الماورائية أو ماوراء الطبيعة (الميتافيزيقا Metaphysics) ..
“1”
د.علي أحمد جديد
(الماورائية أو الميتا فيزيقيا) هي فرع من الفلسفة يدرس جوهر الأشياء ، ويشمل أسئلة الوجود ، والصيرورة ، والكينونة ، والواقع .
ويشير ذِكر الطبيعة هنا إلى طبيعة الأشياء ، مثل سببها والغرض منها وتدرس ما (وراء الطبيعة) كينونة الأشياء بالإضافة إلى طبيعتها ، وتركِّز بصورةٍ خاصة على جوهر الأشياء وعلى جودة كينونتها . كماتسعى دراسة ما (وراء الطبيعة) في صورتها المجردة العامة – إلى الإجابة على أجزاء من الفلسفة النظرية المعروفة .
وكلمة (ميتافيزيقا) أو علم ما وراء الطبيعة هي كلمة يونانية تتألف من قسمين اثنين هما :
(ميتا) ويعني بَعد ، أو ما وراء .
و(فيسيكه) أي الطبيعة أو (دراسة الطبيعة) وهي فرع من فروع الفلسفة التي تهتم بدراسة البدايات الأولى والوجود (الأنتولوجيا) . وتشمل (الميتافيزيقيا) بشكل عملي جميع المسائل التي لا يمكن تصنيفها ضمن الإطار الطبيعي الفيزيائي الواقعي المادي والملموس والتي تم الاتفاق على تصنيفها ضمن إطار (الميتافيزياء) . وهذا ما يجعل علم (الميتافيزياء) يتناول بدراسته الظواهر الروحية والنفسية ويناقش الظواهر الغريبة كالجِنّ ، الأشباح .. والتخاطر .
و(الميتافيزيقا) فلسفة تهتم بدراسة الطبيعة الأساسية للواقع ، وذلك مايُسمى علم ماوراء الطبيعة(الأنتوبولوجيا) الذي يهدف إلى تقديم وصفٍ منظم للعالم وللمبادئ التي تحكمه . وخلافاً للعلوم الطبيعية التي تدرس مظاهر محددة من العالم ، تُعتبر (الميتافيزيقا) علوماً استقصائية أكثر توسعاً في المظاهر الأساسية للموجودات . إذْ يعتمد علماؤها على أنماطٍ تحليلية تعتمد بدورها على المنطق الخالص عوضاً عن النهج التجريبي الذي يتبعه علماء الطبيعيات . وقد ركزت خصوصية ما وراء الطبيعية ـ دائماً ـ على مفاهيم أساسية ، كالفضاء والزمن ، والسببية ، والهوية والتغيير ، والاحتمالية والضرورة ، والمتفردات والعموميات ، والعقل والجسد .
ولأن كلمة (ميتافيزيقا) تشمل الكلمة الإغريقية (Meta) والتي تعني (ما وراء أو بعد) ، وكلمة (Physika) التي تعني (الطبيعة) فهي تشير إلى العلوم المختلفة عن الطبيعة والمادة في كتابات (أرسطو) من العصور القديمة . وقد كان المقصود بكلمة (Meta) لدى (أرسطو) الإشارة إلى الفصول التي تلي – مادياً – ماكتبه في الفيزياء من المجموعة المحررة بعد وفاته . حتى أن (أرسطو) نفسه لم يطلق لفظ (الميتافيزيقا) على هذه الأعمال ، بل إنه أطلق عليها لفظاً مغايراً وهو (الفلسفة الأولى) .
ومن هنا نجد أن الكلمة لا تشير إلى التصنيف بل إلى الترتيب ، كما أنها تدل على الطابع الفلسفي الذي احتوت عليه هذه المؤلفات وذلك ما أوجد الخلط بين الفلسفة والميتافيزيقا . لأن
(الميتافيزيقا) تبحث في البدايات الأولية للعالم ، وفي حقيقة العلوم . وتنقسم اهتمامات (الميتافيزيقا) إلى دراسة طبيعة الوجود ، وتفسير الظواهر الأساسية في الطبيعة ، ومستويات الوجود ، وأنواع الكيانات الموجودة في العالم والعلاقة بينها . كما تختص بدراسة الكون ونشأته ومكوناته بالإضافة إلى دراسة التصورات التي يتمثل بها الإنسان من خلال رؤيته للكون بما فيه الوجود ، الزمان والمكان ، قانون العلة ، الاحتمالات . وقد عرَّف (باومجارتن ألكسندر جوتليب) الميتافيزيقا في كتابه ميتافيزيقا 1957 :
“أنها العلم الذي يدرس الأسس الأولى أو المبادئ الأولى التي تقوم عليها المعرفة الإنسانية ، وهذه الأسس هي أسس أنتولوجية (مفهوم الوجود) وكوزمولوجية (مفهوم الكون) .. ونفسية ولاهوتية ” .
وكذلك لم تُشِر كلمة فلسفة إلى (الميتافيزيقا) وإنما إلى علم المنطق والأخلاق والفيزياء والتي صنفها الرواقيون على أنها “مجموعة العلوم الفلسفية” .
وقد أطلق (أرسطو) لفظاً مغايراً للميتافيزيقا وللفلسفة معاً ألا وهو (الفلسفة الأولى) ومن هنا كان السؤال :
هل الفلسفة ميتافيزيقا أم أنها فلسفة أولى تقوم على دراسة الموجود بوصفه موجوداً كما تقوم على دراسة المنطق الأكثر ارتفاعاً أو علواً عما هو موجود بالفعل .
إن (الميتافيزيقا) تتداخل بشدة مع كل فرع من فروع البحث الفلسفي ، كما أنها تهتم بدراسة أسئلة فلسفية تتعلق بالطبيعة وبالبنية العامة للعالم الذي نعيش فيه ، وعند تناول مشكلة ما في فلسفة علم النفس ، أو فلسفة الرياضيات ، أو فلسفة الدين ، سرعان ما يتم مواجهة قضايا وتساؤلات ميتافيزيقية .
وإن التأمل المسمى بالميتافيزيقيا ليس في الحقيقة سوى شكلٍ من الميل إلى الوحدة وسدِّ الثغرات الموجودة في لوحة الكون والبحث عن تفسير موحد للعالم خارج نطاق العلم وهذا ما أشار إليه الأمريكي (أْو.جيمس) بقوله :
“ليست الميتافيزيقا سوى مسعىً بالغ التصلب والعناد للتفكير بصورة واضحة ومتماسكة . كما أنها تعني طريقة خاصة في التفكير الفلسفي لتجاوز استنتاجات العلوم في القيمة والمدى ” .
ومن هنا تكون (الميتافيزيقا) مصطلحاً يشير إلى المعرفة الأساسية للموجود بوصفه موجوداً في كليته ، كما أنها تبحث في الفكر والوجود والمطلق ، بالإضافة إلى اهتمامها بالنواحي الخارجة عن إطار الحس والمشاهدة المادية ، والتي لها القدرة على ترك تأثيرها في الثقافة المجتمعية وعلى خلق مفاهيم ومعتقدات تؤثر على العادات والأعراف السائدة في المجتمعات . وترتبط (الميتافيزيقا) بالذاكرة الجَمعية للشعوب من خلال الديانات والعقائد والأساطير المقدسة ، كما في الوقائع التي حدثت في الماضي السحيق من زمن البدايات ، وغالباً ما تحكي واقعاً أو خيالاً ، وهي تفرض نفسها على معتنقيها من خلال نسقٍ كامل من العقائد التي يتم توارثها عبر الأجيال بطريقتين :
* الأولى بشكل إرادي واع نتيجة التأثير الذي يمارسه كل جيل على أفراده عبر منظومة التربية والتعليم .
* الثانية بشكل تلقائي لا إرادي ولا واعٍ وهو ما يسميه (محمد حسين دكروب) “الذاكرة الجمعية” والتي يؤكد على أنها الأساس الرابط للمجتمع لأنها تعمل على تحديد مجمل البنى التشكيلية كأنساق ثقافية لا واعية وتعطي دلالة ومعنى لِما هو أسطوري أو تاريخي أو واقع منصرم في حياة الشعوب . وتعطي هذه الذاكرة الجمعية القواعد المنظِّمَة للعلاقات الاجتماعية والثقافية بشكل معين ومستمد مما تختزنه الذاكرة الجمعية من ماضيها السحيق في بنية وجودها التاريخية اللاواعية .
لقد قسم (أرسطو) “الميتافيزيقا” إلى ثلاثة فروع رئيسية بالإضافة إلى بعض الأجزاء الصغيرة المتعلقة بالمعجم الفلسفي ، وإلى بعض ما استخلص من علوم الطبيعة ، والتي تعتبر اليوم الفروع التقليدية للميتافيزيقا . وهذه الفروع هي :
اللاهوت الطبيعي (مفهوم الإله) ، والكوزمولوجيا (العلوم الكونية) ، والأنتولوجيا (مفهوم الوجود) .
– يتبع بالجزء الثاني –