الكلمة والمشهد في القصة القصيرة جدا
الرأس في مجموعة اللامرئي نموذجا لمصطفى شقرة MMustafa Shakrah(النمذجة السورية)
الظل في مجموعة صوتي صدى للغائبين نموذجا صصابر المعارج
(النمذجة العراقية)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد هذا العرض التحليلي ستكون قد أدركت النتائج التالية
– القصص الواردة هنا هي من نمط القصة المشهد
– مفهوم المشهد
– لا تدخل الكلمة المشهد الا بوصفها جزء حادثة
– الكلمة هي ظاهرة انتماء او سيرة ذاتية او ظاهرة اسلوبية
-تأثير الوصف على الكلمة والمشهد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا تمثل الكلمة ظاهرة اسلوبية الا اذا اشبعت صيغا تحققية متواترة وباشكال شتى في الصياغة والدلالة والمغزى والاستعمال
يمكن ان نذهب الى ابعد من ذلك في وصف علاقة الكلمة بالمؤلف فنقول انها ظاهرة انتماء
فحين يأتي بها القاص بهذا الكم “فالانا” (لا تتكلم استنادا فقط الى قناعات خاصة يمكن ان نقول عنها بانها فردية بل تفعل ذلك أيضا استنادا الى كل حالات الانتماء التي تجعل الفرد جزءا من مجموعة أي تحققا لذهنية تعتبر عن ” النحن” التي تنطلق منها ” الانا” من اجل بناء وعوالمها المخصوصة
ما نحلله في النص هو عوالم وموضوعات حقيقية ولكن ليس بصفتها الأشياء العينية بل هي العلاقات أو الترابطات أو الوظائف أو الازاحات أو الفعاليات التبادلية فالأشياء في القصة هي مواضيع إدراك وأننا في القصة نسائل وحقيقة السؤال وسره هو انه لا يتوخى الجواب بقدر ما هو صيغ إدراك مستمرة اذ ان الجواب هو حصة محايثة المعرفة وجهدها في مرحلة ما
ان الكلمة من الأهمية ان تكون هي الحادثة كما ورد في ثلاثية موت رحيم
ان المشهد في القصة القصيرة جدا ما هو الا هذه (العلاقات أو الترابطات أو الوظائف أو الازاحات أو الفعاليات التبادلية) وشرط الوعي هو وجود الظاهرة الموضوعة للإدراك والتي كما قلنا ليست هي الأشياء في عينها بل هي هذه الاستعاذات الموزعة في العلاقات والترابطات والوظائف والازاحات
ان قيمة الشيء هي قيمة وعينا به فالوعي تشخيص للزمن عبر السرد وان حضور الزمن في الوعي هو ما يكون الماهية الثقافية
شرائط تواجد الكلمة في المشهد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- الكلمة في المشهد هي جزء من حادثة بمعنى ان موسوعة الحادثة تقوم بجرد ذاتي في ذهن المؤلف عن الكلمات المودعة في خبرة التنبه لتمثيلها اللغوي فيتم اختيارها دون غيرها
2- يعني استعداد الكلمة للتساهمية في بناء الحادثة هو التاريخ الشعوري والفكري الكامن خبرة الاستعمال لا الفهم فاللغة خبرة استعمال توليدي
3- الوعي بالكلمة هو خبرة الشعور بالأشياء والكيفيات المعروضة على اللغة سؤالا ومحوا وتحويلا
4- لا يوجد موضوع للكلمة في المشهد انما مهمتها هي الكيفيات التي فيها
5- طاقة الكلمة الواصفة هي غير طاقة المشهد كونها تؤدلج الشعور وتقلص المشهد الى مدى انتقائي يبقي مواد تشكله كعتبات ينزاح عنها الى المكتسب الدلالي لذلك فان الكلمة الواصفة تستهدف الأنشطة الدلالية المكتسبة من سردية محتملة
دور الوصف في تفعيل الكلمة والمشهد لصالحه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- طاقة المشهد هي حجم الحدث منعزلا عن أي تشخص زمني الا بما يخص زمن وقوعه وزمن الوقوع لا قيمة له خارج غايته وما الغاية الا المضافات الدلالية القادمة من تحديث استعمالات المشهد كلما استدعاه الوصف
2- الوصف ليس هو استدعاء المشهد بل استدعاء الوعي بالمشهد فالفعل الإنساني ليس داخل النموذج بل في وعي الاستعمال وهو ما ينتج قيما متغيرة
3- يستهدف الوصف حجم الحدث في الوعي لا في نموذج وقوعه الثابت لأن التاريخ ما هو الا نمو الأحداث في الصيغ السردية (حواضن الأدلجة)
4- الأحداث ليست ساكنة ولا مركونة في مراتبها الزمنية الا من حيث صورتها الخبرية وهي في حقيقتها متحركة سائرة (وتلك الأيام نداولها بين الناس) وهذا يعني عندما تصف فأنك لا تمارس احالات على احداث بل تمارس سيرورة دلالية مكتسبة من السير في المعنى والاثر والتشكيل
لنلاحظ الان الكيفيات التي وردت فيها كلمة الرأس
القاص مصطفى شقرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
خَلاص
أسرُوني، خضعْتُ إلَى جلساتِ تعذيبٍ، لمْ أخلعِ انتمائي.. باعُوا قِطَعي، شرِبُوا بها نُخبَ صمودي.. حملْتُ ما بقيَ مِن جسدي عائداً إلَى الوطنِ؛ وجدْتُ رأسي مُؤطّراً!
قتَامة
أدخلُوهم مَرصُوصين، فاحَتْ رائِحتُهم الكَريهة، تَنفّسوا بغصّةٍ؛ عِندما التقطُوا واحِداً.. أشعلُوهُ في غرفةِ التّعذيبِ، عادَ برأسٍ مُفحمٍ.. رسمُوا بِه نَافِذةَ أحلَام.
وجَلٌ
يُدونُ موثِقاً…
بعدَ عُسرٍ تمخَّضَ رأسَهُ مُنجِباً رِوايةً، أخبَرُوهُ بِأنّها لَن تُنشرَ إلّا عِندما؛
تُصادَرُ الأسلِحةُ، يتَوحّدُ العَلمُ، وتُعادُ الشّخصيّاتُ إلَى المقَابِر…!
تَرْمِيم
عِنْدَ كُلِّ زَلزَلةٍ.. تَتنَاثَرُ بَعضُ قِطَعِي، هَوَيْتُ مُتَشظِّيَاً، اِبْتَلَعَ الدَّرْبُ حَاجتَهُ.. لَملَمْتُ البقَايَا.. وَرُحْتُ أبحَثُ عَنْ رَأسٍ جَدِيد!
أفْكَار
اِتّخَذُوا مِنَ الظَّلَمَةِ درُوبَاً، زَرعْتُ قنَادِيلَ فِي طَرِيقِي؛ اِنْتَشَى ظِلِّي المَنكُوبُ، أَرقهُمُ الضَّوْءُ.. بَحَثُوا عَنِ المِقبَس؛ عَلَى بَوَّابَةِ رَأْسِي خَانتْهم أَعْيُنُهم.
برزخ
أضعْتُ جسدي.. نفذَ رأسِي فارِغاً، وجدْتُهم عُراةً على هيكلٍ، حينَ تشابَهْنا.. ابتسمَ وجهِي في ذاكرةِ الجِدارِ.
القاص صابر المعارج
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عذرية
كلّما مررتُ بها؛ فتحتْ جزءً من بابها وشيعتني.
بعد سنين من غيابها؛ تطلعتُ في المرآة، رأيتُ في عينيَّ ظلَّها، وبابا نصف موارب.
صفعة
انهيتُ للتوِ مكالمة ساخنة، انقضضتُ على شقيقتي، صادرت جوالها…
في غرفتي المضاءة تهندمت، تعطرت.
في غرفتها المظلمة…
هممتُ خارجا، قبل أن يبتلعني الطريق التفتُّ؛ ظلُّ امرأة يغادر بيتي!
إباء
كلما تمدّد ظل الجوع، جرفها نحوه، نظراته الشّبقة تخترق ما يسترها، عطره الآثم يوقظ كوامن رغباتها.
تلك الليلة القارصة حزمتْ أمرها، احتضرتْ بينها وبينه المسافة؛ كادتْ تسمع لهاثه؛ استنهضتْ عنفوان كبريائها، ألقتْ نظرةَ وداع على صغارها… عند ذلك النّهر ثمّةَ خطى مرتبكة.
صمود
كلّما اقتربنا من نقطةِ النهاية تمدّد الطريق، استفحلَ ظل اللاجدوى، عدنا القهقرى…
وحده، بين رمال وحريق، واصل الطريق؛ نال مبتغاه…
تحت نصب الحرية تشكّل جسرا دمه.
كبت
يعدو عبر أزقة خاويات، يخوض في رماد ألعابه، يطارد أشباح أصحابه؛ يعود مخذولا.
كلما لاح في مقلتيه ظل دمعة؛ استنهضوا رجولته…
نبتتْ في مقلتيه مخالب!
تفكّك
انهمك كلّ منهما في لملمة سقطات صاحبه…
كنتُ وشيْجة بينهما، تجاذباني:
اقواهما اقتلع جسدي، ومضى، فيما احتضن الآخر ظلِّي وانْزوى.
هواجس
يتسلّل من بين براثن القسوة، يلوذ بظل التّواري، تُنسج حول جسده النحيل شراك الرّيبة.
لمّا أُودع دار الأيتام: وحده حارس المقبرة فتّش عن صبيّ قضى فصولا ينادم قبر أمه.
براءة
سموت فوق مفازات ظنوني، انطلقت، لاحقني
بدا منهكاً؛ حملته.
في غيابات الجبّ أسقطني…
حين أدلى واردهم بدلوه، جرّدني قميصي وتمسّك بحبلهم…ظلّي!
سريرة
انعطفا…
تلاشى صداهما، توارى في التّيه ظلّاهما.
كلّما ذوى غصن في مفازة الفراق، أينعَ كلٌّ منهما ورداً في ذاكرة صاحبه.
تَوَار
أعياه نصحهم، لملم شتات ظلّه، أودع في التّيه خطاه…
لمّا عزموا اقتفاء أثره…
كانت الرّيح استباحت ذاكرة الرّمال.
بهذا نرى ان الكلمة قد تمثل ظاهرة اسلوبية أو سيرة ذاتية أو ظاهرة انتماء تكون جزءا من حادثة تبنى بناء مشهديا ولا يكون هذا الا في القصة المشهد
حيدر الأديب