في مثل هذا اليوم 21 ابريل1509م..
هنري الثامن يعتلي عرش إنجلترا عقب وفاة والده هنري السابع.
هنري الثامن (28 يونيو 1491 – 28 يناير 1547)، ملك إنجلترا منذ 21 أبريل 1509 وحتى وفاته، ولورد أيرلندا ثم ملكها بعد ذلك، والمطالب بحقه في تاج مملكة فرنسا. كان هنري الثامن ثاني ملوك أسرة تيودور خلفًا لوالده هنري السابع.
إلى جانب زوجاته الست، لعب هنري الثامن دورًا هامًا في انفصال كنيسة إنجلترا عن الكنيسة الكاثوليكية. أدى الصدام بين هنري الثامن وروما إلى انفصال كنيسة إنجلترا عن سلطة الباباوية وحل الأديرة وتعيينه لنفسه رأسًا لكنيسة إنجلترا. لكنه ظل مؤمنًا في داخله بالتعاليم الدينية الكاثوليكية، حتى بعد قطع الصلة مع الكنيسة الكاثوليكية. أشرف هنري الثامن أيضًا على الاتحاد القانوني بين إنجلترا وويلز عن طريق سن قوانين تقنن الاتحاد بين عامي 1535-1542.
كان هنري الثامن جذابًا متعلمًا بارع في الخطابة، ويعده البعض «أحد أكثر الحكام الذين جلسوا على عرش إنجلترا كاريزما.» أدت رغبته في إنجاب وريث ذكر لعرشه، -لاعتقاده أن البنات لا يصلحن للحكم والمحافظة على وحدة أسرة تيودور وفرض السلام الذي تحقق بعد حرب الوردتين- إلى شيئين خلدا ذكر هنري الثامن: زيجاته الست والإصلاح الإنجليزي، والذي حوّل إنجلترا إلى أمة معظمها من البروتستانت. وفي نهاية حياته، عانى هنري من البدانة المفرطة، وتدهورت صحته. وقد كانت نظرة العامة إليه أنه ملك شهواني وقاسٍ وأناني وغير مأمون الجانب.
ولد هنري الثامن في قصر جرينتش، وهو الابن الثالث للملك هنري السابع والملكة إليزابيث. ومن بين أبناء هنرى السابع السبع لم يبق إلا ثلاث أشقاء لهنري الثامن: آرثر ومارغريت وماري. وفي عام 1493، وهو في عمر العامين، تم تعيينه مسؤولاً عن الأمن في قلعة دوفر، وأمينا على سجن موانئ سينك. وفي عام 1494، تم تنصيبه دوقًا ليورك، ثم تلا ذلك تعيينه أيرل مارشال لإنجلترا، وممثلاً للملك ورئيسًا للمجلس التنفيذي الأيرلندي. تلقى هنري تعليمًا مميزًا على أيدي المربين، ومن ثم فقد أتقن اللاتينية والفرنسية والإسبانية. ولما كان من المتوقع أن ينتقل العرش إلى الأمير آرثر – الأخ الأكبر لهنري – فقد جرى إعداد هنري للحياة الكنسية. وقد توفيت والدته إليزابيث وهو في الحادية عشرة من عمره.
وفاة الأمير آرثر
توفي الأمير آرثر ولي عهد الملك هنري السابع والأخ الأكبر لهنري الثامن عام 1502، وهو في الخامسة عشرة من عمره بعد نحو عشرين أسبوعًا من زواجه بكاثرين أراغون. وبوفاة آرثر، ألقيت كل مسؤولياته على عاتق أخيه الأصغر هنري؛ فأصبح بذلك أميرًا على ويلز. حاول هنري السابع إنعاش جهوده للتحالف بين إنجلترا وإسبانيا عن طريق المصاهرة؛ عرضه لزواج هنري أمير ويلز من أرملة أخيه الأمير آرثر، الأميرة الإسبانية كاثرين صغرى أبناء الملكين فرديناند الثاني ملك أراغون وإيزابيلا الأولى ملكة قشتالة. تطلب هذا الزواج إصدار موافقة باباوية تزيل موانع زواج أمير ويلز من أرملة أخيه؛ لوجود نص في سفر اللاويين «وإذا أخذ رجل امرأة أخيه فذلك نجاسة قد كشف عورة أخيه يكونان عقيمين»، من جانبها فقد أقسمت كاثرين أن زواجها من الأمير آرثر أبدًا لم يكتمل.
وقد دفع نفاذ صبر الملكة إيزابيلا الأولى – أم كاثرين – البابا يوليوس الثاني إلى منح إعفاء بابوي في شكل مرسوم بابوي. وهكذا، وبعد أربعة عشر شهرًا من وفاة الزوج الشاب وجدت كاثرين نفسها مخطوبة لأخيه الأصغر هنري. وبحلول عام 1505، لم يعد هنري السابع مهتمًا بالتحالف مع إسبانيا، ثم أعلن هنري الابن أن تلك الخطوبة جرى ترتيبها دون موافقة منه. إلا أن المناورات الدبلوماسية استمرت حول مصير الزواج المقترح حتى وفاة هنري السابع عام 1509. وعند بلوغ الأمير هنري السابعة عشرة، تزوج هنري من كاثرين في 11 يونيو عام 1509، وفي 24 يونيو 1509، تُوِّج الملكان الجديدان في دير وستمنستر.
بداية عهده (1509-1525)
هنري الثامن في الثمانية عشرة من عمره وقت تتويجه عام 1509.
بعد يومين من تتويجه، أصدر الأمر باعتقال اثنين من وزراء أبيه الذين لم يكونا يحظون بشعبية كبيرة، السير ريتشارد إمبسون وإدموند دادلي، ثم اتهما بالخيانة العظمى وجرى إعدامهما عام 1510. كان هذا هو تكتيكه الأول للتعامل مع هؤلاء الذين وقفوا في طريقه.
بدا هنرى في صورة رجل عصر النهضة، وأصبح بلاطه قبلة المبدعين من العلماء والفنانين. وقد كان هنري بالفعل موسيقيًا ومؤلفًا وشاعرًا، أشهر مؤلفاته الموسيقية اللهو مع الخلان. كما كان شغوفًا بلعب النرد والقمار، وبارع أيضًا في الرياضة وخاصة، المبارزة والصيد والتنس. إضافة إلى ذلك، عرف هنري الثامن بتفانيه في الدفاع عن المعتقدات الدينية المسيحية.
فرنسا وهابسبورج
في عام 1511، أعلن البابا يوليوس الثاني تحالفًا مقدسًا ضد فرنسا. لم يشمل التحالف الجديد إسبانيا والإمبراطورية الرومانية المقدسة فقط، وإنما ضم إنجلترا أيضًا. اتخذ هنري من تلك المناسبة ذريعة لتوسيع نطاق سيطرته في شمال فرنسا؛ فأبرم معاهدة ويستمنستر في نوفمبر 1511 – والتي نصت على الدعم المتبادل مع إسبانيا ضد فرنسا – ثم أعد العدة للمشاركة في حرب العصبة المقدسة.
في 16 أغسطس 1513، غزا هنري فرنسا، وهزمت قواته الجيش الفرنسي في معركة سبيرز. بينما قام زوج شقيقته جيمس الرابع ملك اسكتلندا بغزو إنجلترا بطلب من لويس الثاني عشر ملك فرنسا، لكنه أخفق أثناء عزيمة هنري عن غزو فرنسا. قادت الملكة كاثرين أراغون الجيش الإنجليزي بوصفها نائبة الملك أثناء غيابه، لإلحاق هزيمة مروعة بالإسكتلنديين في معركة فلودين في 9 سبتمبر عام 1513، وكان من بين القتلى جيمس الرابع نفسه، لتنهي المعركة التدخل القصير للإسكتلنديين في هذه الحرب.
وفي 18 فبراير 1516، أنجبت زوجته كاثرين طفلته الأولى التي بقيت على قيد الحياة الأميرة ماري. (كانت كاثرين قد أنجبت له ولدًا «هنري دوق كورنوال» عام 1511، الذي توفي بعد أسابيع من ميلاده).
القوة والسلطة
الحكومة والاقتصاد في عهده
اقتصاديًا، كان عهد هنري كارثيًا. على الرغم من أنه ورث اقتصادًا مزدهرًا (إضافة إلى أراضي الكنيسة التي استولى عليها)، إلا أن نفقاته الكثيرة والضرائب الباهظة دمرت الاقتصاد. فعلى سبيل المثال، زاد هنري من عدد القطع البحرية في الأسطول الملكي من 5 إلى 23 سفينة. عشق هنري القصور فزاد عددها من 12 قصر عند تتويجه إلى 25 قصر تحتوي على 2,000 قطعة منسوجة مزدانة بالرسوم قبيل وفاته. وبالمقارنة بجاره وابن شقيقته جيمس الخامس ملك اسكتلندا، امتلك جيمس خمس قصور ومائتي قطعة منسوجة فقط. كما كان يفخر بمجموعة الأسلحة التي احتفظ بها، والتي شملت 2,250 من المدافع و6,500 مسدس.
هنري الثامن مع شارلكان (يمين) والبابا ليون العاشر (وسط)، حوالي عام 1520.
بدأ هنري عهده بالاعتماد كثيرًا على مستشاريه، وأنهاه وقد أصبح حاكمًا مطلقًا. منذ عام 1514 إلى عام 1529، تولى الكاردينال الكاثوليكي توماس وولسي منصب مستشار الملك، والمتحكم فعليًا على السياسة الداخلية والخارجية للملك الشاب. فقد تولى وولسي التفاوض على الهدنة مع فرنسا عام 1520، وكان له القرار في عقد وفسخ تحالفات إنجلترا مع فرنسا والإمبراطورية الرومانية المقدسة. أغضب وولسي الأغنياء بفرضه للقروض الإجبارية لتمويل الحروب الخارجية، في الوقت الذي كان يتمتع فيه وولسي بثروة هائلة وحياة رغدة. إلا أن وولسي أحبط الملك عندما لم يستطع أن يدبر له طلاقًا من الملكة كاثرين. أصبحت الخزانة فارغة بعد سنوات من الإسراف، مما أغضب الشعب، فلجأ هنري إلى نهج جديد تمامًا، لذا كان لا بد من استبدال وولسي. بعد 16 عامًا من وجوده على رأس السلطة، عزل هنري الكاردينال وولسي عام 1529، واعتقله عام 1530 ملفقًا له تهم بالخيانة، وتوفى وولسى في السجن قبل اعدامه. كان سقوط وولسي إنذارًا للبابا ولرجال الدين في إنجلترا، مما قد يحدث في حالة عدم الامتثال لرغبات الملك. عندئذ، سيطر هنري تمامًا على حكومته، على الرغم من وجود عدد من الفصائل المتعددة التي تصارع بعضها البعض داخل البلاط.
رب وفاته، أصبح وزن هنري زائدًا بشكل كبير؛ حتى بلغ محيط خصره 137 سم، ولم يعد قادرًا على الحركة إلا بمساعدة الآلات. كما انتشرت على جسده البثور المتقيحة المؤلمة، وربما عاني من النقرس. بدأ هنري معاناته مع السمنة والمشكلات الطبية الأخرى بعد الحادث الذي أصيبت فيه ساقه خلال مبارزة عام 1536. تسبب الحادث في تجدد جرح قديم عانى منه هنري منذ سنوات، حتى يأس الأطباء من علاجه. تقرح الجرح للفترة المتبقية من حياته، وبالتالي منعه من الحفاظ على نفس المستوى من النشاط البدني كما كان في السابق. تسببت حادث التبارز في تقلب مزاج هنري، وهو ما كان لها تأثير كبير على شخصيته ومزاجه.
النظرية القائلة بأن هنري عانى من الزهري أضحدها العديد من المؤرخين. ورغم أن مرض الزهري معروفًا في زمن هنري، لم يسجل أطباء هنري أي إشارة لإصابته بهذا المرض. هناك نظرية حديثة أكثر مقبولية، تشير إلى أن أعراض هنري الطبية، والتي عانت منها أيضًا أخته الكبرى مارغريت، هي من أعراض داء السكري من النمط الثاني. وفقًا لدراسة نشرت في مارس 2011، بأن حالات حمل زوجاته وتدهور قواه العقلية، تشير إلى أن الملك قد يكون عانى من كيل إيجابي ومن متلازمة ماكليود.
قام خبراء السمنة في الكلية الإمبراطورية في لندن بتحليل تاريخ هنري الثامن ومورفولوجيا جسده لتحديد ما إذا كانت إصابة في الدماغ بعد حادث تبارز 1536، قد تسببت في اضطراب هرموني عصبي إدى إلى سمنته. حدد هذا التحليل نقص هرمون النمو (GHD) كمصدر لزيادة سمنته، بل والتغييرات السلوكية الكبيرة – كالزواج المتعدد والحرب مع فرنسا – في سنواته الأخيرة.
تسبب مرض السمنة في وفاة هنري عن عمر يناهز الخامسة والخمسين، وقد وافق ذلك 28 يناير 1547 في قصر وايت هول، والذي صادف عيد الميلاد التسعين لوالده، وكانت كلماته الأخيرة: «الرهبان! الرهبان! الرهبان!» ربما في إشارة إلى الرهبان الذين تسبب في طردهم بحل الأديرة. دفن هنري الثامن في كنيسة القديس جورج في قلعة وندسور بجوار زوجته جين سيمور. وبعد أكثر من مائة عام، دفن الملك تشارلز الأول في نفس المدفن.
بعد وفاته خلفه ولده الشرعي الوحيد إدوارد تحت اسم إدوارد السادس. ولما كان إدوارد في التاسعة من عمره، وليس القدرة على تولى السلطة. أوصى هنري بمجلس يتكون من 16 وصيًا لإدارة الحكم حتى يبلغ هنري الثامنة عشر من عمره. اختار الأوصياء إدوارد سيمور خال الملك ليكون حاميًا للعرش. وكما هي العادة، أوصى هنري بأن تكون خلافة إدوارد من حق أخته ماري وذريتها، وإن لم يكن لها ذرية يؤول العرش لأختهم إليزابيث وذريتها. وفي النهاية، إن لم يكن لإليزابيث عقب، يؤول العرش لذرية شقيقته الصغرى ماري، مستبعدًا بذلك ذرية شقيقته مارغريت من خلافته، وفقًا لتلك الوصية. إلا أن الأمر فشل فبعد وفاة ابنته إليزابيث، خلفها جيمس الرابع ملك اسكتلندا حفيد شقيقته مارغريت.!!