أنتاج اليأس بوصفه حدثا / المفارقة كهامش ازمنة مستعملة للتذكير
قراءة مقارنة في الإجراء التقني بين القصة المفردة والثلاثيات في ثلاث نماذج عربية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرط تحقق الازاحة انها (بناء جديد) يقوم بتشخيص تنبهنا وتدريبه على التقاط الوجود في وقائعه لا في مفاهيمه لذا فالسرد طريقة في ممانعة الحياة ضد ما يلغيها وحقيقة السرد (تكمن في نقل وتحويل الحدث والتجربة الإنسانية الى واقعة لغوية )1 وتتمثل فلسفة النقل بانه شرط انطولوجي للإحالة2
ان الإحالة السردية هي روابط تأويلية تخلق مسافات تفسر لنا ان القصة بفعل هذه الازاحة ما هي الا كينونة شكل تشكلت بفعل التجارب الاحالية
من الوقائع الوجودية اليأس والضياع وهو حدث ذو مستويات تحققية متعددة وفي القص الوجيز نحن لا نعود الى حجمه الحدثي انما نعود الى نسق ظهوره وصيغ تمظهره وتشخصيه
في قصة ضياع للقاص عبدالله الميالي
الشمسُ تبتسمُ.. الأحلامُ تحلّقُ غرباً.. الزورقُ يُعانقُ الموجَ الصاخبَ ويرقصان “الفالس”.
السماءُ ترتدي الحِدادَ.. البحرُ يلتهمُ وجبةَ العشاءِ.. الزورقُ يشرقُ بالنحيبِ.
يطالعنا فهرس القصة (قارب / بحر/ رقصة فالس / هامش هو مفارقة صنعت للإسترجاع)
تعمل هذه القصة على نسق التتابع المدعوم بزخم استعاري يتلاعب بالعين لصالح ذاكرة المفردة وهذا التلاعب يحقق ابتعادا ذكيا عن متلازمة الخبر في متوالياته المشهدية فالتعاقب هنا هو بؤر ساخنة هدفها اظهار كنه اليأس والضياع بحيث ان القصة هي ذات صيغة ارتداد نصي (الشمسُ تبتسمُ/ السماءُ ترتدي الحِدادَ/ الأحلامُ تحلّقُ غرباً / البحرُ يلتهمُ وجبةَ العشاءِ)
القصة هنا عبارة عن دائرة تنفتح بابتسامة وتنغلق بنحيب
اذن أحد أساليب انتاج اليأس بوصفه حدثا هو نسق التتابع البؤري مصاغا بارتدادات نصية
والمفارقة هنا مفرغة من وظيفتها وقد وضعها القاص كهامش يعيد المتواليات في توقيعة واحدة وشخصية القصة هي موجهات مضمرة اجتماعيا وسياسيا وفلسفيا ودينيا
فهرس قصة فاتورة للقاص Mustafa Shakrah هي (قارب / بحر/ حقيبة غروب / هامش هو مفارقة صنعت لتعضيد الاستلاب والاغتراب في باقته اللافتة (الغروب / مثقوب / بارد)
اعتمدت هذه القصة التصوير الشعري الواقع خبرا (عبروا البحر مودعين أحلامهم في حقيبة الغروب) والواقع لوحة (بين قارب مثقوب وموجة جامحة) والجملة الشعرية المفردة (تلقفهم شاطئ بارد)
القصة تروي ظلال وسيرة حدث منزوع التوجه فهو ليس عبورا الا بكونه فاتورة تجشأت نواح الاصداف والقصة ذات حبكة استعارية و موجه سياسي اجتماعي يتناص بنسبة ما مع العابرين البحر مع موسى بيد ان موسى حبر مسال في ذاكرات الموج
ولنطالع القصة كاملة
فاتورة
عبروا البحر مودعين أحلامهم في حقيبة الغروب بين قارب مثقوب وموجة جامحة
تلقفهم شاطئ بارد، لليوم تنوح الاصداف
فهرس ثلاثية نقصان للقاص Yaser Aboajeeb يتحدد بالموسوعة (ضفة أخرى / خرائط / قارب / زمن متوجس / جسر العبور / مفتاح / قارب / مفارقة ثلاثية الابعاد ترتد على المفاصل الثلاثة)
لا يتوهم ان المسافة السردية في الثلاثية لها من الاتساع والمعوضات ما يكفي لرد ما فرّط به الحذ والتكثيف فهذه المسافة مشغولة بتركيب منطقي محصص على المحاور الثلاثة وتمارس انزياحا متزامنا عن كل محور بمقدار يحقق البعد البلاغي والغائي من حركة الشخصية وموجهات الحدث ويبدو ان هذه الثلاثية محورها الأول مقدمة والثانية هو العقدة والبؤرة والثالث هو المفارقة
اعتمد المحور الأول في بنية النقصان / اليأس / ومحتمل الحل على نزعة شعرية تصور الانهيار الشعوري (يبحث في الخرائط؛ عن قارب مركون بين عقارب الزمن) بينما اعتمد المحور الثاني على نسق التتابع لكنه تتابع ملون فمرة هو خبري وأخرى شذري ثم ومضة
يمثل المحور الثالث ملمح تجديدي في كونه بنية كاملة لمفارقة على مستوى القصة تعود بمدلولها على ما سبق ونلحظ في النماذج الثلاثة ما يلي
1- ان القصة المفردة التي تعالج موضوعا تكون معافاة في صيغتها وفي راحة مما لو كان ذات الموضوع في أحضان القصة الثلاثية والسبب هو في تصعيد الحدث كل مرة مما يضاعف في مهمة المفارقة وشموليتها
2- تقوم القصة المفردة على حدث وشخصية تنمو سيمائيا أو عموديا بينما في الثلاثية هي شخصية تنتظرها وظائف تداولية وابلاغية
3- يمكن تلوين الزمن بمشخصات دلالية في الثلاثية لكنه في القصة المفردة ظل يكمل نواقص الاحداث عبر المشاهد النفسية والمعنوية والتاريخية واليومية والاجتماعية
لاحظ تركيب الثلاثية
نقصان
أدرك أن العبور إلى الضفة الآخرى هو الحل.
بقي كل حياته يبحث في الخرائط؛ عن قارب مركون بين عقارب الزمن.
– زرع في مخيلته جنة في الضفة الآخرى، راح يفتش عن جسر للعبور.
رحل مع أول قافلة، لكنه نسي مفتاح عمره في جيب الزمن، بعد أول خطوة شاخ في متاهات الخريطة.
– مات بعد أن لفظه الماضي…
أعادوه إلى ضفته الأولى، وجدوا في جيبه مفتاحا صدئا، وخارطة تملأها قوارب بلا أشرعة.
حيدر الاديب
المصادر
ــــــــــــــــــــــــ
1- القصة القصيرة جدا / أنظمة البناء وانتاج الدلالة
2- نظرية التأويل / بول ريكور