها المُشَرِّع في صياغة بنود القانون . وهي :
* المخالفة .
* الجنحة .
* الجناية .