قراءة نقدية بين مبدع ومشاكس:”القصيدة ولوعة الرثاء”
المبدع:حمد حاجي(النجمة البعيدة)Hamed Hadji
المشاكس:عمردغرير(قصيدة في كتاب) عمر دغرير
الناقدة: جليلة المازني.
التصدير:يقول الشابي:يا موت قد مزّقت صدري// و قصمت بالارزاء ظهري
القراءة النقدية:”القصيدة ولوعة الرثاء”
تندرج قصيدة المبدع حمد حاجي (النجمة البعيدة) وقصيدة المشاكس عمر دغرير(قصيدة في كتاب) في غرض الرثاء في الشعر.
خصائص الرثاء:
و”الرثاء هو ثناء الشاعر ومدح الميّت وذكر خصاله الحميدة…والرثاء يحمل الكثير من المشاعر الصادقة والمؤثرة في النفس عند سماعهاوعدم التصنع في الشعر حتى لا تخرج القصيدةعن مغزاها الاساسي وهو رثاء الميت.
وتبدأ القصائد الرثائية غالبا بمخاطبة العين وطلب البكاء منها على فراق الميت”(1).
والمعروف ان الرثاء هو صوت البكاء مع الحركات والكلام على الميت مع ذكرمحاسنه والصفات الانسانية النبيلة فيه.
I -المبدع:الشاعرحمد حاجي.
– ركز الشاعر في قصيدته على صوت البكاء
– كما ركّز على الصوت بالكلام
1- الصوت بالبكاء:
ان الشاعر ركز على صوت البكاء في البداية لان البكاءهومتنفس على المرء في حالة حزنه وهو ردة فعل تلقائية صادقة في مصابه.
ان الشاعر أطلق العنان للبكاء سرا وعلانية:
لقد كان يبكي من الداخل في قلبه(وكنت انتحبت ..صموتا..صموتا..) وهو أشد البكاء فكان الشاعر كاتما لصوته لان في ثقافته الشعبية ان الرجل لا يبكي والبكاء للنساء ولعله يقول في نفسه”ان دمعي في الحوادث غالي”.
بيد انه سرعان ما أظهر بكاءه جهرا لفرط تأثره ولصدق حزنه على فراق الفقيدة
(وعند الفراق بكيتك)
وأكثر من ذلك كأني بالشاعر من هول فاجعة الموت على نفسه ومن شدة الحزن يراقب من يبكي الفقيدة( وانتحب الكلّ / كل الرفاق شيوخا/نساء وشباب)انه يريد عزاء لنفسه فحتى الكمان تؤازره بلحن الحزن والبكاء(يبكي الرباب..)
واثر التعبير عن تأثره بحاسة العين والبكاء يأت دور حاسة النطق والكلام
2- الصوت بالكلام :
انه سيفرّج عن نفسه بالنداء للبحث عن فقيدته “ندى” فيقول:
تمنيت أصرخ أين صوت ندى؟ أين غاب؟
وددت أوزع صوتي على الراجعين
أسائل من ذهبوا عن ندى طامعا في جواب.
ان الشاعر لاينفك عن مناداة الفقيدة باسمها “ندى” وهو في ذلك يعلل نفسه ويوهمها بوجودها بينه وبين نفسه /وجودها بين الراجعين/وجودها بين من ذهبوا
ان الشاعر اكتفى بالبكاء والنحيب سرا وجهرا دون ذكر محاسنها(وذلك من خصائص الرثاء) ولعل حالة الشاعر النفسية وبكاؤه الشديد غيّب عنه تعديد محاسنها ولعل المتلقي في هكذا مواقف قد يذكر المصاب بمحاسن فقيدته وينتج معه الرثاء.
لعل الشاعر قد وجد في مناداته لندى معاني محاسنها في قطرات الندى التي تنعش الازهار وفي الكرم وفي الرائحة الطيبة التي يحملها اسمها.
وكأني بالشاعرقد سلبه فقدانها عقله لذكر محاسنها فاستعاض عن ذلك بالبكاءعلى خيبة انتظاره لزفافها واحتفاله بعرسها ليرتدي “بيض الجباب”
ان هذه الخيبة استولت عليه واستبدت بنفسه الحزينة فيقول:
دخلت لبيتك لمحت ثياب الزفاف
وكوة نور وحناء في قفة وخضاب
وكنت أودّ بعرسك أحفل ألبس بيض الجباب.
ومن فرط حزنه انه لم يستوعب موتها وتخيلها تمشي الى جنبه ولكنها لم تجب نداءه لانها مجرد سطور في كتاب:وحين انحنيت أطل بشباك بيتك
شفتك جنبي تمرين أخيلة في ثياب
وناديت
وكيف تجيب سطور مقدرة في كتاب؟
وقد دعم الشاعر عدم استيعابه لفقدانها باستخدام ضمير المخاطبة(تشممت ريحك/بكتك/لعلني انساك/اسمع صوتك/ أصمت حين أراك/لبيتك/ عرسك…)
واستخدام ضمير المخاطبة ليوهم نفسه انها امامه ويخاطبها.
اما عنوان القصيدة “النجمة البعيدة”فالنجمة كناية عن ندى في جمالها وضيائها واشعاعها لكن وصفها بالبعيدة لا ينفي الوصول اليها واللقاء بها عند أجله ولو “بعد حين”.
==== يتبع===
===يتبع===
II- المشاكس:الشاعر عمر دغرير:
وفي هذا الاطار من الحزن والتأثر ينساق المشاكس عمر دغرير على غير عادته في مؤازرة المصاب للتخفيف عنه وهو هنا يتجنب المشاكسة عمدا حتى لايزيد الطين بلة فيذكّر ببكاء الشاعر سرّا ايمانا منه هو الآخر بان الرجل يبكي في قلبه ولا تبكي عيناه فيقول:
ولم ينتبه للبكاء
غير ماكمشت يدك من تراب..
ولعل المشاكس هنا قد يذكّره أن مصير الانسان هو العودة الى التراب الذي منه خلق واليه يعود.
وكأني بالمشاكس أراد ان يعيد الشاعر المصاب الى رشده ليذكّره بان الموت حقّ ولا مهرب منها حين جعل مناداته لندى دون جدوى(وناديت للمرة الالف ندى..
ولا من مجيب..
ان المشاكس متعاطف على غير عادته ايضا مع الشاعر ايمانا منه ايضا بان الموت حق ليعيده الى صوابه رغم مرارة هذه الحقيقة فيقول:
ويحزنني ان أقول:
ندى غادرت فجأة بيتها
وكل ما تركت
دموعا وبعض حروف
كنت جمّعتها في كتاب…
ان هذه الفجوة النصية(الثلاث نقاط…) التي تركها المشاكس للقارئ قد تجعل هذا الاخير يستحضر ما قاله ابو العتاهية في رثاء نفسه للاقناع بان الموت حق ولا مهرب منها (2):
ننافس في الدنيا ونحن نعيبها//لقد حذّرتناها لعمري خطوبها.
رأيت المنايا قسّمت بين أنفس// ونفسي سيأتي بعدهنّ نصيبها.
كأني برهطي يحملون جنازتي//الى حفرة يحثى علي كثيبها.
أيا هادم اللذات مامنك مهرب//تحاذر نفسي منك ما سيصيبها .
واني لممّن يكره الموت والبلى//ويعجبني روح الحياة وطيبها .
سلم جليل حرف المبدع والمشاكس.
بتاريخ21/04/2024
المراجع:
https://mawdoo3.com>…(1)
تعريف الرثاء- موضوع
https://www.aldiwan.net>poem10…(2)
الديوان-أبو العتاههية.