قراءة نقدية وفق مقاربة سيميائية
ل:”يوميات بالابيض والاسود”
الكاتب :عبد الله المتقي(المغرب)
الناقدة: جليلة المازني(تونس)
التفريغ النصي: تعب وراحة
المقدمة:
يطالعنا الاديب عبد الله المتقي بانخراطه او تجريب” جنس آخر من الاجناس الادبية وهو أدب اليوميات ويقترح علينا اليوم احدى يومياته التي كتبها في 06يناير2024 بكازابلانكا.
وهي تضاف الى “يوميات بالابيض والاسود”
1- تعريف أدب اليوميات:أدب اليوميات هو عبارة عن الكتابات التي فيهاالاحداث التي تترك
أثرا فينا او في محيطنا يوما بيوم فتكون الكتابة في نفس اليوم.
ترى ماهي الاحداث التي عاشها الكاتب في السادس من يناير2024 بكازابلانكا وتركت في نفسه أثرا؟
2- يومية الكاتب في 06/ يناير 2024 :
حرص الكاتب على تحديد الزمان(صباحا باكرا باردا) وتحديد المكان(مقهى فرنسا)ليستهلّ تحرّكاته في هذا اليوم ليتناول فطوره ويتصفح الصحف اليومية والتي اشتمّ منها رائحة الفساد.
في الشارع القريب من بنك المغرب ينتظر أكثر من نصف ساعة ليجد سيارة أجرة لتقلّه الى
مصحّة دار السلام للسؤال عن موعد عملية القسطرة.
بسيارة الاجرة كان السائق يحدّثه عن الغلاء وعن اضرابات الشغيلة التعليمية وعن مافيا الفساد وعن العمرة التي سيؤديها مع زوجته لغسل عظامه من الذنوب.
عند وصوله الى المصحّة أعلمته الممرضة بغياب الطبيب وامكانية عودته في الاسبوع القادم.
غادر المصحّة لينتظر أكثر من ساعتين سيارة الاجرة علما وان ضاغطة الوقت تزعجه
فالوقت يشير الى الواحدة وهوسيكون مجبرا على المبيت ليلة أخرى بالفندق باعتباره تجاوز منتصف النهار.
اثر ذلك تغدّى طبقا من السمك بمطعم أمين بالمدينة ويعود الى غرفته 401 بالفندق للنوم حتى السادسة مساء.عند نزوله من المصعد تبتسم في وجهه موظفة الاستقبال لانه منحها عشرين درهما الليلة البارحة وتقترح عليه تغيير الغرفة حتى لا تزعجه موسيقى العلبة الليلية اسفل الفندق.
ويختم تحركاته اليومية باقتناء معجم الف ليلة وليلة ثم يغادر للعشاء بشربة سمك ثم يعود الى غرفته لمواصلة كتابة مابقي عليه اتمامه من كتابة ابداعه.
3- قراءة نقدية وفق مقاربة سيميائة لليومية:
تندرج يومية السادس من يناير 2024 ضمن” يوميات بالابيض والاسود”
ان عنوان اليوميات هو مركب عطفي ويقتضي تساوي العطف والمعطوف عليه في المعنى
ان الكاتب اختارهذا العنوان واصفا يومياته بالابيض والاسود ايمانا منه بان الحياة قد تصطبغ بالابيض كما قد تصطبغ بالاسود وهي كناية عن الايجابي والسلبي او الخير والشرّ اوالحلاوة والمرارة في الحياة الى غير ذلك من الثنائيات وبهذه التسمية هو لا يخفي عنّا تفاؤله بتقديم الابيض على الاسود بالمركب العطفي.
ترى فيما يتجلّى الابيض او الاسود في يومية السادس من يناير 2024؟
لقد راعى الكاتب الترتيب و التسلسل الزمني في الكتابة (صباحا باكرا باردا/ انتظارنصف ساعة/ انتظارساعتين/العودة الاسبوع القادم/اكثر من ساعتين/الواحدة زوالا/ تجاوز منتصف النهار/ الغداء/ النوم الى الساعة السادسة مساء/ العشاء/ )
كما حرص الكاتب على تحديد المكان(المقهى/سيارة الاجرة /المصحة/المطعم/الفندق/
الغرفة/المكتبة/ الغرفة بالفندق).
داخل هذا الاطار الزمكاني حدد الكاتب غايته من فطور الصباح /زيارة الطبيب/ الغداء النوم /العشاء ومواصلة الكتابة.
لقد كتب اليومية باسلوب قصصي يتضمن مقوّمات السرد(شخصيات/احداث/اطار زمكاني)
كما تضمن الوصف اما الحوارفكان بطريقة غير مباشرة(ضمنيّا) .
من المفروض في سرد الاحداث في أدب اليوميات ان يتحدّث الكاتب بضمير المتكلم او الغائب بيْد انّ الكاتب عبد الله المتقي في هذه اليومية تحدث بضمير المخاطب في أغلب حديثه (تقف/لينقلك/ كي يحدثك /تتغذّى/تعود/تنزل/تنام/ تقترح عليك/يزعجك/ تقتني/تنتهي/تضع/ تتعشّى/تشرع/)
هذا الحديث بضمير المخاطب يشي بنبرة فيها شيء من التهكّم من نفسه لانه أحسّ ان هذه الاحداث هي التي تقوده ولم يكن فاعلا فيها بل كان مفعولا به لعدم رضاه عنها.
ان هذه الاحداث التي كان لم يكن ليرضى عنها جعلته يسلّط الضوء على العديد من القضايا
بالصحف التي كان يتصفحهاوقد اشتمّ فيها رائحة الفساد وقد دعمها بالفساد في وسائل النقل
غير المنتظمة في مواعيدها بما في ذلك من ضياع للوقت وازدحام حولها عند كثرة عدد المنتظرين لها كما سجل الفساد مما سمع من سائق التاكسي من غلاء المعيشة واضرابات المعلمين واعتبار العمرة فرصة لغسل الذنوب والكاتب في ذلك يتهكّم منه ولسان حاله يقول هل غلاء المعيشة ينحصر في الطماطم فقط وهل اضرابات المعلمين لاتعبّر عن حقوقهم وهل يمكن التلاعب بالاخلاق والدين باقتراف الذنوب وغسلها باداء العمرة.
لقد سلّط الكاتب الضوء ايضا على تلاعب الاطباء بمواعيد المرضى والرشوى التي شملت موظفة الاستقبال بالفندق وهي مستشرية في المجتمع وقانون الفندق الجائرو المبتز للمقيمين في الالزام بمبيت ليلة اخرى اذا تجاوز المقيم منتصف النهار.
وبالتالي فكل ماعاشه الكاتب الى حدّ الآن لم يجْن منه شيئا الا ضياع الوقت واهدار ماله في وسائل النقل وفي الرشوى وفي كلفة ليلة اخرى بالفندق وفي التعب البدني والتوتر ولعلّ هذا ماجعله يتبرّأ منها عند حديثه بضمير المخاطب .
انها أحداث موسومة بالسلبية اوما رمز اليه من خلال العنوان باللون الاسود.
اما الايجابي الذي رمز اليه باللون الابيض فقد تجلّى في ذاك الغذاء الصحّي بالسمك غداء وعشاء وفي ذاك الغذاء الفكري المتمثل في مواصلة الكتابة والابداع .
الخاتمة:
ان تدوين اليوميات يساعد الكاتب على تخفيف التوتر من خلال تفريع المساحة التي تشغل عقله كما تساعده على انشاء نظام موثوق في انجاز الاشياء وجعل الحياة أمرا قابلا للادارة
ولعل تلك الصورة قرب البحر و التي ضمّنها ليوميته ولم يضعها اعتباطا تدعم مساعدته
على التخفيف من التوتر الذي عاشته نفسه القلقة خلال يومه….
بتاريخ 07/01/2024