الوَهم ..
د.علي أحمد جديد
يمكن وصف (الوهم) بأنه أفكار خاطئة يتصورها الشخص الموهوم أو يتصور إمكانية حدوثها وذلك بما لا تتوافق مع حياته ومستواه الفكري والعقلي وثقافته ، ولا مع علاقته بالأشخاص المحيطين به . و(الوهم) يشوّه الحواس ويشوّش أنظمة الدماغ ، ويفسّر الإثارات الحسية بتفسيرات غير منطقية وبعيدة عن الواقع . وقد عَرَّفه الفلاسفة بأنّه خطأ في الإدراك الحسي ، وأن الشخص المتوهم كثيراً ماتخدعه المظاهر لأنه يتصورها على غير واقعيتها وغير حقيقتها .
كما قسّم علماء النفس الوهم إلى عدة أنواع منها :
* الوهم الطبيعي
* الوهم من تصورات مكتسبة .
ورأى العلماء أنّ أوهام الحواس تُقدّمُ طرقَ إدراكٍ خاطئة وغير متطابقة مع الإدراكات الطبيعية في السلوك الإنساني ، وفي ذلك طريقة ذاتية لرؤية الأشياء والأفكار بصورة بعيدة عن الحقيقة ، إذْ يفتقر الإدراك للطرق المثالية التي تتفق عليها جميع العقول .
ويرى (نيتشه) :
” أن الوهم هو كل ما أنتجه الإنسان من معارفٍ ناتجة عن تصورٍ لاشعوري في البقاء ، بحيث تَظهرُ له الأوهام على أنّها حقائق ، وتكون مصدرها الفكر ، فيلجأ الشخص الموهوم إلى الكذب على نفسه لإخفاء الحقيقة تحت غلاف المنطق ، لأنّ التخلص من الأوهام أمر صعب ” .
ولأن للحواس قدرات محدودة يؤثر عليها البعد المكاني ، حيث تتشابه فيه المظاهر السمعية والبصرية فتُرينا حواسُنا الواقعَ بشكل مشوَّه ، والنفس البشرية هي أكبر سبب للوهم ، لأنها تستخدمه كأداة تحافظ على بقائها من خلال إختلاق الوهم ، ذلك لأن الوهم يرينا العالم كما نريده نحن وكما نرغب أن نراه وليس كما هو فعلاً .
أما الفكر فإنه يحفظ لنا الذكريات والصور ويجمّدها للحظات معينة ويحبس الحقيقة في سجن العقيدة ، فيتولد لدى الإنسان اعتقادٌ بأنه يعرف كل شيء وأنه وحده الذي يعرف كل شيء . وهكذا يكون الوهم بحدِّ ذاته مرض يصيب الإنسان ، وهو أخطر عليه من الأمراض الحقيقية ، لأن الخطأ العادي يستطيع الإنسان التراجع عنه عندما يتأكد بأنه قد أخطأ ، وذلك بعكس الوهم الذي يجعل الإنسان في دوامةٍ لا تنتهي أبداً ، فيشوّش أفكاره ويجعله في دوّامة اضطرابات ليست فكرية أو نفسية (سيكولوجية) فقط ، بل تتحول مع الوقت إلى بدنية (عضوية) تؤدي إلى اختلالٍ في وظائف الجسم ، ومنها :
خلل في الغدد ، وتشنجات ، وإغماء وبكاء لا إرادي ، وارتفلع حرارة مفاجئ ، وأمراض القلب بسبب توجسه وانفعالاته وخوفه ، فيهمل نفسه ويصبح أسيراً لذلك الوهم المرضي (فوبيا) ، ويستدعي علاجه زيارة المختصين ، لتعزيز الثقة في النفس للمريض ، وتوجيهه كي يوفر طاقاته لأمور مفيدة .
والوهم (Illusion) تَشوُّهٌ يصيب حواسّ الإنسان ، ويشوِّش على كيفية تنظيم واستجابة الدّماغ للإثارة الحسّية ، مما يُحدِث خللاً في الحقيقة ، وبذلك يمكن وصف الوهم بأنّه تشوّهٌ حسّي يُسبِّب سوءاً في تفسير الأحاسيس الحقيقية التي يخفيها وراء ستارة من التمارض الشديد .
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى اختلاف (الوهم) عن (الهلوسة) ، إذ تَحدُثُ الهلوسة في غياب المُحفِّز الخارجي أي النفسي ، بينما يحدث الوهم بوجود المُحفِّز النفسي ، وكلاهما لا يشيران إلى حالةٍ نفسية ، وإنَّما من الممكن لأي شخصٍ أن يتعرّض لواحدٍ منهما أو لكليهما معاً .
ولم يتوصّل العلماء حتى اليوم إلى السّبب الدقيق للإصابة بالوهم ، ولكن من المُحتمَل أن يكون للعوامل التالية دورٌ في ذلك ، وهي :
– التجارب الطّفولية :
إذْ تَنتجُ الإصابة بالوهم عن خبرات طفولية تم اكتسابها من الأب أوالأم عندما يكون التوهم المرضي لديهما ، إذ يُلاحِظ الطفل اهتمامهما الزائد بصحّته ، وصحّة إخوته .
– العوامل الحيوية :
وهي الحساسية الزائدة عند بعض الأفراد ، حيث إنّهم قد يتوهمون إصابتهم بالمرض بمجرد السّماع عنه من مصابين به ، أو من الأطباء ، أو من وسائل الإعلام .
– العوامل البيئية والنفسية : وتتمثّل بتوهم الإنسان عن شعوره بالفشل والعجز في حياته العلمية ، او العملية ، أوالأسرية والاجتماعية ، كذلك شعوره العميق بعدم الثقة وبالنقص تجاه شيء ما أو شخص ما ، لذلك قد يكون الوهم هروباً من مشاكل الحياة وخوفاً من المواجهة .
– مراقبة أعضاء الجسم بشكل مبالغ فيه ، وتفسير كلّ تغيير يحدث بطريقة سلبيّة .
– الحرمان العاطفي وفقدان الحب والحنان بسبب التوهم بعدم الوفاء أو قلة الاهتمام ، او توقع الفشل نتيجة علاقات سابقة فاشلة .
وقد يكثر ظهور التوهم أيضاً في مرحلة الشيخوخة ، وذلك بسبب حاجة المسنّ للعناية والاهتمام ، وجلب الانتباه .
– القلق النفسي الشديد الذي تتمّ مقاومته عند تحويل الصّراعات غير الملموسة إلى أشياءٍ ملموسة والتي منها أعضاء الجسم ، بحيث يتمّ التركيز عليها كمَنفذٍ وحيد للشخص المتوهم .
كما يمكن التعرّف إلى وجود الوهم لدى شخصٍ ما من خلال مجموعةٍ من الممارسات كالشكوى المتكرّرة أو من افتعال أي اضطرابات جسدية في مختلف أنحاء الجسم مثل الرأس ، والقلب ، والمعدة .
وكذلك التوسوس الدائم بترصده أو بالمرض ، والتركيز على الفكرة المرضية ، فيملؤه الشّعور غير الكاذب بالمرض رغم عدم وجود المرض ، ممّا يؤدّي إلى جعل الجسم ضعيفاً ، وهزيلاً ، ويزداد توتره النفسي .
وتظهر على الشخص الموهوم علامات الخوف الشّديد من العلاقات الاجتماعية ، فيعاني من عدم الثقة بالنفس الذي يغطيه بعدم الثقة في الآخرين ، ومن اضطراب العلاقات العاطفية ، والانشغال الزائد بالنفس وهو مايؤدّي إلى العزلة عن الآخرين .
وأيضاً كثرة التردّد على عيادات الأطباء ، والانشغال غير الطبيعي بالصحة ، والإصرار على أنّه يعاني من علة جسدية ، وليست نفسية ممّا يجعله غير متقبّل لفكرة الذهاب إلى طبيب نفسي . كما يظهر عليه الإحساس بضعف الذاكرة ، وعدم التركيز العقلي ، وذلك بسبب الوساوس التي تصيب الشخص الموهوم .
كما يعاني من قلة النوم ، بسبب الانشغال بالهواجس ، والوساوس والتوجسات التي تنتابه .
وقد يكون علاج الوهم مُعقَّداً بعض الشيء ، إلا أنّه ليس بمستحيل ، وربما تحتاج حالات الإصابة بالوهم الشّديد إلى المكوث في المشفى إلى حين استقرار الحالة والتعافي المتدرج حتى الشفاء الكامل .