قراءتي في قصيدة ” سأرثي الورد”
للشاعرة ” جميلة حاتم ”
جمالية الصورة الفنية في قصيدة
“سأرثي الورد”
الورد رمزٌ للجمال وللرائحة الطيبة، ويغدو في قصيدة الشاعرة ” جميلة حاتم” إنساناً يستحق الرثاء.. لقد مات الورد، والشاعرة ترثيه، وكأنه إنسانٌ وروحٌ، مات على ضفاف القلب، يتحوّل القلب إلى نهر عذب، وهو لايملك ضفتين وحسب، بل؛ يملك ضفافاً كثيرةً وجوانب شتى، تعبيراً عن امتداده وطوله.. ارتمى الورد متهالكاً على تلك الضفاف الممتدة..
لماذا اختارت الشاعرة الورد لترثيه؟؟!! الورد والقلب يرمزان إلى الحب، وبينهما وشائج جميلة لاتُمحى عبر السنين، الورد يُحيي القلب ويجعله ينتعش وينبض بالحياة، وكذلك كانت العلاقة بينهما، متينةً قويةً، وهي إذ رثت الورد فقد رثت القلب أيضاً، وكأنها ترثي الحبّ والجمال والإنسانية جمعاء… اختارت الشاعرة رمزين معبرّين عن استمرار الحب والحياة، فرثتهما معلنةً موتهما وزوالهما.. ثم أتت بصورة الليل بسوداويته وقتامته وطوله الثقيل، فجرف هذا الورد، وقد أجادت الشاعرة في استخدام لفظة”جرفه”، فالجرف يتخذ سمو الاقتلاع والقوة والسحق والعبثية، بعيداً عن الرقة والهدوء والحذر.. يتحوّل الليل إلى آلة تجرف وتزيل الأشياء الجميلة بسرعة، بل يتحوّل تارةً أخرى إلى كائنٍ يغطي الورد بوشاحه محاولاً إخفاء وجوده وعبقه.. حتى الصباحُ بنوره وبعذوبة نداه، والتي شبهتها الشاعرة بالرضاب، ماء الفم والأسنان، لم تستطع إنعاش الورد وإعادة الحياة إليه من جديد.. صورةٌ عذبةٌ، بل؛ غايةٌ في العذوبة والرقة، أن يكون للصباح رضاب وكأنّه فتاةٌ لها فمٌ وأسنانٌ، وفيها ذاك الرضاب العذب الجميل.. ولطالما تغنّى شعراء العصر القديم بهذه الصورة الفنية، فكان رضاب المحبوبة من أعذب ما استقاه الشعراء للتعبير عن الحلاوة والرقة.
فالخيّامُ يقول: ( أطفئ لظى القلب بشهد الرضاب) .
والشاعر ابنُ زيدون قال: ( لقد عطشتُ إلى ذاك ََ الرضابِ لكَمْ… قد باتَ منهُ يسقيني فَيُرويني) . وهذا الورد لم يحظَ برُضاب الصباح، بل تهالك الورد وسُحِقَ بين شفتي الليل، جعلت الشاعرة للّيل شفتين غطّتا الورد بين طبقتيها، لتُعلنَ بعد ذلك عن موت الورد بكلمة ” نعش” بقولها: ” ونام على نعش” بين شفتي الليل، ولتضوع رائحته وعبقه وعطره مع ضوء الصباح، وعلى العشب الأخضر، فكان أثر وجوده جديراً بالرثاء والعزاء.
إذا أحصينا الصور الفنية في القصيدة والتي اتخذت طابع التشخيص والتجسيد من مثل : ” أرثي الورد، ضفاف القلب، جرفه الليل، غطاه بوشاحه، رضاب الصباح، تهالك بين شفتيه، نام على نعش” نجد أنّ القصيدةَ احتفاليةٌ عابقة بالصور الفنية الآسرة، والتي من خلالها أعلنت الشاعرة موت الحب والورد.. وعلى الرّغم من موت الورد، فقد كان جديراً بالحضور بين الطبيعة الخلابة.. كلماتٌ محدودةٌ في القصيدة، لكنها ولدّت معاني ثواني كثيرة، كلّ كلمةٍ حلّقت بخيالنا وجمحت به عالياً نحو السماء.
وقد واءمت الشاعرة بين المعنى والمبنى، المعنى؛ بما حملته أفكار القصيدة، والمبنى؛ بما باحت به كلماتها، فجاءت اللغة الشعرية هامسةً، ترتوي من حروف الهمس الشيء الكثير الكثير، والتي قد جُمعت بعبارة:” سكت فحثه شخص”، والكلمات التي احتوت تلك الحروف الهامسة في القصيدة:” سأرثي، ضفاف، غطاه، بوشاحه، يستطع، الصباح، برضابه، تهالك، شفتيه، نعش، فكان، شرف، التهليل، عشب، أخضر” ولاتكاد كلمة تخلو من حرف هامسٍ في القصيدة إلا نادراً.
وإنان كانت الشاعرة قد استهلّت قصيدتها بالحزن واليأس، إلا أنها أنهتها بتفاؤل عندما قالت : ” فكان له شرف العزاء والتهليل، على منابر من عشب أخضر” التهليل، والمنابر، والعشب الأخضر، إيحاءاتٌ رمزية إلى الحياة واستمرارية الوجود، قد يموت الحب، لكنّه سرعان ما ينهض ويتجدّد عندما تكون إرادة الحياة هي الأقوى.
رولا علي سلوم
*************************
نص قصيدة ( سأرثي الورد) للشاعرة ” جميلة حاتم ”
سأرثي الوردَ
على ضفافِ القلبِ
جرفَه الليلُ
غطّاه
بوشاحِهِ
لم يستطعْ الصباحُ
أن ينعشَه
برُضابِه
تهالكَ
بين شفتيه
ونامَ على نعشٍ
من عبقٍ وضياء
فكان له
شرفُ العزاءِ
والتهليلِ
على
منابرَ
من عشبٍ أخضرَ….
جميلة حاتم