“بوديتشيتا” في فلسفة الديانة “البوذية” ..
د.علي أحمد جديد
إن مصطلح “بوديتشيتا” في الديانة البوذية يعني “الرغبة في تحقيق التنوّر من أجل الآخرين” كما يوصف بأنه حالة ذهنية للكائن المستنير الذي تعهّد بالبقاء في العالم حتى يُتم تنوير جميع المجتمعات .
وأن تعاليم “بوديتشيتا” قد تطورت في البوذية ماهايانا عما كانت عليه في القرن الثاني الميلادي ، وبدأت تعطي أو تأخذ ، أو في نفس الوقت تقريباً الذي كانت مكتوبةً فيه على (Prajnaparamita Sutras.
كمال الحكمة) ، والتي تشمل القلب و Sutra الماس في المقام الأول لدراسة فلسفة (sunyata الفراغ).
وكانت المدارس القديمة في الديانة البوذية تنتمي إلى عقيدة anatman – لا ذاتية – بمعنى أن غرور الفرد أو شخصيته هي أمر محير وموهن ، وأن التحرر هذا الوهم ، يجعل الإنسان متنوراً و يتمتع بالنعيم والسكينة . ولكن في عقيدة (ماهايانا) البوذية ، فإن كل الكائنات خالية من جوهر الذات ، ولكنها بدلاً من ذلك تتواجد في رابطة واسعة من الوجود لتكون مستنيرة معاً ، وليس فقط من منطلق الإحساس بالشفقة ، ولكن لأن المجتمعات في الواقع باتت منفصلة عن بعضها البعض ، وذلك مايثير الجشع والأنانية في النفس البشرية ويجعلها بعيدة عن الإنسانية أو خالية منها خلواً كاملاً .
ولأن “بوديتشيتا” أصبحت جزءاً أساسياً من ممارسة (ماهاياناMahayana) وشرطاً أساسياً للتنوير ، فإنه ومن خلال “بوديتشيتا” يمكن تجاوز الرغبة في تحقيق تنوير المصالح الضيقة للذات الفردية لتحتضن الجميع في الرحمة وفي الأخوّة الإنسانية .
ويقول (الدالاي لاما الرابع عشر) :
“إن عقل الصحوة الثمين “التنوّر” في (بوديتشيتا) ، الذي تعتز به الكائنات الحية الأخرى أكثر من نفسه ، هو دعامة ممارسة بوديساتفا – مسار السيارة العظيمة.
ولا يوجد عقل أكثر فضلاً من بوديشيتاتا ،كما لا يوجد عقل أقوى من بوديشيتا ، ولا يوجد عقل أكثر بهجة من بوديتشيتا لإنجاز المرء غرضه النهائي ، عقل الصحوة (التنوّر) هو الأسمى لإنجاز الغرض من جميع الكائنات الحية الأخرى . ولا يوجد شيء أعلى من بوديتشيتا ، وعقل الصحوة هو وسيلة لا يمكن تجاوزها لتراكم الجَدارة ، ولتطهير العقبات ، لأنه هو الأسمى للحماية من تدخلات بوديتشيتا العليا ، والتي هي الطريقة الفريدة والشاملة -كل قوة عادية وعادية فوقية- يمكن تحقيقه من خلال بوديتشيتا ، لذلك هو ثمين للغاية “.
ذلك لأن “بودي” يعني “الصحوة” والتي هي ” التنوير ” . وإن كلمة “تشيتا” تعني “العقل” التي تترجم أحياناً إلى “قلب العقل” لأنها تعني في بعض الحالات “الوعي العاطفي” بدلاً من “العقل” . وهذه الكلمة يمكن أن يكون لها ظلال مختلفة من المعنى حسب السياق المقصود . وفي بعض الأحيان يمكن أن تشير إلى حالات ذهنية أو مزاجية . كما أن “العقل” من نَواحٍ أخرى ، ينبثق من تجربة ذاتية ويكون أساس جميع الوظائف النفسية . وأن الطبيعة الأساسية لكينونة “Setta سيتا” -الآلهة الهندوسية- هي الإضاءة النقية لتحقيق التنوير الإنساني الداخلي والخروج من الظلامية خروجاً نهائياً .
ومن خلال التطبيق على “بوديتشيتا” ، يمكن الاستنتاج أن هذا Sitta لاتعني النيّة أو العزم أو التفكير لإفادة الآخرين ، بل هي شعور عميق أو دافع يأتي من خلال الممارسة . لذلك ، يجب المحافظة على أن تبقى زراعة “بوديتشيتا” من الداخل الإنسانية دائماً .
لأن مختلف المدارس في “Mahayana ماهايانا” تنتهج طرقا أخرى و مختلفة . ومع ذلك ، فإن “بوديتشيتا” تنشأ من الممارسات اليومية الصادقة.
ولأن مسار “Bodhicittopadaبوديساتفا” يبدأ عند التطلع الصادق لتحرير جميع المجتمعات التي هي الآبار الأولى في القلب والناشئة عن التفكير في تنوير “الصحوة” .
وقد قارن الكاهن البوذي (داميان كيون) ذلك بـ “نوع من تجربة التحويل التي تؤدي إلى نظرة متغيرة حول العالم”.
تقسم البوذية التبتية “بوديتشيتا” إلى نوعين اثنين (نسبي ومُطلَق) . وأن “بوديتشيتا” المطلقة هي البصيرة المباشرة إلى الواقع ، والإضاءة النقية ، “التنوير من الظلامية” . بينما تمثل النسبية منها الرغبة في تحقيق “التنوّر” لصالح جميع الكائنات .
وتنقسم “بوديتشيتا” النسبية إلى نوعين ، تتمثل الأولى في الطموح والأخرى في العمل . لأن الطموح هو الرغبة في اتباع مسار “Bodhicittopada بوديساتفا” من أجل الآخرين ، بينما في العمل أو التطبيق تكون المشاركة الفعلية للمسار .
وفي الختام ، فإن “بوديتشيتا” في جميع أشكالها تعني السماح للرأفة بالآخرين وهي التي تقود إلى الحكمة من خلال التخلّص من قيود التشبث الذاتي (الأنانية الفردية) .
وعند هذه النقطة ، لابد من معرفة
أن “بوديتشيتا” تعني ترفُّع الإنسان عن فكرة التركيز على ذاته ، وتمنحه الفرصة لترك العادات الخاطئة ، لأن كل شيء نواجهه يجب أن يكون فرصة لتطوير الشجاعة في التغلب على النفس(الذات) .