بين الكبرياء و التَكبّر ..
د.علي أحمد جديد
يمكن تعريف (الكبرياء) بأنها إحدى صور الاعتزاز بالنفس ، وبأنها حالة عاطفية مُستمَدَّة من التأثير الإيجابي في تقييم الشخص لنفسه .. ومن الطبيعي أن تتفاوت نسبة الكبرياء بين شخص وآخر .
خاصة وأنه قد تمَّ تصوير الكبرياء على أنها شعور بالسعادة أو الرضا العميق إثر تحقيق إنجاز ما ، ولكن يمكن أن تكون أيضاً في بعض الحالات بأنها نوعاً من الغرور ، أو الإهانة عندما تكون عاطفةً أنانيةً موجهة داخلياً لتتسبب بالإساءة للآخرين ، لأنها تكون مُحمَّلةً بدلالاتٍ تُظهِر إحساساً متضخماً بقيمة الفرد لِذاتِه أو لحالته الشخصية ، وذلك ما يجعل المرء ممتلئاً بشعور التفوق المَرَضي على الآخرين .
وقد لاحظ الفلاسفة وعلماء النفس الاجتماعيون أن (الكبرياء) عاطفة ثانوية معقّدَة تتطلب تنمية الإحساس بالذات ، وإتقان الفروقات ذات الصلة لأن شعور (الكبرياء) يختلف عن السعادة والفرح ، ويبدو ذلك جلياً من خلال التفاعل القائم على لغة التعاطي والتفاعل مع الآخرين .
كما يُنظر إلى (الكبرياء) أحياناً على أنها شيء من الفساد ، وفي أحيان أخرى قد تكون ميزة أو فضيلة حين تخلو من الشعور بالفوقية ، لأن بعض الفلاسفة مثل (أرسطو و جورج برنارد شو) اعتبروا (الكبرياء) البسيطة والمنطقية فضيلة عميقة . كما أن بعض الديانات تعتبر (الكبرياء) خدعة كاذبة ، كما هو موضح في الكتاب المقَّدس من “توراة العهد القديم” .
وكلمة (كبرياء) يمكن استخدامها بشكل جيد للمديح ، كما يمكن ابتذالها بمعنى سيء للذم والاستهجان .
فهي تكون بمعناها الجيد في حال وجود الشعور الطاغي باحترام الآخرين النابع من احترام الذات ، ويمكن للناس أن يكونوا راضين عن إنجازاتهم ، كما يمكن لهم أن يفخروا بشيء جيد كانوا قد قاموا به ، ويمكنهم أن يفخروا بكل ما يعملون . وقد يكونون فخورين بآبائهم وأبنائهم أو ببناتهم أو بأزواجهم أو بأي شخص آخر قريب قام ويقوم بعمل جيد ، كما يمكن لهم أن يفخروا بالانتماء إلى بلدهم ، لأن العكس من ذلك هو الشعور بالخجل من شخص ما أو من عمل ما أو من شيء ما .
و يمكن للكبرياء أن تكون في بعض الحالات إحساساً مبالغاً بالشعور بالرضا ، بمعنى أن الشخص صاحب الكبرياء لا يحترم ما يفعله الآخرون ، ولكنه يحترم فقط ما يقوم به هو فقط .
فالكبرياء إذاً ، تعني أن نُعبِّرَ عن الأشياء في نصف كلمة ، وألّا نكرّرَ أو نُصِرَّ ، وأن لا يرانا الآخرون عراةً في فكرنا وفي نوايانا أبداً .
وأفضل (الكبرياء) أن نحمي غموضنا كما نحمي أسرارنا الخاصة جداً . لأن الكبرياء هي عِزّة النفس التي تُشعرِنا بالإكتفاء مهما كنا نعاني الحاجة .
وعِزّة النفس هي أن نضحك وفي دواخلنا جحيم متأجج ومستعر من الضيق أو الألم .
الكبرياء أن نأخذ من الدنيا وأهلها ، لكن أن نتعلم كيف نعطي وإن (كانت النفس لا تبدو محاسنها
في اليسر صار غناها من مخازيها) لأن النفس الإنسانية كالزجاج تماماً لا تجرح إلا عندما تنكسر . والعقل البشري قوّة من قوى النفس التي لايمكن الاستهانة بها .
والجسد الذي يحتوي النفس إنما هو عبارة عن مادة آخرها إلى زوال ، أما النفس التي لا تدركها العين فهي خالدة وأبدية عزيزة .
وكذلك هو الكرم في تعبيره عن الكبرياء السليمة والذي هو العطاء بأكثر مما نستطيع ، بينما عِزّة النفس هي أن نأخذ أقل مما نحتاج .
عِزّة النفس تكون في السموِّ عن كل ما يقلل من القيمة الإنسانية ، وفي القناعة ، لأن مَن يُنزِل فاقته بربّه ويلتجئُ إليه ، أعزّه الله بعِزِّهِ ، وأغناه بغناه .
وعِزّة النفس نقطةٌ فاصلة قد ينتهي عندها ألفُ صديق ، وألفُ حبيب .
والكبرياء في عِزّة النفس هي التي تُشعرِنا دوماً بالإكتفاء من كل شيء رغم حاجتنا الشديدة لذلك الشيء .
وهنا يجب أن ننتبه وأن نَعيَ الفَرقَ بين الكبرياء وبين الكِبَر أو التكبّر .
لأنه لا يمكن التفريق بين التَكبّر والكبرياء إلا بمعرفة معنى كل منهما :
* – التَكبّر :
هو شعورٌ مَرَضيٌّ بالعظمة وبالتَجبّر والتَرفّع عن الانقياد ، بعكس التواضع ، وهو التَعظّم والامتناع عن قبولِ الحَقِّ معاندةً وتَمرّداً وإِظهاراً للعظمة والتَجبّر .
* – أما الكبرياء :
فهو شعورٌ بتقدير الذات والرفعة والأنفة ، والاكتفاء بعِزّة النفس .
وذلك يعني بأن الكبرياء شعور التمتع بالرضا والرفعة والعظمة في تحقيق إنجازات أو صفات أو ممتلكات ، لأن الكبرياء المُوَجِّه الداخلي لذلك ، أما التَكبّر فهو إظهار النفس وتعظيم النفس نتيجة الشعور بالنقص ، أو الجهل ، ويفتقد لأيِّ وَجهٍ من أوجه الصواب لأنه مبني على العناد والتمرّد بغير حَقّ .
وحسب علماء النفس فإن التَكبّر هو ما يقوم به الإنسان من سلوكٍ أوتَصرّفٍ لتعويض ما يشعر به من النقص ، إذْ يَظهرُ التَكبّر بشكلٍ تلقائي وبلا وعي في العقل الباطن للإنسان ويجعله ممتلئاً بالشعور بأنه أفضل وأعلى البشر كافة .
بينما تكون الكبرياء هي الرفعة في تحقيق إنجاز والفخر في تحقيق الذات والشعور بالاكتمال في مجال معيَّن .
والفرق بين الكبرياء والتَكبّر ممكن في المصدر حين يتشابه الكِبَرُ مع الكبرياء في المظهر ، إلا أنه مؤكَّدُ الاختلاف في المضمون . لأن التَكبّر يهدف إلى تحقيق كمالٍ نفسي نتيجة الشعور بالنقص والدونية تجاه الآخرين . فنرى تَكبّرَ البعض بماله أو بنسبه أو بمنصبه . أما الكبرياء فهو الشعور التام بالرضا بعد تحقيق الإنجاز والحرص على البعد عن الذُلِّ والمهانة والتَمسّك بالكرامة وبالمبادئ والأخلاق .
التَكبّر يقابله الآخرون دائماً بالنفور وبعدم الرضا لأنه يخلق جوّاً مليئاً بالتوتر وبالقلق وعدم الراحة لفقدان المرونة والتَقبّل .
أما الكبرياء فيقابله الآخرون بالاحترام والتقدير لمن يُظهِره لأنه يعكس ثقةَ الإنسان بنفسه ويُظهِرُ فيه عِزّةَ النفس ، وعدم الرضا بالهَوان .