في مثل هذا اليوم 17 ابريل 1993م..
وفاة جمال حمدان..
حلت امس17 ابريل ذكرى وفاة الدكتور جمال حمدان، أحد ألمع العقول المصرية في العصر الحديث، خاصة المرتبطة بمجال الجغرافيا، والتفكير الاستراتيجي ذي البعد القومي، والحس الحضاري بعمقه المصري، لم يتوقف عند تحليل الأحداث الآنية أو الظواهر الجزئية، وإنما سعى إلى وضعها في سياق أعم وأشمل يستشرف الآتي والمستقبلي.
ولد جمال حمدان في 4 فبراير 1928، من أسرة ميسورة الحال بقرية «ناي»، محافظة القليوبية.
-كان واحدًا من أوائل الثانوية العامة في مصر، واختار دراسة الجغرافية، وكان الأول على دفعته طوال التحاقه بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا)، ثم تخرج عام 1948، وعين معيدًّا بالكلية.
-سافر إلى إنجلترا ليدريس الجغرافيا، ودرس في جامعة «ريدنج» حتى حصل على الدكتوراه في “فلسفة الجغرافيا” عام 1953، وقدم فلسفة الجغرافيا للوطن العربي بعد ذلك، فالجغرافيا لم تكن بالنسبة له خطوط الطول ودوائر العرض ومواقع الدول وحدودها، ولكنه تخطى ذلك إلى البحث المتعمق وفهم طبيعة الموقع وقيمته الاستراتيجية.
– لم يتزوج جمال حمدان، ويبدو أن قصة حبه الأولى هي السبب، فخلال خمس سنوات تقريبا قضاها في إنجلترا، تعرّف على فتاة إنجليزية وأحبها وأراد الزواج منها، فطلب منها أن تعود معه إلى مصر، لكنها لم تفعل.
-عمل جمال حمدان معيدًا بكلية الآداب جامعة القاهرة، وكان يتعامل مع الجغرافيا باعتبارها فلسفة، وأطلق بعض النظريات حولها، ولم يكتفِ بتدريسها، وكان تقديرها لها عميقا، وظل مستمرًا في تدريسها حتى تم الإعلان عن قائمة الأساتذة المساعدين، وفور أن وجد من يسبقه في الترتيب، قدم جمال حمدان استقالته عام 1969 مستنكرا عدم تقدير مجهوده العلمي وجهده الأكاديمي.
-عاني جمال حمدان طوال حياته، شأن العباقرة، من عدم الاستحقاق الكافي لتقدير أهميته، وعدم قدرة المجتمع المحيط به على استيعاب ما ينتجه من رؤى سابقة لعصرها، وعاش أكثر من ثلاثين عاما منزويا في شقته الضيقة، ينقب ويحلل ويعيد تركيب الوقائع، وعندما مات ظهرت قدرته على التفرغ للبحث والتأليف.
-تنبأ جمال حمدان في الستينات، عندما كان الاتحاد السوفيتي في أوج مجده، والزحف الشيوعي الأحمر يثبت أقدامها شمالا وجنوبا، بتفكيك الكتلة الشرقية، إلى أن تم الأمر في تسعينات القرن الماضي.
إرث جمال حمدان
ترك جمال حمدان 39 كتابًا و79 بحثًا ومقالة، أشهرها كتاب (شخصية مصر، دراسة في عبقرية المكان)، ومن مؤلفاته:
– «شخصية مصر، دراسة في عبقرية المكان»: أحد أشهر الكتب وأميزها في الجغرافيا، يمزج هذا الكتاب في دراسته بين الجغرافيا والتاريخ والسياسة وعلوم طبيعية وإنسانية وتطبيقية أخرى، وصدر للمرة الأولى في نحو 300 صفحة من القطع الصغير تفرغ لإنجاز صياغته النهائية لمدة عشر سنوات ثم صدر مزيدا ومنقحًا عام 1984.
وتناول الكتاب في المجلد الأول شخصية مصر، خاصة فيما يتعلق بالجيولوجيا والجغرافيا المصرية والصحراوات المصرية التي تمثل النسبة الأكبر في مساحة مصر سواء الغربية أو الشرقية، ووادي النيل.
وفي المجلد الثاني عرض ملامح التجانس الطبيعي والمادي والحضاري والبشري والعمراني للشخصية المصرية وكذلك الحضارة المصرية من العصر الفرعوني حتى ثورة يوليو ومراحل تطور الحضارة المصرية على مر العصور.
وتضمن المجلد الثالث عرض الجوانب الاقتصادية في الشخصية المصرية والتي كانت الزراعة هي ركيزتها الأولى ثم تطور الصناعة والثروة المعدنية في مصر.
وتحدث في الجزء الرابع عن: شخصية مصر الحضارية وهي دراسة للمجتمع المصري والعاصمة باعتبارهما بنية وبوصلة خريطة المجتمع المصرى.
– «اليهود أنثروبولوجيا»: شكك حمدان خلال هذا الكتاب في أن اليهود الحاليين هم أحفاد بني إسرائيل الذين خرجوا من فلسطين قديمًا، ويرجع ذلك بانتماء هؤلاء إلى إمبراطورية «الخزر التترية» التي قامت بين «بحر قزوين» و«البحر الأسود»، واعتنقت اليهودية في القرن الثامن الميلادي، مرجعًا ذلك إلى أن يهود «فلسطين التوراة» تعرضوا بعد الخروج لظاهرتين أساسيتين طوال 20 قرنًا من الشتات في المهجر، أولًا خروج أعداد ضخمة منهم بالتحول إلى غير اليهودية، ودخول أفواج لا تقل ضخامة في اليهودية.
تكريماته
نال جمال حمدان العديد من التكريمات، على ما تركه من كتب وبحوثات أثرت المكتبة العربية، وكان شخصية معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2020، حاز على جوائز عدة من أهمها:
-جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية، سنة 1986.
-جائزة التقدم العلمي من الكويت، عام 1992.
– جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية عام 1959.
– وسام العلوم من الطبقة الأولى عن كتاب شخصية مصر.
وفاته المأساوية
رحل جمال حمدان في مثل هذا اليوم، عام 1993، إثر ظروف غامضة، وعُثر على جثته بعدما أُضرمت النار في شقته لسبب غير معروف، وقال في ذلك الدكتور يوسف الجندي، مفتش الصحة بالجيزة، في تقرير عن وفاة جمال حمدان: أن الفقيد لم يمت مختنقاً بالغاز، كما أن الحروق ليست سببًا في وفاته، لأنها لم تصل لدرجة إحداث الوفاة، وأشار إلى أن ذلك تم بفعل فاعل.!!